ورد تونس يذبل في عاصمته أريانةمهرجان الورد الذي يقام في أواخر الربيع بمدينة أريانة يستقطب الكبار والصغار أيضا من أجل التمتع بروائح الزهور والمشاركة في مهرجان الأطفال البيئي، الذي يقام على هامش المهرجان ويتضمن مسابقات وأنشطة تربوية. ويستغل الحرفيون المهرجان السنوي لعرض منتجاتهم من عطورات الزهور وأدوية الأعشاب للباحثين عن العلاج التقليدي.العرب [نُشر في 2017/05/29، العدد: 10647، ص(20)]الورد والياسمين رمز الفرح والثورة تونس – في مدخل الفضاء الترفيهي بمدينة أريانة التونسية تخطف روائح الزهور المنعشة ألباب الزائرين للمعرض السنوي للزهور، لكن الوضع التجاري للعارضين ليس على نفس القدر من الانتعاش. يكافح تجار الزهور في تونس مثل الكثير من عمال باقي القطاعات للإبقاء على تجارتهم صامدة في ذروة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتونس. ففي بلد طالما استقبل زائريه من السياح في المطارات والموانئ بالياسمين والفل، ألقت الأزمة التي أعقبت الثورة عام 2011 بظلالها أيضا على قطاع الزهور واهتمامات الناس به في حياتهم. لكن مع ذلك لا تزال الزهور تمثل قطاعا مهما في تونس من حيث عدد العاملين فيها وحجم عائداتها سنويا. وتفيد بيانات نشرت في 2015 أن تونس تصدر إلى السوق العالمية نحو ألف طن سنويا من الورود. وتقدر عائدات القطاع سنويا بما يناهز 700 مليون دينار وحوالي 60 بالمئة من إنتاج المزارعين للورود يوجه إلى السوق الأوروبية. غير أن الوضع بالنسبة إلى بعض المزارعين ليس على حاله دائما، ففي معرض الزهور السنوي الذي ينظم في الفضاء الترفيهي بمدينة أريانة المعروفة بـ”مدينة الورود” لا يبدو العارض علي الفقيه سعيدا بحجم الإقبال هذا العام ولا بعائداته المالية على عكس السنوات الماضية. يوضح علي قائلا “يأتي الناس للزيارة لكنهم لا يشترون. الوضع الاقتصادي صعب والزهور لم تعد أولوية للكثير من العائلات التونسية”. وأضاف “في السابق لم يكن المعرض يحتاج إلى التسويق أو الإشهار. يأتي الناس من أغلب المحافظات القريبة بكثافة ويقبلون على اقتناء الزهور والنباتات”.يتميز باعة المشموم عن غيرهم من الباعة بارتدائهم ملابس تقليدية تتماشى وطبيعة هذا المشموم المتجذر في التقاليد التونسية ومثل علي ينتشر الإحباط بين أغلب العارضين في المعرض هذا العام بسبب حالة الكساد، ما دفع الكثير منهم إلى التخفيض في الأسعار. يقام مهرجان الورد في تونس في نهاية فصل الربيع ويستقطب في العادة صناع الورود من كامل أنحاء البلاد، كما يستقطب في نفس الوقت حرفيين في قطاع الصناعات التقليدية. وفي المعرض الذي يضم حدائق ومساحات خضراء تنتشر أجنحة متنوعة للورود التونسية، من بينها زهور “النسري” و”العطرشية” و”الياسمين” و”الفل” و”الفليو”، و”زهرة البرتقال” التي تخضع إلى التقطير لاستخراج مادة الزهر منها. وتعرض أيضا مشاتل لنباتات أجنبية مثل “الأوركيدي” و”المارجيناتا” و”كليفيا”. كما تخصص في المعرض أجنحة لعرض الأواني والألبسة التقليدية والأقمشة والتحف والحلي ومستلزمات الزينة. ويأتي إلى المعرض متخصصون في البستنة وتهيئة الحدائق والمساحات الخضراء لعرض خدماتهم على الزائرين. ويفسر العارض