مع انعقاد قمة "الحزام والطريق" تمهد الصين لإحياء "طريق الحرير القديم" وتعزيز مكانتها الاقتصادية في أوروبا وأفريقيا. تُرى هل ستتمكن قمة الدول الصناعية السبع رغنم خلافاتها الكثيرة من مواجهة الطموحات الصينية بمشاريع مماثلة؟ بحضور ممثلين عن أكثر من مائة دولة يتقدمهم الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين شهدت بكين أواسط مايو/ أيار الجاري 2017 منتدى "الحزام والطريق" ضمن مشروع "طريق الحرير الجديد" الذي أطلقته بكين قبل بضع سنوات. يشمل هذا المشروع 60 دولة يسكنها نحو ثلثي سكان العالم ينتجون أكثر من نصف الناتج العالمي ولديهم 75 بالمائة من احتياطي الطاقة في العالم. ومن أبرز أهدافه إحياء طريق الحرير القديم بين الصين ودول البحر المتوسط عبر وسط آسيا وشرق أوروبا من خلال شبكات طرق وسكك الحديدية ومرافئ وخطوط الطاقة لتيسير نقل البضائع بين الشرق والغرب. أما كلفته فتصل إلى أكثر من 900 مليار دولار تعهدت بكين حتى الآن بتوفير 124 مليارا منها. ويعد مشروع الطريق الجديد الأكبر من نوعه بعد "مشروع مارشال" الأمريكي لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ويرى معظم المراقبين أن تنفيذه يعزز قدرة الصين على المنافسة الاقتصادية في الأسواق العالمية، لاسيما في شرق أوروبا وشمال أفريقيا. وعلى هذا تنظر الدول الصناعية السبع إلى الطريق الجديد بعيني الشك والريبة. وهو الأمر الذي يعكس غياب كبار قادتها عن المنتدى رغم محاولات الصين الحثيثة استضافتهم. عروض صينية مغرية ليست هذه المرة الأولى التي تطلق فيه الصين مشاريع عالمية كمشروع طريق الحرير الجديد، فقبل ذلك دخلت إلى أفريقيا بمشاريع مختلفة من أوسع الأبواب. كما عملت بقوة على إطلاق "بنك التنمية الجديد" لدول البريكس في شنغهاي وعقدت اتفاقيات للقيام باستثمارات كبيرة مع اليونان وبولندا وهننغاريا ورومانيا ودول أخرى في شرق أوروبا/ إضافة لاتفاقيات مع 40 دولة أفريقية لاستخراج الثروات الباطنية وتنفيذ مشاريع في مجال البنية التحتية والقطاعات الصناعية بعشرات المليارات من الدولارات. ومن بينها على سبيل المثال مشاريع بقيمة 22 مليار دولار في الجزائر وأخرى بقيمة 10 مليارات دولار في المغرب. وهنا يطرح السؤال نفسه ماذا تفعل الدول الصناعية الكبرى لمواجهة التمدد الاقتصادي الصيني لاسيما نحو أفريقيا وشرق أوروبا؟ ترامب يرفض حرية التجارة منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008 تشتد الخلافات بين الدول الصناعية السبع الكبرى حول مسائل جوهرية أكثر من أي وقت مضى. وتتركز هذه الخلافات حول كيفية تنظيم أسواق رأس المال وحرية التجارة. وعلى صعيد أسواق رأس المال يتصدر الألمان منذ اندلاع الأزمة قائمة الدول المطالبة بفرض قيود ورسوم على التحويلات المالية التي تنشط في مجال المضاربات بهدف الحد من الأخيرة وتجنب أزمات مالية جديدة. بيد أن بريطانيا والولايات المتحدة ومعهما دول أخرى ترفض ذلك بسبب الخوف من تراجع مكانة نيويورك ولندن كأهم مركزين للمصارف والتحويلات في العالم. أما الخلافات حول حرية التجارة فقد ازدادت حدة بين الولايات المتحدة من جهة والدول الأخرى في المجموعة وفي مقدمتها ألمانيا مع تولي دونالد ترامب سدة الرئاسة. فالأخير يريد اتباع سياسات حمائية تهدد بحرب تجارية عالمية قد تطيح بأسس العولمة وقواعد منظمة التجارة العالمية التي عملت إدارات أمريكية سابقة على دعمها بقوة تارة بالدبلوماسية وتارة أخرى بالضغوط المختلفة منذ ثمانيات القرن الماضي. وقد ظهر الرفض الأمريكي واضحا في مواقف الوفود الأمريكية التي شاركت في الاجتماعات التحضيرية لقمة الدول الصناعية السبع التي ستعقد في صقلية الإيطالية أواخر مايو/ أيار الجاري 2017. . قمة وسط استمرار خلافات متأججة وتشهد جزيرة صقلية يومي 26 و27 مايو/ أيار الجاري 2017 انعقاد القمة 43 لمجموعة الدول الصناعية السبع بحضور الرئيس الأمريكي ترامب. ومع استمرار حكومته في رفض الالتزام بحرية التجارة بين الدول الصناعية وتطبيق اتفاقية باريس للمناخ، لا يتوقع من القمة الخروج بخطط أو استراتيجيات اقتصادية للرد على الصعود الاقتصادي للصين وحلفائها الجدد في مجموعة بريكس ومشروع طريق الحرير الجديد. ويزيد الأمر صعوبة استمرار الخلافات بين دول القمة حول السياسات المالية وقضايا أخرى مثل دور حلف الناتو في المستقبل والموقف من روسيا والأزمة الأوكرانية والأزمة السورية وأزمة اللاجئين. ويزيد الطين بلة مطالبة ترامب لألمانيا ودول أخرى في حلف الناتو بدفع عشرات المليارات من الدولارات لإعادة هيكلة الحلف وتحديثه إضافة إلى إلغائه لمعاهدة التجارة الحرة عبر المحيط الهادي ورفضه لمعاعدة تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي. هل تكون البداية من شمال أفريقيا؟ في مقال تحت عنوان "طريق الحرير الجديد" تحدث موقع "شبيغل أونلاين" الإلكتروني الألماني عن الانزعاج الأوروبي من الطموحات الاقتصادية والجيوسياسية الصينية مطالبا بروكسل إما بإطلاق مبادرات جديدة لمواجهة الطموحات الصينية أو إلى المبادرة للاستثمار في مشروع الطريق الجديد. ويضيف الموقع أن البداية يمكن أن تكون في شمال أفريقيا الجار الأقرب إلى أوروبا وحيث عشرات الآلاف يخاطرون بالإبحار سنويا عبر البحر المتوسط إلى القارة الأوروبية. ويصل القسم الأكبر من هؤلاء منهكين عبر صقلية حيث تعقد قمة الدول الصناعية السبع التي تضم إلى جانب الولايات المتحدة واليابان أربع دول أوروبية هي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. ومن هنا تريد إيطاليا من القمة التركيز على أفريقيا من خلال مشاريع تنموية طموحة تحد من الهجرة والمجاعة وتفتح أسواقا جديدة لدول القمة المذكورة. السؤال الذي يطرح نفسه، هل تنجح القمة في طي خلافاتها جانبا ووضع استراتيجية لتنفيذ مشاريع كهذه تضمن حصتها في كعكة التجارة العالمية التي تريد الصين ضمان القسم الأكبر منها لصالحها مستقبلا؟
مشاركة :