حملة أبرهة الحبشي تجسد الصراع السياسي حول الجزيرة العربية

  • 5/27/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تمثل حملة أبرهة الحبشي لهدم الكعبة حلقة من حلقات الصراع السياسي بين القوى الكبرى التي تحيط بالجزيرة العربية، من أجل بسط النفوذ الاستعماري على الدويلات العربية التي تكونت تحت ظلال هذه القوى، أو على القبائل المنتشرة في صحراء شبه الجزيرة العربية.فدولة الروم تطمح إلى أن ترسل لمكة من يحكمها، بعد أن أقامت مملكة الغساسنة حليفاً لها في الشمال الغربي للجزيرة العربية، ودولة الفرس أقامات إمارات تخضع لسلطانها في الشمال (المناذرة)، واشتد الصراع بينها وبين الحبشة على اليمن، حتى هزمتها الأخيرة وأصبح اليمن خاضعاً لسلطان ملك الحبشة، ويدين بدينه، وامتدت أطماع قائد جيوشه وحاكم اليمن إلى السيطرة على أهم مدينة في الجزيرة العربية وهي مكة، وإلى هدم أقدس بقعة عند العرب وهي البيت الحرام. وكانت محاولة ملك الحبشة هذه أعظم حدث وقع في تاريخ الجزيرة العربية قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرف باسم: «حادثة الفيل»؛ فقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)}. ولم تخل دراسة في السيرة أو التاريخ إلا تناولتها، وأفاضت في ذكر أسبابها، ونتائجها..على أنها جميعاً ترشح أنها أحد أمارات ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم. ويمكن إيجاز هذه الحادثة في أن حاكم اليمن -نيابة عن ملك الحبشة- بنى كنيسة بصنعاء فسماها: «القُليَس»، وحلف أن يسير إلى الكعبة فيهدمها، ليصرف إلى كنيسته حج العرب، وخرج في جيش كبير قاصداً مكة، ومعه فيل ضخم، حتى وصل إلى مشارف مكة، واستولى على عدد من البعير لأشراف مكة كانت ترعى بالبادية، منها 200 بعير لعبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سيد أهل مكة، فأرسل أبرهة رسولاً إليه يقول له: إن الملك أرسلني إليك ليخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه، إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم، فقال عبد المطلب: ما عندنا له قتال، فقال: سنخلي بينه وبين البيت، فإن خلى الله بينه وبينه فوالله ما لنا به قوة. وخرج عبد المطالب للقاء أبرهة، وكان عبد المطلب رجلاً عظيماً جسيماً وسيماً، فلما رآه أبرهة عظمه وأكرمه، وكره أن يجلس معه على سريره وأن يجلس تحته، فهبط إلى البساط فجلس عليه معه، فقال له عبد المطلب: أيها الملك إنك قد أصبت لي مالاً عظيماً فاردده علي، فقال له: لقد أعجبتني حين رأيتك ولقد زهدت فيك، قال: ولم؟ قال: جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وعصمتكم ومنعتكم فأهدمه فلم تكلمني فيه، وتكلمني في مائتي بعير لك؟. قال: أنا رب هذه الإبل، ولهذا البيت رب سيحميه، قال: ما كان ليمنعه مني، قال: فأنت وذاك، قال: فأمر بإبله فردت عليه، ثم خرج عبد المطلب وأخبر قريشاً الخبر، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب، وأصبح أبرهة يتهيأ لدخول مكة، وعبأ جيشه، وقرب فيله، وحمل عليه ما أراد أن يحمل وهو قائم، فلما حركه وقف وكاد أن يبرك في الأرض، فضربوه بالمعول في رأسه فأبى، فأدخلوا محاجن لهم تحت مراقه ومرافقه فأبى، فوجهوه إلى اليمن فهرول، فصرفوه إلى الحرم فوقف، ولحق الفيل بجبل من تلك الجبال، فأرسل الله طيراً من البحر مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه وحجر في منقاره، ويحملن أمثال الحمص والعدس من الحجارة، فإذا غشين القوم أرسلنها عليهم، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك. وتعد قصة أصحاب الفيل إحدى آيات الله، وأثراً من قدرته تعالى على من اجترأ على حرماته بهتكها، وتتجلى هذه القدرة من وجهين؛ أحدهما: أن ذلك كان عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جيران البيت من المشركين يعبدون الأوثان ودين النصارى خير منهم، فعلم بذلك أن هذه الآية لم تكن لأجل جيران البيت حينئذ، بل كانت لأجل البيت، أو لأجل النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ولد في ذلك العام عند البيت أو لمجموعهما، وأي ذلك كان فهو من دلائل نبوته. وثانيهما: أن أبرهة لو ظفر بدخول مكة لسبى أهلها واسترق نساءها، فأهلكه الله تعالى حفظاً لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يجري عليه السبي حملاً ووليداً.;

مشاركة :