شاب مصري يؤسس مكتبة لاستعارة الكتب واستبدالها

  • 5/29/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تجده في النوادي الاجتماعية والأحياء الراقية والشعبية وفي محطات المترو وداخل الجامعات، تعجّ منضدته بعشرات العناوين الأدبية والاجتماعية، بالعربية والإنجليزية، روايات لأشهر الأدباء تتصدر قوائم الأكثر مبيعاً في مصر أو العالم العربي إلى جانب روايات إمبرتو إيكو ودان براون وروايات قائمة «نيويورك تايمز»، وكتب كبار المفكرين كالعالم الراحل مصطفى محمود، رافعاً شعار «فكر جديد».يقف أحمد عبد الرحمن مؤسس «مكتبة بداية» لاستعارة الكتب، غير مبالٍ بنظرات الناس أو استهتار البعض ببضاعته الثمينة التي لا يقدِّرُها إلا كل قارئ حصيف. في ظل اختفاء ظاهرة استعارة الكتب من المكتبات العامة التي كانت تنتشر في الأحياء المصرية، ومع غلاء أسعار الكتب التي تفوق قدرة الطبقة الوسطى المثقفة، ابتكر عبد الرحمن فكرة رائعة لدعم عشاق القراءة عن طريق توفير كل ما يرغبون فيه من كتب، يشترونها بسعر مخفض، وما إن يعيدوها يستعيدوا قيمة 75 في المائة من ثمن الكتاب، بل ويقوم بتوصيل الكتب للمنازل حسب الطلب (بوك دليفري)، ويمكنه أن يوفر للقارئ أي كتاب يرغب فيه ويصل إليه خلال 48 ساعة في أي محافظة من محافظات مصر.وعن فكرته يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كان شغفي بالقراءة منذ الصغر يدفعني لاقتناء الكتب، وبمرور الوقت وجدت أن عدداً كبيراً من أصدقائي يعزفون عن القراءة ويتجهون لتمضية وقت فراغهم في الألعاب الافتراضية والأجهزة اللوحية دون اهتمام بالقراءة، وبالطبع مع غلاء أسعار الكتب انفضَّ عدد كبير من القراء عن القراءة الورقية، لذا فكرت في أن أؤسس مكتبة عقب تخرجي في الجامعة عام 2010».يستكمل عبد الرحمن الذي تخرج في كلية التجارة: «بدأت في دراسات جدوى للمشروع، ووجدت تراجعاً مخيفاً في نسب القراءة في مصر والوطن العربي، فساورني القلق من الدخول في هذا المجال، لكن فكرت في أن أؤسس مكتبة هي أشبه بالمكتبة المتنقلة ولكن لاستعارة الكتب كتشجيع للشباب على القراءة. وقمت بتطوير الفكرة وأصبح هناك مجال لاستبدال وتبادل الكتب، بمعنى أن القارئ يمكنه استبدال بكتب قديمة أخرى حديثة مقابل فارق بسيط بالسعر، ويمكن ذلك عبر 28 محافظة».على مدار 4 سنوات هي عمر «مكتبة بداية» خلقت فكرة المكتبة من استعارة وتبادل الكتب حراكاً قرائياً، إذ يلتقي القراء مع أحمد عبد الرحمن في الأماكن التي يوجد فيها، سواء في أيام العطلات أو أيام الدراسة أو يتواصلون عبر مجموعة على «واتساب» أو «فيسبوك» للتعرف على الجديد في عالم الكتب.ومع نجاح مكتبة «بداية» لم تعد مجرد مكتبة متنقلة مع نحو 800 كتاب، بل أصبح لها مقر دائم في مدينة نصر، مع وجودها في أماكن متفرقة من العاصمة المصرية وضواحيها.