رضا مقدم * لا ندري حتى الآن ما إذا كان انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً لفرنسا سوف يعزز فرص تطبيع العلاقات السياسية والمصالحة وتوحيد دول الاتحاد الأوروبي.لكننا متأكدون تماماً من أنه يدفع فرص الحوار حول تطبيع السياسة النقدية الأوروبية.وعلى الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي لم يحرك ساكناً على هذا الصعيد خلال اجتماعه الأخير إلا أن الحوار بدأ فعلاً حيث عرض بعض أعضاء مجلس إدارة البنك وجهات نظر متباينة حول موعد وكيفية إنهاء برنامج التيسير الكمي.أما فيما يتعلق بالموعد والتوقيت فإن ما شهده الأداء الاقتصادي من انتعاش وارتفاع معدلات التضخم عموما، يحفز دعوات تسريع إنهاء البرنامج. لكن مؤشرات التضخم الأساسي التي تستثني أسعار الطاقة والأغذية غير المستقرة،لا تزال ثابتة عند 1%.وبينما تبدي دول مثل ألمانيا وإيرلندا استعدادها لإنهاء البرنامج تبدو دول مثل إيطاليا والبرتغال التي تعاني معدلات تضخم أساسية متدنية وفجوات أكبر في الناتج العام وحجماً أكبر من القروض المعدومة، غير مستعدة لذلك.وإذا كانت الروابط القوية التي تتمسك بها دول الاتحاد ليست أفضل من الروابط الضعيفة فهذا يعني أن إنهاء البرنامج سوف يتم على مراحل قد تطول.أما فيما يخص الكيفية فالأمر متعلق بالترتيب الذي تنفذ به القرارات.فخطة البنك المركزي الأوروبي الخاصة بإنهاء برنامج التيسير الكمي تقوم كما في خطة الاحتياطي الفيدرالي،على الترتيب العكسي بحيث يتم بداية تخفيض حجم البرنامج ثم تطبيع معدلات اسعار الفائدة وأخيراً تقليص حجم الميزان الختامي للبنك المركزي الأوروبي.لكن أوروبا تحتاج لعملية إنهاء استثنائية كما كانت سياستها النقدية استثنائية. فالمنطقة التي تسير بسرعات متعددة وبدرجات هشاشة متفاوتة ينبغي أن تسعى لعملية إنهاء أكثر إحكاماً.ويجب على البنك المركزي على وجه الخصوص إلغاء معدلات الفائدة السلبية ثم تخفيض برنامج التيسير الكمي في الاقتصادات القوية أولاً ثم يعمد إلى تطبيع معدلات أسعار الفائدة إلى النطاق الإيجابي وأخيراً يلتفت إلى تعديل حجم ميزانه الختامي.وفيما يخص الخطوة الأولى لا بد من البدء بالتخلي عن العنصر ذي الأثر الاقتصادي الأعم وهو الفائدة السلبية،فهذه السياسية الاستثنائية لم تؤثر سوى في البنوك التي خسرت الكثير من المودعين .كما أن تباين المواقف من الفائدة السلبية للبنك المركزي الأوروبي أسفر عن نتائج عكسية على سياسة البنك نفسه خاصة في ألمانيا.ويمكن تعديل هذه السياسة بقليل من الأضرار.فبينما ينتج عن رفع الفائدة إلى الصفر تحسن في قيمة اليورو، تبدو المخاطر محدودة لأن سياسة الفيدرالي الأمريكي النقدية الجديدة سوف تدفعه في الاتجاه الآخر.والخطوة الثانية ستكون تخفيض حجم برنامج التيسير الكمي بحيث ينخفض حجم شراء الأصول من 60 مليار يورو شهرياً إلى لا شيء.لكن بدلاً من اعتماد خطة خفض تقوم على حجم مساهمة الدول في تمويل البنك المركزي، يتم البدء بالدول التي لا تحتاج إلى تحفيز مالي مثل ألمانيا .وسوف يساهم الخروج السريع لألمانيا في تخفيف ضغوط معدلات العائد على مشتريات البنك المركزي من الأصول.وفي نفس الوقت يساعد الخروج البطيء من إيطاليا على معالجة واقع لا يمكن للبنك المركزي الأوروبي الإقرار به وهو أن تخفيض شراء الأصول قبل الانتخابات الإيطالية العام المقبل قد يزيد الضغط على السندات السيادية الإيطالية وعلى البنوك الإيطالية التي لا تزال ضعيفة وتحتفظ بكم كبير من تلك السندات.والخطوة الثالثة تكون في تطبيع معدلات أسعار الفائدة وهو ما يؤثر في منحنى معدلات العائد بغض النظر عن آجال السندات.ومثل هذه الخطوة تتم في مرحلة متأخرة نظراً لمحدودية تأثيرها في البنوك والنقد.* رئيس قسم السندات السيادية في مورجان ستانلي
مشاركة :