لعل أكبر أخطائها كان في اعتقادها بأن الصغير يُصبح كبيرا إذا احتمى بالكبار، وبأن الاستقواء بالثعابين والتماسيح والذئاب المفترسة كفيل بتحويل إمارة صغيرة، بأرضها وشعبها، إلى لاعب إقليمي معتمد ومحترم ومهاب من قبل جيرانه.العرب إبراهيم الزبيدي [نُشر في 2017/05/28، العدد: 10646، ص(4)] لم تقتنع حكومات السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ولا شعوبُها أيضا، بمحاولة وكالة الأنباء القطرية إصلاح ما أفسده الأمير تميم بحديثها عن اختراق لموقعها، وقولها إن تصريحاته “مفبركة”. وقيام هذه الدول بحجب المواقع الإعلامية القطرية يعني أنها ترى في نشر تصريحات حاكم قطر، حتى بعد تكذيبها، عرضا مقصودا لعضلات سياسية (تهديدية) أراد بها أن يقول لحكام دول الخليج ومصر، وللرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبلهم جميعا، إن قطر أقوى منكم جميعا، وأعقل وأكثر نباهة وحكمة. فهي ترى، خلافا لكل ما قرّرتموه في الرياض، أن داعش ليست إرهابا، وحزب الله مقاومة، وإيران دولة عظمى لا بد من احترامها والقبول بسياساتها، ولا حكمة في اعتبار جماعة الإخوان وطالبان والنصرة تنظيمات إرهابية، وأن عقود السلاح التي وقعتموها مع ترامب هي التطرف بعينه. في الأصل بدأت مشاكل قطر مع شقيقاتها الخليجيات بقصر نظر قطري منقطع النظير، أشبه بمن يجعل الحبة قبة. فقد كانت مشاكل حدودية بسيطة كان يمكن حلها بسهولة، وبثمن يقل، بآلاف المرات، عن الثمن المالي والسياسي والأمني والأخلاقي الذي أنفقته وما تزال تنفقه بسبب خوفها على نفسها من جيرانها، بشراء الجماعات الدينية المتطرفة، واستضافة القواعد الأميركية، واسترضاء الحكومة الإيرانية، إضافة إلى علاقاتها مع الإسرائيليين. هذا إذا لم نضع في الحسبان أيضا ضخامة المبالغ التي تحملتها وتتحملها الخزينة القطرية لتمويل الحملات الإعلامية الواسعة والمتواصلة ضد أشقائها الخليجيين والمصريين، وضد كلّ من يتعاطف معهم، ويختلف معها بشأنهم. وقد بالغت القيادة القطرية في جريها في “الاتجاه المعاكس” لمنطق التفاهم والتكامل والتضامن مع وسطها الخليجي في أعقاب انقلاب الابن (الأمير السابق الشيخ حمد) على والده الشيخ خليفة، عندما رفضت دول مجلس التعاون الخليجي ذلك الانقلاب واعتبرته عقوقا وقلة أمانة. ولو أبقت الحكومة القطرية عقدة خوفها من جاريْها السعودي والإماراتي في مستوياتها الدنيا التي تكون، في الغالب، مقبولة داخل أعضاء الأسرة الواحدة لتغيّر وجه الخليج تماما، وربما المنطقة بأجمعها، خصوصا وأن السعودية والإمارات والبحرين والكويت تجاوزت مسألة الانقلاب تلك، وتعايشت مع الوضع القطري الجديد، واعتمدت سياسة الاحتفاظ بعلاقات طبيعية أخوية مع قطر، بغض النظر عمّن يحكمها. وقد تكون استضافة السعودية والإمارات للأمير الأب المطرود ومرافقيه وبعض خاصته، بحكم تقاليد الأخوة والضيافة والاستجارة، هي التي أشعلت في الحاكم القطري مشاعر الخوف، وجعلته يبحث