24 عاما مرت على واحدة من أكبر فضائح كرة القدم عبر التاريخ، كان الغرض من ورائها هو التتويج بدوري أبطال أوروبا. لا يعلم الكثيرون أن خلف هذا الإنجاز، الذي يفتخر به جمهور مارسيليا لأنه الوحيد في المسابقة لفريق فرنسي، فضيحة مدوية حكم على إثرها بالسجن لعدد من المسؤولين واللاعبين. فضيحة، هزت أرجاء البيت الكروي الفرنسي وكذلك الأوروبي، على إثرها تم إقرار هبوط الفريق إلى دوري الدرجة الثانية وحرمانه من دفاعه عن لقبه في دوري الأبطال. فما الذي حدث؟ دعونا نسترجع قصة تحقيق مارسيليا للمعجزة أمام ميلان الرهيب في نهائي الأبطال موسم 92-93. تابييه إن تحولت هذه القصة إلى فيلم سينمائي فسيكون بطلها الأول هو بيرنارد تابييه، رجل الأعمال والسياسي والوزير آنذاك، وأيضا مالك شركة أديداس وكذلك نادي مارسيليا. استطاع الفريق المهيمن على المواسم الأربعة الأخيرة في فرنسا بلوغ نهائي دوري أبطال أوروبا ضاربا الموعد مع ميلان الذي كان يعيش أفضل حقبة في تاريخه. وفي الدوري، بات الفريق قريبا من الحفاظ على اللقب للموسم الخامس على التوالي، اللقاء المقبل أمام فالنسيين – الذي يعاني من أجل البقاء - مهم جدا، ليس فقط للحفاظ على القمة في ظل ملاحقة باريس سان جيرمان، لكن لأنه الأخير قبل الموعد المرتقب ضد الروسونيري في نهائي ميونيخ. يدرك تابيي جيدا أن الفرصة ربما لن تتكرر مرة أخرى لمارسيليا من أجل التتويج بدوري أبطال أوروبا، يفكر فيما يستطيع فعله قبل مواجهة ميلان. إنها الرشوة. تحدث تابيي مع مدير ناديه جان بيير بيرنس طالبا إياه أن يستغل جان جاك إديلييه لاعب الفريق من أجل عرض رشوة على بعض لاعبي فالنسيين. الغرض، أن يتهاون لاعبو الأخير حتى لا تضرب الإصابات صفوف مارسيليا وأن يستعد الفريق دون عناء كبير لنهائي الأبطال. فلإديلييه أصدقاء في فالنسيين، لعب معهم سابقا في نانت. ليلة المباراة، يتحدث إديلييه مع ثلاثي فالنسيين، جاك جلاسمان، خورخي بوروتشاجا (بطل العالم 1986 مع الأرجنتين)، وكريستوف روبرت. يعرض عليهم مبالغ مالية كبيرة حتى لا يأخذوا المباراة على محمل الجد لأن مارسيليا يريد التتويج بدوري الأبطال. رفض جلاسمان، كان بمثابة رجل الخير في القصة برمتها لأنه من سيكشف المؤامرة وسيمنحه الفيفا بعد ذلك جائزة اللعب النظيف. وافق بوروتشاجا لكن اتضح بعد ذلك أنه لم يتقاض أموال، أما روبرت، فجمعت زوجته النقود. يحكي إديلييه في كتابه الذي أصدره عام 2006 أن تابيي قال له:"لابد أن تتحدث مع زملائك السابقين في نانت، لا نريد أن نتعرض لإصابات بسبب غبائهم قبل النهائي ضد ميلان". فاز مارسيليا بالمباراة 1-صفر، وبعد 6 أيام تغلب على ميلان في النهائي بهدف باسيل بولي ليتوج بطلا لدوري أبطال أوروبا. لحظات الفرح برفع كأس ذات الأذنين لم تستمر إلا أياما معدودة قبل أن تعرف أوروبا أي ذنب اقترفه مسؤولو مارسيليا. فُتحت التحقيقات في مدينة فالنسيين، ووجدت الشرطة في حملات مداهمتها 250 ألف فرانك فرنسي في حديقة منزل عمة اللاعب روبرت، الذي اعترف بتلقيه رشوة قائلا:"لا يتصور الناس حجم الفساد في عالم كرة القدم". قبض عليه، وخضع أيضا بوروتشاجا وإديليي إلى تحقيقات الشرطة قبل أن يتم إيقافهم جميعا من قبل الاتحاد الفرنسي لكرة القدم. المنشطات لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمارسيليا لجأ إلى كافة السبل غير المشروعة حتى يفوز على ميلان. ففي عام 2006 اعترف إديلييه في حديثه مع صحيفة ليكيب أنه وبعض لاعبي الفريق تناولوا المنشطات قبل نهائي دوري الأبطال! عواقب الفضيحة كانت وخيمة ومخزية في حق نادي مارسيليا، المتضرر الأكبر كان جمهور النادي الذي نزل الشوارع في مظاهرات عارمة لشعوره بأنه قد تعرض للخداع. بعدما تبين الأمر، سحب الاتحاد الفرنسي لقب الدوري من مارسيليا وقرر هبوطه إلى الدرجة الثانية، وقام بعرضه على سان جيرمان الذي رفض تماما. حرم الاتحاد الأوروبي الفريق من المشاركة في نسخة 93-94 من دوري الأبطال، حرمه من لعب كأس السوبر التي شارك فيها ميلان ليخسر ضد بارما. وحُرم أيضا من خوض كأس الإنتركونتيننتال ضد ساو باولو البرازيلي، الذي حقق اللقب بالفوز على ميلان. وبعد هبوطه إلى الدرجة الثانية، رحل عنه نجوم عديدة مثل مارسيل دوسايي ورودي فولر وديدييه ديشامب وعبيدي بيليه وألين بوكسيتش. حقق دوسايي صخرة فرنسا اللقب في الموسم التالي مع ميلان، بل سجل في رباعية ساحقة أمام برشلونة يوان كرويف. المحاكمة أقيمت في مارس 1995 في مدينة فالنسيين، حكم على تابيي بالسجن، وتلقى إديليي وبوروتشاجا وروبرت أحكاما بالسجن لكن مع إيقاف التنفيذ. جُرد مارسيليا من لقب الدوري، لم يلعب سوبر أوروبا ولا الإنتركونتيننتال، لكن يظل إسمه محفورا على كأس الأبطال.