الرباط: لطيفة العروسني في بادرة غير مسبوقة، وجه مصطفى الرميد وزير العدل والحريات المغربي دعوة عاجلة إلى عدد من الجمعيات الحقوقية الناشطة في البلاد لحضور اجتماع عقده مساء أول من أمس بمقر وزارته في الرباط، لتباحث الإجراءات الكفيلة بالتصدي لادعاءات التعذيب التي أثارتها تقارير المنظمات الدولية. ولوحظ حضور المنظمات الحقوقية بمختلف توجهاتها، بما فيها تلك المعروفة بمواقفها الصدامية مع الدولة. وثمن مسؤولو هذه الجمعيات مبادرة الوزارة، بيد أنهم آخذوا الدولة لأنها لا تتحرك إلا في إطار رد فعلها على التقارير الدولية، رغم أنه سبق إثارة قضايا تعذيب مماثلة لم تلق أي اهتمام يذكر. وكانت «العفو الدولية» قد دعت المغرب في تقريرها الأخير إلى «وضع حد للتعذيب، وتوفير الضمانات الأساسية لمنع ممارساته»، وأدرجته في قائمة خمس دول معنية بحملة منظمة لمناهضة التعذيب تحت شعار: «أوقفوا التعذيب» من بينها المكسيك، والفلبين، ونيجيريا، وأوزبكستان. كما دعت نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان، المسؤولين المغاربة إلى فتح تحقيق فوري في حالات التعذيب، ومتابعة المتورطين فيه، خلال زيارتها إلى الرباط. وفي هذا السياق، قال الرميد إن الدولة «تؤكد رفضها التعذيب ولن تسمح بممارسته»، وإن أي ممارسة قد تحدث تتبرأ منها الدولة، لأن من يتحمل مسؤوليتها هو الشخص الذي قام بها، وهي عملية مجرمة تستحق العقاب. واستعرض الرميد التدابير والإجراءات التي اتخذها المغرب، في المجال القانوني والتشريعي، من أجل التصدي لظاهرة التعذيب والادعاءات المرتبطة به، لا سيما مصادقته على البروتوكول الاختياري المرفق باتفاقية التعذيب، والذي يضمن للأشخاص المتضررين التقدم بشكاوى أمام الهيئات الدولية، وهي الآلية التي سيجري تفعيلها في غضون الأشهر المقبلة بعد إيداع وثائق البرتوكول لدى المنظمة الأممية. وكشف الرميد أنه وجه تعليمات للوكلاء العامين للملك (النيابة العامة) لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، يحثهم على التفاعل إيجابيا مع حالات ادعاء التعرض للعنف والتعذيب، والأمر بإجراء معاينة للآثار أو الأعراض الخاصة بذلك في محضر قانوني، وإجراء فحص طبي وتقديم ملتمسات إيجابية بشأن طلبات الفحوص الطبية التي تقدم أمام قضاة التحقيق أو هيئات الحكم. وناشد وزير العدل المغربي منظمات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية، التعاون والتواصل مع الوزارة للتصدي للادعاءات الخاصة بالتعذيب، ملتمسا منها اقتراح لائحة بأسماء أطباء معتمدين من جانبها، للمساهمة في عمليات الفحص والخبرة في كل ادعاء بالتعذيب. كما حث هذه المنظمات على المساهمة بكل اقتراح يساعد على ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين خلال مرحلة الحراسة النظرية (الاعتقال الاحتياطي)، ووضع الرميد هاتفه الشخصي رهن إشارة ممثلي الجمعيات الحقوقية لإبلاغه عن حالات التعذيب والتعاون بين الطرفين للوصول إلى الحقيقة، مؤكدا أن «كل من ينفي وجود التعذيب واهم، لكن ليس كل من يدعون التعذيب عذبوا بالفعل». وخلال الاجتماع أطلع محمد عبد النباوي، مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، ممثلي الجمعيات الحقوقية على النتائج التي جرى التوصل إليها بشأن حالات ادعاء التعذيب، ومنها حالة علي أعراس، المعتقل المغربي الحامل للجنسية البلجيكية، التي أوردها تقرير «العفو الدولية»، مشيرا إلى أنه سبق لهذا المعتقل أن خضع لخبرة طبية ولم تكشف تعرضه للتعذيب، وأن تحقيقا جديدا فتح بشأن القضية ذاتها. كما تطرق إلى حالة الصحراويين الستة الموالين لجبهة البوليساريو الانفصالية، الذين اعتقلوا على خلفية مشاركتهم في إحدى المظاهرات واعتدائهم على أفراد الأمن، والذين لم يتبين من الخبرة الطبية أنهم تعرضوا للتعذيب كذلك. وأثار مسؤولو المنظمات الحقوقية قضايا عدة خلال الاجتماع، من بينها تركيز مسؤولي الوزارة عند حديثهم عن التعذيب على الجانب المتعلق بالاعتداءات الجسدية التي تخلف أثرا يمكن كشفه بالخبرة الطبية، في حين جرى إغفال المعاملة القاسية والمهينة والحاطة بالكرامة التي يتعرض لها المعتقلون. كما شككوا في صدقية الخبرات الطبية التي يخضع لها من يزعمون التعذيب.
مشاركة :