لا يخفى على المهتمين بالبيئة تسارع دول العالم نحو المزيد من التلوث في الهواء، رغم النداءات التي تطلقها منظمة الصحة العالمية بين الفينة والأخرى، ففي معظم دول آسيا وعواصمها يشكل التلوث خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان، وفي تقارير مختلفة تحضر الدول العربية ضمن دول العالم الأكثر تلوثا في الهواء، ولعل المملكة من بين الدول التي تنبهت مؤخرًا إلى ذلك، وأصبحت تسعى إلى التقليل من نسب التلوث في الهواء، وتتخذ عددًا من الإجراءات من بينها إنشاء وزارة للبيئة بما يشير إلى هذا التوجه الجديد. وتستخدم التقارير التي تصدرها المنظمات مقياسًا يتناول المتوسط السنوي لتركيز الجسيمات من حيث الميكروغرام لكل متر مكعب، ولا غرابة أن نجد الرياض، أو الجبيل، أو الدمام ضمن المدن التي تعاني من التلوث، كغيرها من المدن الخليجية والعربية، وهو ما يجب أن يتضاعف العمل والجهد لاحتوائه مبكرًا، كي لا نصل إلى مرحلة بعض العواصم العربية، التي نرى التلوث في هوائها بالعين المجردة، دون الحاجة إلى مقاييس دقيقة. إن كثيرًا من المدن التي تحذر منظمة الصحة العالمية من تلوثها، تعاني من عدة عوامل، كأن تكون مدنا صناعية، وهذا طبيعي، حيث تسهم الانبعاثات الصناعية في تلويث الهواء، ولكن الأمر الأكثر أهمية وتأثيرًا في تلوث مدينة كالرياض، هو كميات الغبار معظم أيام السنة، والازدحام المروري وما ينتج منه من عوادم السيارات، وأيضًا المصانع المنتشرة على أطرافها، كالمدن الصناعية الثلاث في جنوب العاصمة، وحتى مصانع الحجر والرخام وغيرها التي بدأت تنتشر في شمالها، وهو ما قد يؤدي إلى تلوث جديد، وفِي وجهة جديدة. وما لم تبادر جميع الجهات ذات العلاقة، وبالتنسيق مع وزارة البيئة، في حماية ما تبقى من هواء المدينة، فسنجد أنفسنا نعاني أكثر مما نحن الآن، من تلوث الهواء، ولعل أهم الخطوات لذلك هو سرعة التخفف من عوادم السيارات، بالذات التي تصدرها سيارات النقل والشاحنات، والسيارات القديمة جدًا، التي يجب سحبها نهائيا من الطرقات، والمحافظة على ما تبقى من أحياء المدينة الجديدة، بإبعاد المصانع الصغيرة منها، حتى ولو كانت مؤقتة، بالإضافة إلى إعادة ملامح الرياض القديمة بإعادة تشجيرها، فالطفرة العمرانية التي قضت على بساتينها، وطبيعتها، يجب الوقوف أمامها وتنظيمها، بل ووضع أنظمة تلزم بمساحات خضراء، سواء حول الطرق السريعة والأبراج العالية، أو داخل الأحياء السكنية، بتشجيع المواطنين على زراعة الأشجار وإعادة الغطاء النباتي، والتوقف عن استبدال (الثيل) والشجر الطبيعي، بالأنجيلة الصناعية التي بدأت تنتشر في ميادين العاصمة مؤخرًا... يكفي وضع الأقنعة على وجه المدينة، وأعيدوا وجه الرياض المفقود!
مشاركة :