عماد العريبي أسباب الركود في سوق الزهور قائلا “القطاع يشهد عددا متزايدا من الدخلاء. وهؤلاء علاقتهم بالزهور تجارية صرفة”. ويضيف العريبي القادم من مدينة سليانة التي تبعد 100 كيلومتر عن أريانة “فتح المسؤولون في المعرض الأبواب على مصراعيها لكل الدخلاء. هم لا يقدمون شيئا للزائرين ولا يوضحون القواعد الأساسية للاعتناء بالنباتات”. عارض زهور، قدم من مدينة بنزرت على بعد 60 كلم من مدينة أريانة، يشارك في المعرض ويعترف بأن النجاح في هذه المهنة يحتاج إلى الصبر والولع بالزهور.حياة المشموم محدودة جدا فهي لا تتجاوز الـ24 ساعة وتابع العارض “الناس يفقدون ولعهم بالزهور والنباتات إذا لم يحسنوا التعامل عبر قواعد سليمة”. ويعكس بالفعل تقلص المساحات المخصصة للورود التراجع الكبير في زراعة الزهور التونسية في البيوت، وهي عادات دأبت عليها العائلات في تونس منذ القدم. ويقول الباحث منير القصري إن التونسيين يهتمون أيضا بزراعة الورود لفوائدها الصحية الكثيرة واستخدامها في العلاج التقليدي وصنع الحلويات. ويضيف الباحث “تستخدم مثلا زهرة النسري في إيقاف الإسهال، واهتراء اللثة، ومداواة العذر، وأمراض الشيخوخة، ونزيف الدورة الشهرية، والتخفيض من مستوى السكري في الدم”. وفي كل الحالات لا يمكن للمدن التونسية أن تتخلى بسهولة عن عاداتها في زراعة الياسمين بشكل خاص، ليس فقط بسبب طيبة روائحه ولكن لارتباطه أيضا بتجارة موسمية رابحة في الصيف. وتخصص مدينة صفاقس ثاني أكبر المدن التونسية مثلا مهرجانا سنويا يحتفي بزهرة الياسمين. وكانت البلدية في المدينة قد أطلقت مبادرة لزرع عشرة آلاف نبتة ياسمين في الشوارع في خطوة لمكافحة التلوث والروائح الكريهة المنبعثة من المصانع المنتشرة في المدينة الاقتصادية. ويعقد الآن العارضون، علي وعماد وأغلب العمال الموسميين، الآمال على فصل الصيف، لأن تجارة الزهور ترتبط بشكل وثيق بالأفراح وأماكن الاستجمام والتزويق في هذا الفصل. وعلى مدى ثلاثة أشهر تنشط محلات الورود في أريانة وفي الشارع الرئيسي “الحبيب بورقيبة” وسط العاصمة بشكل كبير خلال فصل الصيف، إذ تركز عملها على صناعة الباقات وتزويق السيارات المعدة للأفراح بالورود. يقول أحد الباعة المنتصبين في الشارع “هناك عمل بشكل دائم خلال فصل الصيف. نعمل أنا وأخي كامل الوقت ونضطر لاستقدام صناع آخرين لمساعدتنا”. وورث أبناء هذه المنطقة تقليد غراسة الورود ورعايتها عن الأندلسيين الذين توافدوا على شمال أفريقيا منذ القرن الـ15 ميلادي. منتزه بلحسن ويقام المهرجان بمنتزه بئر بلحسن الذي أنشئ به منبت منذ 1994، لرعاية ورود أريانة والمحافظة عليها، وهو يعود إلى الحكم الحفصي للبلاد التونسية. يقول الأستاذ والباحث علي حمريت إن تاريخ منتزه بئر بلحسن يعود إلى الفترة الحفصية، عندما جعل منه المستنصر بالله الحفصي متنفسا للحنايا التي أقامها سنة 1258 لجلب الماء إلى جنانه المعروفة بجنان أبي فهر أو مدينة العلوم حاليا. ويشير أيضا إلى أن بئر بلحسن شكل منذ بداية القرن العشرين مكانا للاستشفاء لسكان مدينة تونس وأريانة على حد السواء، حيث عرف بمياهه العذبة التي تشفي عليل داء الكلى مثلما شكلت البساتين