عن حلفاء أٌقوياء يحتمي بهم، ليؤمّنوا لحكمه حصانة رادعة تمنع (أشقاءه) من أن يفعلوا به ما فعل هو بأبيه. من هنا بدأ الوهم الأكبر الذي وقعت فيه القيادة القطرية، وأسّس لما بعده من أوهام وتداعيات وتعقيدات في علاقاتها مع السعودية والإمارات والبحرين، وراح يغرقها، شيئا فشيئا، في مصاحبة المتشددين والتكفيريين والإرهابيين، وتمويلهم وتسهيل مهماتهم، حتى لم يعد في قدرتها الفكاك من شباكهم، لو أرادت، أو لو أجبرتها الظروف على فض شراكتها معهم، أو تبريدها. ولعل أكبر أخطائها كان في اعتقادها بأن الصغير يُصبح كبيرا إذا احتمى بالكبار، وبأن الاستقواء بالثعابين والتماسيح والذئاب المفترسة كفيل بتحويل إمارة صغيرة، بأرضها وشعبها، إلى لاعب إقليمي معتمد ومحترم ومهاب من قبل جيرانه . وقد يكون هذا هو الدافع الأقوى لإقدامها على أن تجعل إمارتَها أكبرَ قواعد أميركا في الشرق الأوسط، وأن تتَحمّل الكثير من نفقاتها، ثم تلتصق بإيران وإسرائيل، وتتمادى في احتضان المعارضات الخليجية، والحركات الإسلامية المتطرفة التي تعادي السعودية والإمارات والبحرين وتتآمر عليها، كالقاعدة والإخوان المسلمين والنصرة وحزب الله اللبناني. بعبارة أخرى، لقد دجَّج الحاكم القطري جسمَه بالأحزمة الناسفة لإخافة خصومه (المفتَرَضين)، دون أن يعلم بأن هذه الأحزمة ليست هي صمام الأمان الدائم لحاملها نفسِه، بأي حال من الأحوال. وبرغم أن علاقاته مكشوفة، والتي تقصد كثرا أن يجعلها كذلك، حضر مؤتمر الرياض الذي أعلن قبل عقده بكثير أنه سيكون ضد الجماعات التي يحميها ويموّلها. إنه وضع نفسه في حرج كبير قد يكون هو العامل المحتمل الأكبر الذي فجّر ثورة غضبه العاصفة التي ورطته ليس في تخطئة الدول الإسلامية المجتمعة في الرياض، والتي أجمعت على مواجهة الإرهاب والتطرف والعنف، واعتبار إيران رأس حربة الإرهاب، والمساواة بينها وبين داعش والقاعدة والنصرة وحزب الله والحوثيين، بل تحرش بالرئيس الأميركي ترامب، وتنبّأ بإقالته، وتحدّى قدرته على تغيير واقع العلاقة القائمة بين أميركا وقطر. والآن دعونا نسأل الرئيس ترامب؛ لقد حَمَّلت، في خطابك في قمة الرياض إيران مسؤولية عدم الاستقرار في المنطقة، وقلت إنها “توفر الأسلحة والتدريب للإرهابيين والجماعات المتطرفة”، وأكدتَ على ضرورة العمل على منع إيران من تمويل المنظمات الإرهابية، ثم قلت إن “إيران أشعلت، لعقود، نيران الصراعات في المنطقة”، ولكن الشيخ تميم لا يخالفك الرأي، فقط، بل يعلن أنه لن يتخلّى عن دعمه للقاعدة والإخوان وحزب الله وإيران وطالبان وحماس، وأن يرى في إيران غير ما تراه. سيادة الرئيس: هل تفسّر لنا هذا اللغز؟ هل تريدنا أن نصدق أن قطر، وهي قاعدتكم العسكرية، ومنطقة نفوذكم، تعارضكم، وتشاكس سياساتكم، وترفض مخطّطاتكم، ومشاكسة توجّهاتكم، وأنتم لا تعلمون؟ ولا توافقون؟ ثم هل ممكن أن تحمل جرادةٌ حِملَ جَمل، يا سيادة الرئيس؟ كاتب عراقيإبراهيم الزبيدي
مشاركة :