في الوقت الذي سينقسم فيه الجانب الشيعي العراقي إلى معسكر معارض لإيران وآخر متحالف معه في الظاهر على الأقل، من المهم أن تكون هناك ميزانية كافية واتفاقية أمنية سعودية أميركية لبناء معسكرات ضخمة لتدريب سنة العراق وإعادة تأهيلهم سياسيا وعسكريا وفق عقيدة سياسية طموحة.العرب أسعد البصري [نُشر في 2017/05/28، العدد: 10646، ص(5)] مراسل صحيفة دير شبيغل الألمانية الكردي علي أركادي فضح القوات المسلحة العراقية وممارساتها الطائفية ضد أهالي الموصل. يبدو أن هناك حقيقة مختلفة عن الدعاية التي بثتها الحكومة العراقية عن ضباطها الوطنيين وتعاملهم الإنساني المزعوم. التقرير مؤلم وقد التقت “بي بي سي” بالفوتوغرافي علي أركادي لفضح تلك الانتهاكات على نطاق عالمي. يقول الصحافي “وفي نفس الليلة خرجت معهم في حملة مداهمة، قاموا بمداهمة أحد المنازل وأخرجوا رجلا يدعى فتحي أحمد صالح، قاموا بسحبه من غرفة النوم حيث كان إلى جوار زوجته وأطفاله الثلاثة، أحد العناصر يدعى حيدر علي دخل إلى الغرفة وقال إنه سيقوم باغتصاب المرأة، وأنا رافقت البقية لأرى ماذا سيفعلون بزوجها، بعد 5 دقائق شاهدت المدعو حيدر علي أمام الباب المفتوح وفي الداخل المرأة وهي تبكي، فسأله النقيب عمر نزار: ماذا فعلت؟ فأجاب حيدر “أنها حظيت بيومها”. قمت بتصوير المرأة وهي بداخل الغرفة وبين يديها أصغر أطفالها، فنظرت إليّ ولكني كنت أصوّر بلا تفكير”. “السجين الأخير في تلك الليلة كان أحد عناصر الحشد العشائري السُّني، لكن الحشد الشيعي لا يحبون السُّنة لذا قاموا بأخذه لأحد الأبنية وقام أحد الجنود باغتصابه”. كان هناك نوع من المنافسة بين الشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع، عندما قال عناصر الشرطة الاتحادية أنهم وجدوا امرأة حَسنة المظهر في أحد المنازل وقاموا باغتصابها، قال عناصر الرد السريع إنهم يريدون الذهاب إلى ذلك المكان مرة أخرى”. الصحافي علي أركادي يختم تقريره المطول بالقول “الآن عرفت كيف استطاع داعش السيطرة على الموصل وغيرها من المناطق السُّنية بسهولة”. أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة الخطر، لقد كان من المقلق حصول الميليشيات على مكافأة دولية باعتبارهم “أبطالا” أنقذوا العالم من “الإرهاب السني” هذه المكافأة قد تبخّرت وقامت السعودية بالتفاف دبلوماسي تاريخي جعلت من عملاء إيران سببا للإرهاب وهم الهدف التالي في المعركة. هذا إنجاز دبلوماسي عالمي لا مثيل له في العصر الحديث. نحن نتفهم تماما الأولوية التي تمنحها الرياض لليمن. حرب اليمن ضرورية من جهتين أولا تنفيس احتقان حقيقي للعرب، فلا يمكن أن يتفرّج السنّة على هدم حلب وحمص وحماة والفلوجة والموصل والرمادي على يد الميليشيات الإيرانية دون القيام بشيء ما. كانت الشعوب تغلي وكاد الأمر يفلت عن السيطرة وهذا ما خططت له إيران بالتعاون مع الإخوان المسلمين ولكن الرياض تداركت الموقف. قصف الطيارين السعوديين لعملاء طهران الحوثيين نفّسَ الغضب الشعبي وبرد القلوب. ثانيا لا يمكن ترك إيران تسيطر على مضيق باب المندب إضافة إلى سيطرتها على مضيق هرمز. باب المندب وقناة السويس موقعان مهمان لمرور النفط السعودي إلى أوروبا. 6 بالمئة من النفط العالمي يصل أوروبا عبر باب المندب وهو نفط سعودي، وكذلك يذهب النفط السعودي عبر هذه المياه نحو سوق الطاقة في دول آسيا النامية. موقع اليمن الجغرافي جعله نافذة نحو البحر الهندي والبحر الأحمر من خليج عدن وباب المندب. ولا يمكن أن تسمح الرياض بحكومات معادية في صنعاء. مع هذا على المملكة العناية بالجار الشمالي العراقي فهو تحت سيطرة نفس الميليشيات الإيرانية، وربما “حوثيو العراق” أكثر خطرا ودموية من حوثيي اليمن. خبر سعيد أن تصر القوات الأميركية على بقاء طويل الأمد وبأعداد كبيرة في العراق، خصوصا بعد تحرير الموصل. فالاعتراض سيكون من الميليشيات الإيرانية. المطلوب من السعودية أن تكون شريكا للخطوات الأميركية في العراق، فالسياسة الجديدة المتمثلة بخلق حكومة مضادة لإيران وشيعية بنفس