تستمر الأحاديث شبه الرسمية في الولايات المتحدة عن تحركات الكونغرس لمحاكمة دونالد ترامب وعزله من منصبه، على خلفية قضية التخابر مع روسيا، وفق تقرير لصحيفة "إيلاف" الالكترونية اليوم الجمعة (26 مايو/ أيار 2017). فماذا لو حصل ذلك؟ انطلقت أصوات تدعو إلى محاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الكونغرس، بعد اتهامه بالضغط على مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي المقال جيمس كومي، لإنهاء التحقيق في علاقة مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين بروسيا. جاء هذا التطور الخطر بعد مذكرة كتبها كومي في أعقاب إقالته، وما تردد عن نقل ترامب معلومات أمنية حساسة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماعهما في البيت الأبيض. وحتى قبل هذه القنبلة التي اشاعت البلبلة في البيت الأبيض، طالب عضوان ديمقراطيان على الأقل في مجلس النواب بمحاكمة الرئيس في الكونغرس. لكن هذه الأصوات تزايدت وتصاعدت بعد الاتهامات الجديدة. وكتب ديفيد اكسلرود، مستشار باراك اوباما السابق، في تغريدة على تويتر، انه كان يعارض الحديث عن محاكمة الرئيس في الكونغرس، "لكن إذ صح ما قاله كومي في مذكرته، وهو شخص ذو صدقية كبيرة، فإننا أمام قضية جديدة بالكامل". ماذا تعني محاكمة الرئيس في الكونغرس؟ يحدد الدستور الاميركي طائفة واسعة من الأفعال الجرمية التي يمكن أن تؤدي إلى محاكمة الرئيس بينها الخيانة والرشوة وجرائم كبرى أخرى وحتى تصرفات مخلة بالآداب العامة. لا يعني هذا أن الرئيس سيُقال بالضرورة من منصبه، بل إن العملية شبيهة بتمرير مشروع قانون في السلطة التشريعية عبر مراحل أولها موافقة أغلبية مجلس النواب - 218 من اصل 435 نائبًا - على بنود المحاكمة التي وافقت عليها لجنة خاصة في وقت سابق. لكن أغلبية أعضاء مجلس النواب هم من الجمهوريين المؤيدين للرئيس، إذ لدى الجمهوريين 238 مقعدًا في مقابل 193 مقعدًا للديمقراطيين، وهناك اربعة مقاعد شاغرة. يعني هذا ضرورة اقناع 25 جمهوريًا بالتصويت لصالح محاكمة ترامب، وهذا سيناريو مستبعد. بعد هذه المرحلة، ينتقل مشروع محاكمة ترامب إلى مجلس الشيوخ، حيث المطلوب أغلبية الثلثين لإدانة الرئيس، وبالتالي عزله من منصبه. لكن حتى نيل تأييد 60 عضوًا أمر صعب على أي من الحزبين هذه الأيام. ماذا يقول التاريخ؟ تبين كتب التاريخ أن محاكمة الرئيس ليست عملية بسيطة. وحوكم رئيسان أميركيان في السابق دون أن يُقال أي منهما من منصبه. كان الرئيس أندرو جونسون أول رئيس يمر بمراحل هذه العملية في عام 1868 بعد اتهامه بخرق القانون عندما حاول أن يستبدل وزير الحرب إدوين ستانتون من دون موافقة الكونغرس. الرئيس الآخر هو بيل كلنتون، بالطبع، بسبب فضيحة مونيكا لوينسكي الجنسية. حوكم كلنتون بتهمة الكذب وعرقلة مجرى العدالة في عام 1998، لكن محكمة مجلس الشيوخ قررت تبرئته. كان من المؤكد تقريبًا أن يُحاكم ريتشارد نيكسون في الكونغرس في عام 1974 بسبب فضيحة ووترغيت، وأن يُقال من منصبه. لكنه اختار الاستقالة قبل أن تصل القضية إلى هذا الحد وسلم الرئاسة إلى نائبه جيرالد فورد. بم يمكن اتهام ترامب؟ قال كثيرون إن ترامب ليس مؤهلًا للرئاسة، لكن هذا ليس جريمة يُحاكم عليها في الكونغرس حتى بموجب الدستور الذي يسطر العديد من المخالفات الكافية لمحاكمة الرئيس في الكونغرس. وأُطلقت مطالبات بملاحقته بعد مزاعم بأنه نقل معلومات مصنفة إلى الروس. لكن، إذا صح ذلك فإن من المستبعد أن يكون ترامب ارتكب مخالفة ضد القانون. فهو بصفته رئيسًا لديه سلطة واسعة لإلغاء التصنيف عن أسرار حكومية. لهذا السبب دافع عن نفسه قائلًا إن له "حقًا مطلقًا" فيما فعله. آخرون اشاروا إلى تضارب في المصالح بسبب صفقاته المالية. وذهب خبراء قانونيون إلى أن ترامب فور أدائه القسم خرق الدستور الذي يمنع أي شخص بمنصب عام من قبول أي هدية أو راتب أو مكافأة أو منصب أو لقب من أي ملك أو أمير أو دولة أجنبية من دون موافقة الكونغرس. وبما يمتلكه ترامب من مصالح مالية في انحاء العالم، تكون هذه منطقة ملغومة بالنسبة إلى الرئيس، لكنه اتخذ ما يكفي من الخطوات للابتعاد عن امبراطوريته المالية وحماية نفسه من تهمة تضارب المصالح. ربما تشكل التطورات الأخيرة تحديًا أكبر امام ترامب. فعرقلة مجرى العدالة كانت إحدى التهم التي حوكم كلينتون عليها في الكونغرس والتهمة نفسها وُجهت إلى ترامب فور إقالته كومي، الذي كان يقود تحقيقًا في علاقة حملة ترامب بروسيا. كما أن مذكرة كومي التي قال فيها إن ترامب حثه على انهاء التحقيق في علاقة فلين بروسيا عززت هذه الاتهامات. وقال عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي ريتشارد بلومنتال: "إن المذكرة دليل قوي على عرقلة مجرى العدالة وتستحق بكل تأكيد فتح تحقيق فوري وسريع يقوم به محقق خاص مستقل". هل خرق ترامب القانون؟ يقول خبراء قانونيون إن ترامب أوقع نفسه في مأزق بسبب أقواله كما وردت في المذكرة. ونقلت صحيفة ديلي تلغراف عن البروفيسور ايرون تشيرمينسكي، استاذ القانون الدستوري في جامعة كاليفورنيا، قوله: "أن يطلب من مكتب التحقيقات الفيدرالي انهاء تحريات جنائية، فإن هذا عرقلة لمجرى العدالة، وهو ما دفع الرئيس نيكسون إلى الاستقالة". لكن الخبراء يلاحظون أيضًا أن النية عنصر بالغ الأهمية في تهمة عرقلة مجرى العدالة، وأن أقوال الرئيس يمكن أن تكون موضع تأويل، وربما توضع في سياق أفعال أخرى. قال كريستوفر سلوبوغين، استاذ القانون الجنائي في جامعة فاندربيلت، لوكالة رويترز إن ترامب قال إنه "يأمل" بأن ينهي كومي التحقيق مع فلين ولم يأمره مباشرة، وهذا "يضعف الحجة ضده لكنها تبقى حجة واردة". ماذا بعد سياسيًا؟ يجب أن تكون التهمة الموجهة إلى ترامب بعرقلة مجرى العدالة قوية مسنودة بأدلة دامغة لكي ينقلب الجمهوريون عليه. لكن البيت الأبيض بقي على موقفه الذي يتسم بالتحدي نافيًا أن يكون الرئيس "طلب من كومي أو أي أحد انهاء أي تحقيق بما في ذلك التحقيق الذي طال الجنرال فلين"، كما جاء في بيان أصدره البيت الأبيض. يطالب جمهوريون وديمقراطيون بالإطلاع على مذكرة كومي، بل وأن يمثل أمام الكونغرس لتقديم شهادته بنفسه. من سيكون الرئيس الجديد؟ إذا انتهت محاكمة ترامب في الكونغرس بإدانته وعزله من منصبه، الأمر المستبعد حاليًا، فإن نائب الرئيس مايك بنس سيتولى مهام الرئاسة بكل بساطة.
مشاركة :