وقال ديفيد دي روش -الباحث العسكري في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا والأستاذ المساعد بجامعة الدفاع الوطني الأميركية- إن السياسيات التي تتبعها الحكومة المصرية في ردع تنظيم الدولة بسيناء لا تتسم بالكفاءة، وإن سكان شبه الجزيرة المصرية لا يثقون في قدرة النظام على تطبيق العدالة، وفرض الأمن، وتحسين الخدمات. ونفى دي روش، في حوار مع لـ«العرب»، الشكوك حول استخدام مصر أجهزة مراقبة أميركية في التجسس على المدنيين بدلاً من الأعمال العسكرية، مؤكداً أن استمرار مصر في الالتزام باتفاقية كامب ديفيد يجنبها تخفيض المساعدات العسكرية الأميركية. واستبعد الباحث العسكري، الذي أكد في إطار حواره أنه لا يمثل الحكومة الأميركية، انسحاباً جذرياً للقوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن زيادة التواجد العسكري الروسي في المنطقة غير وارد بسبب الأزمات الاقتصادية الداخلية التي تعاني منها موسكو. وعمل ديفيد دي روش مديراً مسؤولاً عن سياسة الدفاع المتعلقة بالمملكة العربية السعودية، والكويت، وقطر، والبحرين، وسلطنة عمان، والإمارات العربية المتحدة، واليمن. كيف تُقيّم إجراءات مكافحة تنظيم الدولة التي اتخذتها الحكومة المصرية في سيناء؟. - بوجه عام، كانت جهود الحكومة المصرية في سيناء إما لا تتسم بالكفاءة، أو تأتي بنتائج عكسية، واستخدمت بشكل عام الأساليب العنيفة مع السكان، وهو ما يؤدي إلى معاداة السكان الأصليين للسلطات، وخلال الأيام الأخيرة، كانت هناك تقارير تفيد بأن السلطات المصرية تسلح قبائل مختارة لمحاربة متمردي تنظيم الدولة، وتفيد التقارير بأن تحالف قبائل الترابين قد كره فظائع تنظيم الدولة، وسيدعم الحكومة بشكل نشط، في حين أن هذا من المرجح أن يزيد من تحديات فرض سيطرة الدولة على المنطقة على المدى الطويل، فمن سينزع سلاح القبائل بعد هزيمة تنظيم الدولة؟، وربما يكون تسليح القبائل هو أكثر إجراء فعال متاح للمصريين في مكافحة التمرد. ما هي احتمالات انتقال تمرّد مسلح على شاكلة ما يحدث بسيناء إلى محافظات الدلتا؟. - تشير الهجمات ضد الأقباط، وضد مسؤولي الأمن، وأبرزها اغتيال النائب العام هشام بركات إلى أن تمرد تلك الحركة الإرهابية قد تحول بالفعل، والمشكلة صعبة، وبشكل خاصّ في سيناء؛ لأن المنطقة كانت منذ فترة طويلة محكومة بشكل فضفاض، كما أن القبائل البدوية لم تندمج تماماً في هياكل الدولة المصرية، والفرق بين وادي النيل، والمدن الكبرى الأخرى وسيناء هو أن قوات الأمن المصرية في هذه المدن أكثر عدداً وأكثر فاعلية مقارنة بتلك الموجودة في سيناء. إلى أيّ مدًى يمكن لتنظيم الدولة نشر الاضطرابات في سيناء؟ وهل سنرى سيطرته الكاملة على مساحات واسعة في المستقبل مثلما حدث بالعراق؟. - بشكل عامّ، نوعية المعدات العسكرية التي وفرتها الولايات المتحدة لمصر، وبالأخص الدبابات والطائرات المقاتلة، مناسبة للحرب التقليدية، وليس لمكافحة التمرد، ويتطلب مكافحة التمرد وحدات صغيرة مدربة تدريباً جيداً على درجة كبيرة من المبادرة الفردية، وحكومة مدنية سريعة الاستجابة يمكنها تقديم الخدمات الأساسية بسرعة، وإعادة إرساء سيادة القانون، وتحتاج الحكومة المصرية عموماً إلى تلبية هذه المتطلبات، وخاصة في سيناء. وتنظيم الدولة في سيناء عموماً قوة تخريبية، وليس قوة مهيمنة، وإذا ما حاول السيطرة على أجزاء كبيرة من التضاريس وإقامة الحكم، فإنه سيكون هدفاً تستطيع القوات العسكرية المصرية أن تشتبك معه بشكل فعّال باستخدام الأسلحة التقليدية مثل الطائرات والمدفعية، وربما لا يسعى تنظيم الدولة إلى السيطرة على الأرض في حين تحافظ مصر على التفوق في الأسلحة التقليدية، ولكنه سيسعى بدلاً من ذلك إلى مهاجمة قوات الأمن وغيرها، ثم الاختباء وسط السكان. أكدتم من قبل أن البدو في سيناء يعتبرون القوات العسكرية المصرية قوة احتلال، كيف خلصتم إلى هذا الاستنتاج؟ وفي رأيك من المسؤول عن هذه العلاقة المتدهورة؟. - خلصت إلى سوء العلاقة بين الحكومة المصرية وسكان سيناء من خلال الفترة التي قضيتها في سيناء، ومن التقارير الصحافية اللاحقة التي تتحدث عن التمرد، وأعمال الحكومة التي تؤدي إلى معاداة السكان، وهناك دراسة حديثة وشاملة لمواقف بدو سيناء توضح سوء العلاقة قدمها «آر جرين» في السادس والعشرين من أبريل الماضي بعنوان «داعش في سيناء وعلاقاتها مع السكان المحليين»، وليس هناك شك في أن داعش تسعى إلى إثارة المشاكل، ولكن ليس هناك شك أيضاً في أن الحكومة المصرية ليست وسيلة موثوقاً بها لتحقيق العدالة، والخدمات، والأمن في سيناء. ما تجارب التمرد المماثلة لما يحدث في سيناء؟ وما نتائجها؟. - سؤال ممتاز، في مناطق كثيرة مثل «ناجالاند» في الهند، وشمال غرب باكستان، ومنطقة الساحل، وأجزاء مختلفة من إندونيسيا، تكافح الحكومة لإدماج الجماعات القبلية، وبعضها رحل، في نظم الحكم التابع لها. وعن نتائجها، ففي الحروب الأميركية مثلاً مع الهنود فالنتائج كانت مفيدة، فالمعارك العسكرية مع الهنود معروفة بشكل عام، إلا أنه من غير المعروف جيداً ما قامت به الحكومة الأميركية بعد ذلك للتصالح مع الهنود؛ حيث أنشأت لهم مكتباً خصيصاً لتقديم الخدمات، ومنحت القبائل المختلفة درجة كبيرة من الحكم الذاتي والسيادة، وكان العسكريون والمدنيون يركزون مع بعضهم في تحقيق إنجازات مدنية، ولكن في سيناء تؤكد معظم التقارير الصادرة من هناك أن عملية مكافحة التمرد قائم في الغالب على العمل العسكري. يوجد تخوّف لدى الحقوقيين من استخدام معدات مراقبة قدمتها أميركا للجيش المصري في حربها ضد تنظيم الدولة، كيف تتأكد الإدارة الأميركية من عدم استخدامها في التجسس على المواطنين أو المعارضين؟. - سؤال جيد، معظم المعدات التي توفرها الولايات المتحدة لم تكن مناسبة لأعمال المراقبة الداخلية أو الإجراءات الشرطية، ويتم شراء معظم معدات المراقبة من السوق المفتوحة، وليس من قبل الحكومة الأميركية، وعندما تنقل الحكومة الأميركية معدات عادية أو معدات حساسة إلى بلد يتمتع بسجل حقوق إنسان دون المستوى الأمثل، فإنها تتطلب عادة تأكيدات حول كيفية استخدام هذه المعدات، ولكن في نهاية المطاف، هذه مسألة ثقة. ترمب سيُخفِّض المساعدات العسكرية الأجنبية، تم استبعاد إسرائيل، إلى أي مدى سيؤثر ذلك على المساعدات الأميركية لمصر؟. - في رأيي أن المساعدة العسكرية الأميركية لمصر هي الدافع وراء الحفاظ على اتفاق كامب ديفيد، ومن غير المرجح أن تنخفض بشكل كبير ما دامت مصر تلتزم بهذا الاتفاق. ازدادت مؤخراً تقارير عن وجود عسكري روسي في مصر خاصة في منطقة الحدود الليبية، كيف ترى الإدارة الأميركية علاقات مصر وروسيا العسكرية من مناورات مشتركة، وتصدير الأسلحة، وإنشاء مفاعل نووي؟. - أيّ تدخل عسكري روسي في الشرق الأوسط تدخُّل مشتَبَه فيه، ولدى روسيا مشاكل داخلية وقضايا اقتصادية خطيرة تشكك في قدرتها على التوسع في تواجدها بالشرق الأوسط، ولن يكون من المستغرب أن تنظر مصر إلى التعاون العسكري مع روسيا فقط للاستفادة من المعدات العسكرية الأخرى من خارج الولايات المتحدة. هل سنشهد انسحاباً أميركياً من الشرق الأوسط؟. - الوجود الأميركي في الشرق الأوسط مستمر، والبصمة الأميركية في المنطقة اليوم مستدامة نسبياً، وقابلة للزيادة السريعة والانخفاض، وأنا لا أتوقع انخفاضاً جذرياً في انتشار القوات الأميركية في المنطقة.;
مشاركة :