الوقت تعتبر أمرا تكتيكيا مهما ستصاحبه مقاومة إيرانية ومواجهات مع الجندي الأميركي. وجود السعودية ضروري لضمان تدريب أميركي للسنة، وإعادة تشكيل قدراتهم العسكرية والسياسية حتى يكونوا مستعدين للتدفق السياسي والمشاركة الفعلية بقيادة بغداد. إذا كانت السعودية قد أنفقت كل تلك المليارات لشراء “الأمن القومي العربي” ضد التغوّل الفارسي والإرهاب عموما فعليها متابعة بضاعتها مع الحليف الأميركي بنفسها، خصوصا مصالحها مع الجار الشمالي العراقي فهو هلاك للسلام العربي إذا تركته دون متابعة. يقول جون كابيلو الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن “إدارة ترامب، كما في أوروبا وآسيا، تريد أن يكون لديها حلفاء يلعبون دورا أكبر في ضمان أمنهم دون الاعتماد على الجيش الأميركي، موضحا أن هذا هو المنطق المطبّق مع السعودية”. ويتابع “بتعزيز القدرات العسكرية السعودية، تريد الولايات المتحدة على الأرجح أن ترى السعوديين يتولون الجزء الأكبر من العبء” في مواجهة المخاطر الإقليمية وخصوصا تهديد إيران. في الوقت الذي سينقسم فيه الجانب الشيعي العراقي إلى معسكر معارض لإيران وآخر متحالف معه في الظاهر على الأقل، من المهم أن تكون هناك ميزانية كافية واتفاقية أمنية سعودية أميركية لبناء معسكرات ضخمة لتدريب سنة العراق وإعادة تأهيلهم سياسيا وعسكريا وفق عقيدة سياسية طموحة، وإعادة الثقة بأنفسهم بعد هزة داعش العقلية، وتمكينهم من مناطقهم ومدنهم بطريقة فعالة، ثم تأتي العملية السياسية والمشاركة الفعلية بالسلطة من خلال مؤسسات الدفاع والأمن والقوات المسلحة وفرضهم فرضا، على سنّة العراق امتلاك صقور حقيقية في السلطة العراقية وليس مجرد فزاعات للتمويه. السعودية نجحت في إحباط عملاء إيران في البحرين حين تدخلت قوات درع الجزيرة عام 2011، ونجحت مرة أخرى في إحباط عملاء إيران في اليمن حيث انطلقت عاصفة الحزم عام 2015 وهي تشارف على النهاية، بقي عندها التوسع الإيراني في العراق وسوريا هذه الفئران الناقلة للطاعون الصفوي والميليشيات الضارة صارت تحيط بدول الخليج الجميلة إحاطة العقد بجيد الفتاة ولا بدّ من رد عربي حاسم. الوثيقة الدولية الصادرة عن البيت الأبيض حول قمة الرياض مشجعة للغاية فقد جاء فيها أن السعودية وأميركا اتفقتا على وحدة العراق وسلامة أراضيه ودعم القوات العراقية للقضاء على الإرهاب، وفي نفس الوقت القضاء على التدخل الإيراني في العراق. هذا ضوء أخضر مشجّع وواعد ولا بد من خطوات عملية إقليمية لتحقيقه. الوجهاء السنة في العراق قلقون ونقلوا لي تخوّفهم من أن الأمر مجرد كلام وورطة جديدة وعلى السعودية منحهم الطمأنينة والحماية حتى يستعيدوا شجاعتهم السابقة. ثلاثة أخطاء أدت إلى ما نحن فيه في العراق. الخطأ الأول اعتقاد صدام حسين بأن العراق القومي يستطيع التمرد على السعودية ونسي بأنه كيان هش مهمته الوحيدة التصدي للتوسع الإيراني. الخطأ الثاني هو اعتقاد السعودية بأنه من الممكن الاستعانة بالإسلاميين الشيعة للقضاء على صدام حسين والتعايش مع عراق شيعي بسلام دون أن يتحول إلى تهديد جديد أخطر من صدام حسين نفسه. والخطأ الثالث هو اعتقاد سنة العراق أنه يمكنهم مقاومة الولايات المتحدة بالسلاح وتبنّي خلطة من الأفكار السيئة التي خدعتهم بها دولة قطر وقناة الجزيرة والإخوان المسلمون. كان عليهم العودة إلى الحاضنة السعودية وخلق مستقبل عراقي جديد بعيدا عن الإرهاب والتطرف. بعد نجاح قمة الرياض نحن اليوم في طريق التصحيح خصوصا بعد فشل الدولة العراقية الصفوية منذ الاحتلال حتى اليوم. الحاقدون على قمة الرياض الناجحة يقفون مع الغرب لحرب السعودية والإسلام ولكن آل سعود علاقتهم بالغرب قديمة وراسخة ومبنية على المصالح والمال والجغرافيا، حينها ينقلبون ويصبحون دواعش ويتهمون السعودية بالعمالة لإسرائيل والغرب. السخرية العنصرية من المملكة مضحكة فالدول التي اتهمت السعودية بهدر المال على الأميركان هي دول فاشلة عملتها ساقطة ومعظم مواطنيها يتمنون عقد عمل بالسعودية. كاتب عراقيأسعد البصري
مشاركة :