عبد الرحمن يسعى من خلال مشروعه الهادف إلى أن يساند الشباب الباحثين عن عمل من خلال توليهم الإشراف على المعارض التي توجد بها مكتبة «بداية»، ورغم ذلك لم يتلقَّ أي دعم من أي جهة، وهو أيضاً لم يسعَ لذلك، ويقول: «لم أفكر في طلب أي دعم من أي جهة، فقد حركني حبي للقراءة ويدفعني تشجيع الناس لي وإعجابهم بالفكرة وهذا يكفيني».ويشير إلى أن دور النشر تتعاون معه في كثير من الأحيان بتسهيل سداد قيمة الكتب التي اشتراها منهم، وبحسبه «أصبح لديهم ثقة من خلال التعامل معي لأربع سنوات».لم يواجه عبد الرحمن عقبات مع مشروعه، إلا أن أكثر ما يحبطه ويحزنه هو سلوك بعض الأهالي من أولياء الأمور الذين ما إن يجدوا طفلهم منجذباً لشراء كتاب فيقولون له: «لما تقرأ كتب الدراسة الأول حينها فكر في قراءة الروايات».يقول عن ذلك: «أتمنى وأسعى لأن يكون الأهل هم أول من يشجع الأطفال على القراءة، صحيح أن هناك أولويات كثيرة في ظل الضغوط المادية، لكن القراءة هي سبيلهم للتقدم والوعي وفهم العالم من حولهم... فنحن نقرأ لنرتقي، وهو شعار المكتبة».ويرصد عبد الرحمن ارتفاع معدلات القراءة والاطلاع لدى طلاب الكليات العملية، مثل الطب والهندسة والصيدلة، في مقابل تراجُعِها بين طلاب الجامعات الأخرى كالآداب والتربية والفنون الجميلة، بحكم اختلاطه بمجتمع الجامعة وتعامله مع شرائح كبيرة من الطلاب خلال معارضه بالجامعات المصرية. يقول: «على الرغم من صعوبة دراستهم، فإن طلاب الكليات العملية مثقفون بشكل أكبر، ويحبون القراءة في مختلف المجالات وأيضاً يقرأون الرواية والشعر بشكل كبير».وعن حجم الإقبال على دواوين الشعر، يكشف عبد الرحمن أن هناك أسماء كثيرة عليها إقبال لا يقل، مثل أمل دنقل ونزار قباني وصلاح جاهين ومحمود درويش وفاروق شوشة، مع بعض الشعراء الجدد لكن بشكل عام الرواية تعتبر هي أكثر ما يقرأه الشباب، والفتيات يمثلن نسبة أعلى في معدل القراءة عن الشباب. ويمكن القول إن تجربة مكتبة «بداية» تمثل مرصداً لذائقة القراء فيقول: «الرواية تتصدر اهتمامات وإقبال الشباب، وهم أعطوا شهادة الميلاد لعدد كبير من الكتاب الجدد، ويليها كتب التنمية البشرية وكتب د. مصطفى محمود، ثم كتب السيرة الذاتية، خصوصاً سِيَر السياسيين».تجربة أحمد عبد الرحمن تكشف كثيراً من الجوانب المتعلقة بحب القراءة ونسبها وعلاقة القارئ المصري تحديداً بالكتاب الورقي في مقابل الكتاب الإلكتروني، وفي ظل انتشار القرصنة ونشر الكتب والروايات الجديدة عبر الإنترنت، وتعطي الكثير من الأمل في رفع معدلات القراءة عبر مشروعات مماثلة تدعم أسعار الكتب.يقيم عبد الرحمن تجربته عبر استمرارية تزايد أعداد القراء المقبلين على استعارة الكتب ونسبة الكتب العائدة له، فوجد أن عدداً كبيراً من القراء الذين يقتنون الكتب في البداية كاستعارة على أن يعيدوها مرة أخرى غالباً ما يحتفظون بها ولا يعود من الكتب المبيعة سوى 40 في المائة فقط، ويعزي ذلك إلى حب القراء للكتاب الورقي والرغبة في الاحتفاظ به، معتبراً أن الكتب الورقية عِشْق لن ينتهي لدى القارئ على الرغم من وجود أجهزة القراءة اللوحية.

مشاركة :