الجيش المصري يستكشف محاربة الإرهاب خارج الحدودالجيش المصري ينفذ غارات جوية على مواقع لمتشددين في درنة الليبية بعد الهجوم الإرهابي على الأقباط بالمنيا في صعيد مصر، ويثبت جاهزيته للعب دور قوي في التحالفات الإقليمية في مكافحة التطرف.العرب أحمد جمال [نُشر في 2017/05/28، العدد: 10646، ص(2)]ملاحقة التشدد أينما كان القاهرة - أكد الجيش المصري أن قواته الجوية نفذت ضربات في ليبيا أدت إلى تدمير معسكرات تدرب فيها متشددون قتلوا 29 مسيحيا في هجوم بالمنيا في صعيد مصر، الجمعة. وتبنّى تنظيم داعش الاعتداء على حافلة كانت تقل أقباطا في طريقهم إلى أحد الأديرة، بحسب ما نقلته وكالة أعماق التابعة للتنظيم. وأضاف الجيش المصري في بيان له أن”القوات الجوية نفّذت عددا من الضربات المركزة نهاراً وليلاً، واستهدفت العناصر الإرهابية داخل الأراضي الليبية بعد التنسيق والتدقيق الكامل لكافة المعلومات”. وأعلنت القوات الجوية التابعة للجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر أنها شاركت في الضربات الجوية التي شنتها مصر، وأن خسائر إرهابيي تنظيم القاعدة المستهدفين من القصف كانت كبيرة في العتاد والأرواح. لكن محمد المنصوري المتحدث باسم “مجلس شورى مجاهدي درنة” (شرق ليبيا) قال في شريط فيديو إن الطيران المصري شن “عند صلاة المغرب ثماني غارات على مدينة درنة لم تسفر عن أيّ استهداف لأيّ موقع من مواقع المجلس إنما استهدفت مواقع مدنية”. وعبرت الضربة المصرية عن رغبة القاهرة في التعامل مع التنظيمات الإرهابية خارج حدودها، في وقت كثفت فيه تحرّكاتها الدبلوماسية لمعاقبة الدول الراعية للإرهاب والمموّلة له. وبرهنت على أنها قد تكون طرفا فاعلا في التحالفات الإقليمية القادمة لمواجهة الإرهاب في المنطقة. وقال البعض من المراقبين إن هناك توجها مصريا جديدا نحو محاربة الإرهاب خارج الحدود، لأنه من المتوقع أن تتواصل العلميات التي تستهدف زعزعة الأمن في مصر. وشدد الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال كلمته التي ألقاها وقت تنفيذ الضربات الجوية، على أن مصر لن تتردد في ضرب المعسكرات التي تدرّب الإرهابيين، داخل مصر أو خارجها، قائلا “أرجو أن الرسالة واضحة للجميع، ونحن لن نتردد في حماية شعبنا”. كلمات الرئيس المصري مساء السبت عبرت أيضا عن أن التحركات المصرية لا ترغب في أن تكون بعيدا عن الإستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب والتي تمت مناقشتها مؤخرا خلال القمة الإسلامية الأميركية بالرياض، مضيفا أن”تحرك المجتمع الدولي ككل سيساعد على هزيمة الجماعات الإرهابية المتطرفة”. وقال سلاح الجو الليبي في بيان له إن العملية المشتركة استخدم فيها الجانب المصري مقاتلات حديثة من طراز “رافال” لاستهداف مواقع تحتاج إلى ذخائر خاصة تم تحديدها مسبقاً وهدفين تم تحديدهما أثناء تنفيذ العملية، وجاءت في إطار سلسلة عمليات تمهيداً لدخول القوات البرية للجيش الليبي إلى المدينة. وفي شهر فبراير 2014 تم إعلان درنة إمارة إسلامية خارج سلطة المؤسسات الشرعية في ليبيا وخضوعها لتشكيل إرهابي متعدد