المعارضة في كل الدنيا وفي التعريف اللغوي لها هي أن تطرح بديلاً لما يراه الحاكم، أو السلطان، أو الرئيس، أو النظام. ولا يوجد إلا في العالم العربي فقط مصطلح النظام والمعارضة. أو النظام في مقابل المعارضة. رغم أن الصحيح هو أن النظام والمعارضة كيان واحد. فالنظام الأميركي مثلاً حزبان أحدهما حاكم، والآخر معارض، أو بمعنى أصوب مكمل. فالنظام في العالم المتحضر والفاهم جناحان. جناح الحكم وجناح المعارضة. لكن في عالمنا العربي التعيس، المعارضة ضد النظام الحاكم، أو ضد الحاكم، أي أن النظام والمعارضة عندنا ضدان وليسا جناحين لطائر واحد هو الدولة أو الوطن. وعندما يقال مصطلح المعارضة نفهم فوراً أنه يعني ضد النظام، مثل المعارضة السورية، أو المعارضة المصرية، أو المعارضة الليبية. بمعنى أن النظام والمعارضة في الوطن العربي خطان متوازيان لا يلتقيان مهما امتدا. والمعنى الصحيح لما نسميه المعارضة في الوطن العربي هو الرفض. والمعارض يطرح بديلاً لما يرفضه، لكن الرافض يرفض بلا بديل، فالمعارضة في العالم وسيلة لإثراء النظام. لكن الرفض غاية، كما يحدث في العالم العربي، أي الرفض للرفض أو هو العناد والمناكفة، أو هي (لا) على طول الخط، فالمعارض قد يقول نعم للنظام الحاكم إذا اتفق في الرأي. لكن الرافض لا يتفق أبداً مع الحاكم، أو الرئيس، أو الوالي، أو النظام. وإذا قال أحد أقطاب المعارضة العربية نعم لرأي الحاكم، يُتهم فوراً بأنه منشق، وخائن، وعميل للنظام ومنافق. الموافق في عالمنا العربي منافق، لكن الرافض شجاع وقوي وبطل. والشعوب العربية بطبعها العجيب تميل للرافض، ولا تثق بالمؤيد أو الموافق. لذلك يبدو أقطاب الرفض والمناكفة والمعاندة أكثر شهرة وذيوعاً ونجومية من المؤيدين والموافقين، حتى المصطلحان السخيفان المعارضة والموالاة لا وجود لهما إلا في الأمة العربية. معارض ورافض على طول الخط بالحق أو بالباطل. وموال على طول الخط بالحق أو بالباطل. والغلبة عند الجماهير العربية لمن يقول لا، ولا أحد يطلب منه أو يسأله: لماذا لا؟ لكن الناس يسألون من يقول نعم: لماذا نعم؟ ويصفونه بأنه منافق. والمعارضة في العالم العربي هي ما أسميها معارضة الشيطان أو المعارضة الشيطانية، على طريقة إبليس حين رفض أمر الله تعالى بالسجود لآدم. وعبدة الشيطان لعنهم الله يرون أن إبليس هو أول معارض في التاريخ، أو هو أول ثائر وأول ديمقراطي وأول مخلوق جهر برأي معارض، كما أن المعارضة في العالم العربي هي معارضة التميمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسِّم الغنائم حين قال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل.. تلك قسمة ما أريد بها وجه الله.. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: يخرج من أضض هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. إبليس إذن هو قدوة المعارضة العربية، والتميمي جد هذه المعارضة وزعيمها الأول، فإبليس والتميمي عندهم كانا شجاعين وبطلين وجهرا برأيهما واستخدما حقهما في التعبير، الأول يعترف ويقر بأن الله خلقه ثم يرفض السجود لخلق الله. والثاني يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالظلم وبأنه قسم الغنائم لغير وجه الله.. الأول أحمق، يقر بخلق الله وقدرته ثم يرفض أمر الله، والثاني منافق نسي الأدب ليقال إنه شجاع ومجاهر برأيه، ولا يخاف لومة لائم حتى إذا كان كاذباً. والمعارضة العربية أو تيار الرفض العربي جمع بين السيئتين: الحماقة والنفاق، لذلك يصل التضاد بين المعارضة والحاكم إلى الاقتتال، وليس صحيحاً أبداً ما يُقال في عالمنا العربي من أن الأنظمة الحاكمة يضيق صدرها بالمعارضة، لكن الصحيح أن تيار الرفض هو الذي يضيق صدره بالأنظمة الحاكمة، لأن المبدأ الوحيد لدى من نسميهم في الأمة العربية المعارضين هو كراهية النظام الحاكم. فالتيار المعارض ليس لديه سوى هدف واحد هو أن يكون هو النظام الحاكم. وهذا يعني أن رسالته وعمله وجهده كله موجه لإسقاط النظام ليحل هو محله ويتحول إلى نظام حاكم، بمعنى: أحكم أنا أو أرفض الحاكم، لذلك ساد شعار: أنا أو أنت بدلاً من شعار أنا وأنت معاً. والشعوب العربية رسخ لديها منذ زمن بعيد أن المعارضة شريفة ونزيهة، وأن النظام الحاكم فاسد وقمعي، وما إلى ذلك من الألفاظ الحنجورية البغيضة التي دمرت هذه الأمة تدميراً عندما كثر مترفوها وفسقوا فيها وحق عليها القول.. ويقول الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)، «سورة الإسراء: الآية 16».. (وأمرنا) هنا ليست بمعنى إصدار الأمر، ولكن معناها كثرنا من التكثير.. أي كثرنا مترفيها.. والإبل المأمورة أو الناقة أو الشاة أو الفرس المأمورة أي الكثيرة النتاج. لا وظيفة للمعارضة في الأمة العربية سوى الحط من قدر النظام الحاكم وتشويهه والوقاحة والسفالة في السب، على أساس أن السب عند العرب شجاعة وجرأة وبطولة وحق من حقوق الإنسان، وبذلك يكون الإرهاب معارضة في العرف العربي. ويكون القتل والتدمير والتخريب والبلطجة والتشبيح معارضة، ويكون قتلى المعارضة هم الشهداء، وقتلى الشرطة والجيش في الأمة العربية كفرة ومارقين، والنظام عندما يتصدى للإرهاب يكون قمعياً وقاتلاً والإرهاب عندما يتصدى للنظام ويقتل ويدمر يكون على حق ومدافعاً عن الدين. وهذا بالضبط رأي الدكتور محمد البرادعي فيما يحدث بسيناء، فهو يرى أنه عنف وعنف متبادل بين الدولة والإرهاب أو بين النظام والمعارضة. ولم يقتل هذه الأمة سوى إصرارها المقيت على اللونين الأبيض والأسود فقط. فالنظام أسود والمعارضة بيضاء. ولا توجد ألوان أخرى رغم أن العمل السياسي متعدد الألوان. فالحق قد يكون معي اليوم وقد يكون معك غداً، ولا يوجد من معه الحق كله. وإنما الحق مقسم إلى قطع أو ذرات معي منها ذرتان ومعك ثلاثة ومع الآخر خمس أو عشر ذرات. ونحن لدينا آفة احتكار الحقيقة والحق. فالحق كله عندي والباطل كله عندك. لذلك نتصارع ولا نجتمع ونتقاتل ولا نتصالح. ونتناقض ولا نلتقي ونختلف ولا نتفق. ولا يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.. لذلك ستبقى دائماً في الأمة العربية حرب تكسير العظام في ثنائية المعارضة والنظام! *كاتب صحفي
مشاركة :