تقاسيم (شهادة تزكية... «المطوع»)

  • 6/1/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي لم أجد أصلاً لهذه الكلمة المحلية الدارجة «مطوع» لا في القريب ولا البعيد، أعني الأصل الذي يقدمها بمعناها الحالي وشعبيتها المنتشرة، فتشت هنا وهناك ولم أعثر سوى على جزئية خاطفة تشير إلى أن أصل هذه الكلمة هو «المتطوع»، فأدغمت التاء في الطاء، وهو الذي يفعل الشيء تبرعاً من نفسه، كما أن بعض المقولات المتناثرة تقول إن من عادة أهل نجد أن يسموا أهل المرتبة الوسطى بالـ«مطوع» وهذه المرتبة تشمل طالب العلم الذي يصلي بالناس أو يعلمهم القرآن وهي تشير إلى أن الله طوعه وجعله عابداً مطيعاً له فهو فوق العامة ودون العالم. هذه الكلمة الدخيلة عمدت إلى التمييز المدروس أو التلقائي، قدمت بمثابة التزكية لفئة على فئة، والتزكية منهي عنها شرعاً إذا دخلت في باب مدح النفس، لكن بعض الكلمات تدخل علينا بقوة عادية ونستقبلها بتلقائية وبالفطرة، ثم توزع بقوة فولاذية، فتعبر أجواءنا بما فيها من التقسيم والتصنيف والاختلاف والانقياد والاستسلام، كنا ومانزال نأخذ هذه الكلمة كما لو كانت شهادة تزكية رفيعة المستوى، فننجذب إلى الموصوف بها ونعتبره علامة فارقة ومختلفاً عمن حوله استناداً إلى أن لهذه الكلمة لوازم تبدأ بالمظهر لكنها لا تمضي إلى البعيد بمحاذاة المحك الحقيقي «محك المخبر». نتحمل نسبة كبرى من منح هذه الكلمة هالة سعودية خالصة، نطير مع أي خطأ يأتي منها، ونعتبره ضربة قاصمة وفعلاً استثنائياً خطراً ينذر بكارثة ويبعث فينا كمية من الشكوك في هذا القسم، الذي يجزّئ المجتمع إلى قسمين: فئة مزكاة، وفئة بلا اسم دارج سوى أنها في المنطقة المضادة للقسم الأول. العاطفة والهوس بالمظاهر والقدرة البارعة على إقناع المجتمع بالتحول من القاع إلى القمة في زمن بسيط، وقفت بصفتها ثلاثية شهيرة للصمت أمام أصحاب شهادات التزكية الاجتماعية دون تمريرهم على أية مسطرة وتوقع أنهم مثلنا بالضبط يخطئون ويصيبون، ينامون ويستيقظون، أهواؤهم كأهوائنا، ولا يعلم سرائرهم وسرائرنا إلا الله. هناك من وجد في هذه الكلمة ضالته، وساعده المجتمع العاطفي الذي كان أقصى ما يهمه أن يكون ابنه «مطوعا» لأنه حين يرتدي لوازم هذا المسمى وينجح في الحصول على الشهادة يحتفى به ويقدم في محيطه الاجتماعي ويظن به دوماً الخير، بل إن هناك من يتسابق إلى القرب منه لأن الوعي العام كان يراوح في محطة العاطفة المفرطة التي آمنت إلى حد لا يصدق بأن «وراء كل لحية وثوب قصير خيراً وبركة ونفعاً للبلاد والعباد، وأن مجرد المضي معها أو موافقتها في الأفكار والخطى كافة كفيل بالانضمام إلى الفرقة الناجية». أعلم أنه سيأتي من يقرأ المقال بالمقلوب ويقول ماذا تريد أن تقول في «مطاوعتنا»؟ ومن أنت كي تتحدث عنهم؟ وكن مثلهم وكفى. وهي آراء معتادة ومتوقعة أصفح عنها بالطبع، وأعود إلى تأكيد أني أقف ضد المسمى، وأقف ضد التعميم بأن هذه الفئة مستثناة من الخطأ والهوى، وأقف ثالثة ضد أن تختص بالصواب دون غيرها، وأقف رابعة أخيرة ضد أن نغرس في عقول الناشئة أن الدين هو مظهر بالمقام الأول!      

مشاركة :