المحيطة به فضاء للراحة والاستجمام. وشكل بئر بلحسن والبساتين المحيطة به منذ عقود مكانا للاستشفاء ليس فقط لسكان هذه المدينة الهادئة المتاخمة للعاصمة، بل وأيضا لباقي المدن التونسية، حيث كان الأطباء ينصحون الكثير من المرضى بالتوجه إليها كفضاء للراحة والاستجمام فضلا عما تتميز به مياه البئر من عذوبة يعتبرها الكثيرون شفاء لمرضى الكلى. ولتنمية ورد أريانة، قامت بلدية المكان بتهيئة مساحة تحتضن أكثر من 3 آلاف مشتلة لورود أريانة، وتبقى سوق النباتات والزينة التي تقام بمناسبة المهرجان الفضاء الذي يستقطب الآلاف من المولعين بالورود. كما دأب المهرجان على اختتام فعالياته باختيار ملكة جمال الورد، وتنظيم ندوة متخصصة، ستبحث هذه المرة فوائد العسل. وقامت إدارة المهرجان في دورة هذه السنة بتنظيم قافلة الورد لتوزيع شتلات الورود مجانا على المواطنين بالمعتمديات.المشموم التونسي في غينيس وباريس المعرض لا يقدم للزائرين زهورا ومشاتل فقط ولكن يمكن للزوار أن يطلعوا أيضا على التقنيات التي يقدمها المختصون في البستنة من أدوات للري وتهيئة للحدائق والأماكن الخضراء ومداواة للأعشاب. المشموم التونسي يستحوذ “المشموم” التونسي، وهو باقة صغيرة من أزهار الياسمين، على أغلب عمل الباعة المتجولين خلال هذه الفترة من العام وهو يحتاج أيضا إلى جهد لتسويق السلع في الشوارع والمقاهي وفي الساحات العامة. ويسجّل مشموم الياسمين أو الفل (المشموم من الشم) حضوره في ليالي تونس الصيفية، فالتونسي يحتفي بهذه الزهرة العبقة خلال سهراته، إذ أن بياضها وعبيرها يستهويان الرجال والنساء على حدّ السواء. ويتميّز باعة المشموم عن غيرهم من الباعة بارتدائهم ملابس تقليدية تتماشى وطبيعة هذا المشموم المتجذر في التقاليد التونسية. وعادة ما يختص التلاميذ أثناء عطلهم الصيفية بتسويق هذه السلع في الشوارع، ويطلق عليهم “الدوارون”. ويمكن أن تتراوح حصة الفرد في اليوم الواحد من بيع باقة المشموم من 20 دينارا إلى أكثر من 40 دينارا. ويعتمد الدخل على الأسعار وعلى أماكن التسويق بين الأحياء الراقية أو الأحياء الشعبية وفي الأعراس والاحتفالات. ويحظى هذا المنتوج الحرفي البسيط (المشموم) بشهرة عالمية واسعة، ذلك أنه يعد من الصادرات المميزة للسلع التونسية إلى الخارج بجانب كونه أيضا إحدى العلامات المميزة للهوية والثقافة التونسية. وقد دخل التونسي فرجاني اليعقوبي في موسوعة غينيس للأرقام القياسية في عام 2007، عندما نجح في إعداد أضخم باقة ياسمين تألفت من أكثر من 23 ألف زهرة فاق وزنها 6 كيلوغرامات. واستطاع المشموم التونسي أن يسجّل حضوره في صادرات البلاد التونسية إلى فرنسا، رغم أن حياة المشموم محدودة جدا فهي لا تتجاوز الـ24 ساعة. فبعد عملية صنع المشموم يتم إرسال المنتوج بطريقة سريعة إلى أقرب مطار، حيث يتم نقله في الرحلات العادية إلى باريس والتي تستغرق 130 دقيقة لتعطّر هذه الزهرة العبقة أمسيات باريس. وفي تونس يفضل الساسة حتى اليوم أن يطلقوا لقب “ثورة الياسمين” على الاحتجاجات التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011، قياسا إلى الانتقال السلمي للسلطة في البلاد.
مشاركة :