مشترك بين تونس ومصر وتركيا استهداف التنظيمات الإرهابية مواقعها السياحية الى جانب طبعاً مراكزها الأمنية الحساسة، ما استرعى انتباه فريق العمل التلفزيوني الألماني لإجراء تحقيق حول طبيعة العمليات ومقدار ضررها على اقتصاديات تلك الدول، التي تعد السياحة بين أهم مصادرها المالية ومنها يعيش آلاف المواطنين. وقبل الشروع في بحثهم، لاحظ معدو برنامج «إرهاب في الجنائن السياحية» تقارب وتزامن تنفيذها، ما يشير الى وجود خطة مبيتة تستهدف إلحاق أكبر مقدار من الأذى الاقتصادي المنسحب على السياسي موضوعياً. فالعمليات كما ظهر من خلال زيارة البرنامج البلدان الثلاثة لا تطرد السياح فحسب، بل تُبطِل جزءاً مهماً من النشاط الاقتصادي المعتمد عليها وترفع بالتالي نسبة البطالة حين يضطر أصحاب الفنادق والمطاعم الى إغلاقها ولهذا يتمنى الناس عدم حدوثها ثانية وعودة السياحة الى عهدها السابق كما أشارت الصحافية التونسية مبروكة خضر بعد عملية قتل السياح الأجانب في مدينة سوسة الساحلية. «مشاهد الدماء المخلوطة بمياه البحر مؤلمة لن أنساها، صُدمت وشعرت كتونسية بالخجل مما حصل، فليس لأجل هذه النهاية الحزينة ندعو السياح للمجيء الى سواحلنا، كل ما أتمناه ألا يحدث هذا ثانية!». في تونس وفق الإحصائيات هناك حوالى 800 ألف شخص يعملون في شكل مباشر أو غير مباشر في حقل الصناعة السياحية، وتوقف نسبة كبيرة منهم عن العمل يترك أثره على اقتصاد البلاد. وهذا ما لاحظه معدو البرنامج بسهولة أثناء دخولهم أسواق مدينة جربة وسماعهم شكوى أصحابها من ركود تجارتهم لدرجة أجبرت بعضهم على إغلاقها والتفكير بالهجرة غير الشرعية وبعضهم الآخر منى النفس بإجراءات أمنية تعيد الثقة بالسياحة التونسية مرة أخرى. بين الأهرامات وشرم الشيخ والأقصر ينتقل البرنامج التلفزيوني ويلاحظ انحسار الحركة السياحية في بعض المناطق التي كانت تشهد ازدهاراً، وتأثرها بعملية إسقاط الطائرة الروسية وقبلها بـ «الربيع العربي» الذي أخذ وقتاً طويلاً خَسَر المشتغل في السياحة كثيراً كما يؤكد «الجمال» صابر مصباح في أهرامات الجيزة. «كما ترى، فإن عدد السياح قليل لا يصل الى ثلت ما كان عليه قبل عام 2011 ومع ذلك نتدبر أمرنا لحين تحسن الأحوال وعودتها الى ما كانت عليه». في شرم الشيخ، اضطر عدد من أصحاب الفنادق والمطاعم الى إغلاق أبوابها بسبب الركود، وبعضهم قدّم مساعدة مالية لعماله المسرحين لإعانتهم على العيش. وتعمل المؤسسات الأمنية والرسمية لخلق مناخ ايجابي يشجع على السياحة وتغيير نظرة العالم الى الوضع الأمني في المناطق السياحية رغم ان البرنامج لاحظ وجود ثغرات فيه لم تمنع بعض السواح الأجانب بخاصة الألمان من زيارة سواحل البحر الأحمر وسط إجراءات أمنية مشددة تدعو الى التفاؤل برجوع الروس والبقية الى مصر. في اسطنبول، الوضع ليس أحسن من بقية المدن في مصر وتونس، فبسبب ما تشهده البلاد من اضطرابات سياسية وأمنية، قلت الحركة السياحية فيها وساهمت التفجيرات الإرهابية وسطها في إخافة الأجانب من القدوم اليها إضافة الى عوامل داخلية حاول البرنامج رصدها. مقابلات البرنامج مع بعض المعارضين أوصلته الى نتيجة تفيد؛ بأن تركيا بخاصة بعد «الانقلاب العسكري» الأخير لم تعد وجهة سياحية مشجعة بل أن كثراً من الغربيين لا يميلون الى التشجيع عليها باعتبارها وسيلة غير مباشرة لتبيض وجه نظام ألغى الديموقراطية. ولتدقيق ذلك الانطباع، قابل أصحاب متاجر أحدهم أشار الى ذلك التوجه بطريقة غير مباشرة حين لمح الى دعوة المشتغلين في حقل السياحة الى نسيان الغربيين والتوجه الى الشرقيين من عرب وايرانيين وربما الروس أيضاً مع أن عودتهم للعودة بعد المصالحة بين الرئيسين؛ أردوغان وبوتين أخذت شكلاً مختلفاً لا يغذي المناطق السياحية كثيراً. في أنطاليا شرح صاحب فندق وجهة الروس المعتمدة على الرحلات «الكاملة» الرخيصة، المتضمنة بطاقة السفر والإقامة في الفنادق والطعام، بالتالي هم لا يحتاجون الى شراء أشياء أخرى من خارجها ولا يذهبون الى مطاعم غير مطاعهما! وبالتالي لا تستفيد المدن الساحلية منهم كثيراً. في البلدان الثلاثة المتضررة بالإرهاب ثمة مشترك أشار اليها خبراء قابلهم البرنامج من بين أكثرها إقناعاً؛ وعي قادة التنظيمات الإرهابية بفاعلية تعطيل السياحة، التي تعطل بدورها آلافاً من العمال، بالتالي يصبح التوجه اليهم بعد مدة لإغوائهم بالمال سهلاً. ووفق خبير تونسي: «صار الجهاد مشروعاً تجارياً مربحاً» على المستوى السياسي تؤثر الأوضاع غير المستقرة فيه وانتهاكات الديموقراطية والصراعات المسلحة الى هروب السياح. وعلى المستوى الأمني كلما تم العمل لسد الثغرات الكبيرة وتأمين المناطق السياحية كلما تشجع المصطافون على القدوم اليها من دون خوف.
مشاركة :