الأيديولوجيات من تنظيمات القاعدة والإخوان، وعناصر بايعت داعش تحت مسمّى “مجلس شورى ثوار درنة”. وبحسب مصادر أمنية لـ”العرب” استهدفت الضربات 6 مراكز للإرهابيين قرب مدينة درنة ودمرت المقر الرئيسي لمركز “شورى مجاهدي درنة” الذي استقطب عددا كبيرا من عناصر جماعة الإخوان الفارين من مصر. وقال اللواء نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، لـ”العرب” إن اختيار مكان توجيه الضربة يرجع إلى معلومات استخباراتية تحصل عليها الجانب المصري والليبي، أكدت تمكن عناصر إرهابية من التسلل إلى صعيد مصر عبر الحدود الغربية لتنفيذ عملية استهداف الأقباط. وأوضح أن الطبيعة الجغرافية لمدينة درنة تسمح بأمرين، الأول يتمثل في التدريب الجيد وهو أمر يرتبط بما توفره لها الجبال الجنوبية المتاخمة لها ووقوعها على ساحل البحر المتوسط في شمال شرق ليبيا، والثاني أن موقعها القريب من حدود مصر الغريبة يسمح لها بتهريب العناصر والأسلحة إلى الداخل المصري عبر المناطق الصحراوية الواسعة. وكشفت تحقيقات سابقة أجرتها الأجهزة الأمنية المصرية عن وجود طرق صحراوية تربط بين المدينة الساحلية الليبية وصعيد مصر، عن طريق التحرك نحو الجنوب الليبي من خلال السير عبر ما يزيد عن 45 دربًا صحراويًا، من أبرزها “رأس الجدي، والقرن، ثم بعد ذلك وادي عقرب، والدخول إلى الأراضي المصرية والتنقل غربا من مدينة السلوم الحدودية عبر الصحراء الممتدة إلى محافظة الوادي الجديد (جنوب غرب) ومنها إلى محافظات الصعيد. وأكد اللواء عبدالمنعم سعيد، رئيس هيئة عمليات الجيش المصري الأسبق، أن الإستراتيجية المصرية لمواجهة الإرهاب لم يطرأ عليها تغيير كبير حتى بعد هذه الضربة، لأنها جاءت كإجراء سريع وحاسم ضد العمليات الإرهابية التي وقعت خلال الفترة الماضية واستهدفت الأقباط. وتعد هذه المرة الثانية التي تعلن فيها القوات الجوية المصرية قصف مواقع ليبية ردا على اعتداءات قام بها تنظيم داعش ضد الأقباط، إذ كانت المرة الأولى في مطلع عام 2015، عقب واقعة ذبح 21 قبطيا على شواطئ مدينة سرت الليبية. وأضاف في تصريحات لـ”العرب” إن الضربات المصرية تمتّ بالتنسيق مع الجانب الليبي، دون أن يصاحب ذلك تنسيق دولي بشكل أكبر وهو ما تم هذه المرة أيضا. واستبعد أن يتم استهداف معسكرات تدريب بعيدا عن الحدود المصرية خلال الفترة المقبلة، لأن الهدف التعامل مع الإرهاب الذي يهدد الأمن الداخلي. لكن سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، قال لـ “العرب” إن الضربات الموسمية التي توجهها مصر إلى العناصر الإرهابية خارج حدودها لن تكون كافية لردع الإرهاب. وتساءل: إذا سلّمنا بأن الدعم يأتي للإرهابيين داخل مصر من مصادر مختلفة أحدها ليبيا، فماذا بشأن تهريب الأسلحة عن طريق السودان، وماذا بشأن استمرار حفر الأنفاق مع قطاع غزة”. وأضاف رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات أن الضربات المصرية جاءت لتخفيف شحنة الغضب لدى الأقباط بعد أن تعددت العمليات الإرهابية ضدهم دون وجود ردع كاف لوقفها، ولا تعبّر عن خطة محكمة لمكافحة الإرهاب خارج الحدود.
مشاركة :