وصفة سهلة لتحقيق السعادة القصوى

  • 5/31/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تنشر «العرب» وبصورة حصرية على صفحات ملحق رمضان طوال أيام الشهر المعظم، حلقات من كتاب العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، والذي جاء بعنوان: «القضايا المبدئية والمصيرية الكبرى للإنسان: ماذا أنا؟ ومن أين؟ وإلى أين؟ ولِمَ؟» قال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في مقاله السابق، وهو جزء من كتاب «القضايا المبدئية والمصيرية الكبرى للإنسان» والذي ينشر حصرياً على صفحات «العرب» طوال أيام شهر رمضان المعظم»: «نحن ندعوكم إلى أمر خطير، ندعوكم إلى قضية المصير، بل لا توجد قضية مصير حقاً إلا هذه القضية التي ندعوكم لها، كل القضايا الكبيرة، أو ما يسميها الناس: الكبرى، من قضايا الدنيا كلها قضايا زائلة، تبدأ اليوم، وتنتهي غداً أو بعد غد، أو بعد أيام أو سنين.» وأضاف ما ندعوكم إليه -يا إخواننا من عباد الدنيا- إنما هو شيء غير هذه اللذائذ الفانية، والمرغوبات التافهة، التي تُحِسُّ بها ساعتها، ثم بعد دقائق، تشعر بأنك فارغ منها، ذهبتْ لذتُها، وبقيت حسرتها. ما ندعوكم إليه إنما هو جنة عرضها كعرض السماء والأرض، أُعِدَّت للذين آمنوا بالله ورسله، «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]». أتعلمون كم مساحة هذه الجنة؟ ذكر القرآن عرضها فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]. وإذا كان عرض الجنة عرض السماوات والأرض، والعرضُ أقل من الطول، فكم يكون طول الجنة؟ وكم يكون ملك الشخص من أهل الجنة؟ كم تكون المساحة التي له؟ قَدِّر ثم قدِّر، ثم قدِّر. سيكون نصيبه أضعاف ما تُقَدِّر، لتعرف الحقيقة: اقرأ هذا الحديث وما بعده في فضل الجنة وما فيها. ذكر ما لأدنى أهل الجنة فيها: تأمل هذين الحديثين اللذين رواهما مسلم، فيما لأدنى أهل الجنة فيها: عن المغيرة بن شعبة عن النبي: «أنَّ موسى سأل ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: رب، كيفَ وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أَخَذَاتِهم؟ فيقال له: أترْضَى أن يكون لك مثل مَلكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيتُ رب. فيقول له: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله. فقال في الخامسة: رضيت رب. فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهتْ نفسُك، ولذَّتْ عينُك. فيقول: رضيتُ رب. قال (موسى): ربِّ، فأعلاهم منـزلة؟ قال: أولئك الذين أردتُ، غرسْتُ كرامتهم بيدي، وخَتَمْتُ عليها، فلم تَرَ عَيْنٌ، ولم تسمع أذنٌ، ولم يخطر على قلب بشر». وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله قال: «إن أدنى أهل الجنة منـزلة: رجل صَرَف الله وجهَه عن النار، قِبَل الجنة، ومَثَّل له شجرةً ذات ظِلٍّ، فقال: أيْ ربِّ، قرِّبني إلى هذه الشجرة، أكون في ظِلِّها..». فذكر الحديث في دخوله الجنة وتمنِّيه إلى أن قال في آخره: «حتى إذا انقطعتْ به الأمانيُّ قال الله: هو لك وعشرة أمثاله». قال: «ثم يدخل بيته، فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فتقولان: الحمد لله الذي أحْياكَ لنا، وأحيانا لك». قال: «فيقول: ما أُعْطي أحد مثلَ ما أعْطِيتُ»! وصف درجات الجنة وغرفها وأنهارها: وانظر هذه الأحاديث في درجات الجنة، وغرفها وخيامها وأنهارها: عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله قال: «إن أهل الجنة لَيَتَرَاءَوْن أهل الغُرَف من فوقهم، كما يَتَرَاءَوْن الكوكب الدُّرِّيَّ الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب، لِتفَاضُلِ ما بينهم». قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم! قال: «بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين». وعن أبي مالك عن النبي: «إن في الجنة غُرَفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن أَطْعَم الطعام، وأَفْشَى السلام، وصَلَّى بالليل والناسُ نيام». وعن أبي هريرة، أن رسول الله قال: «إن في الجنة مائةَ درجة أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض». عن أبي موسى الأشعري، عن النبي قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوَّفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً». وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: «الكوثر نهَر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج». وعن أنس، أن رسول الله قال: «بينما أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر حَافتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك. قال: فضرب المَلَك بيده، فإذا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ». وعن حكيم بن معاوية القُشَيْري، عن أبيه قال: سمعتُ رسول الله يقول: «في الجنة بحر للماء، وبحر للبن، وبحر للعسل، وبحر للخمر، ثم تشقق الأنهار بعدُ». وفي القرآن الكريم: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:15]. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، إن شئتم فاقرؤوا: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة:30-31]» وكم تبقى الجنة لصاحبها أو كم يبقى صاحب الجنة للجنة؟ إن هناك أناساً يتمتعون بأشياء ممَّا يسميه الناس: نعيم الدنيا، أو متاع الدنيا، ولكن إلى أي مدة يدوم هذا المتاع أو هذا النعيم؟ الواقع الذي عايشناه بأنفسنا، ورأيناه بأعيننا، ولمسناه بأيدينا: أننا نرى هؤلاء أصنافاً شتى، فمنهم من يتمتع به قليلاً، ثم سرعان ما يزول هذا النعيم، وتتبدَّل صحته مرضاً، ومتعه همّاً، وحياته ضنكاً، وحلاوته مرارة. ومنهم من يعيش فيه سنين، ثم يموت حبيبه الذي كان يسعى له: ابنه أو أميره، أو صديقه، فتصبح الحياة بعده شجرة ذابلة، وداراً ضيقة، وعَيْشاً لا معنى له ولا طعم. ومنهم من يعيش في نعمة وقوة وعافية، طاغياً متكبِّراً، فينـزل عليه بأس الله فجأة، فيهوي إلى مكان سحيق، ويصبح كأن لم يغنَ بالأمس. وهَبْ أن من الناس من عاش عمره كله في وفرة من العافية، وسعة من العيش، ورصيد من المال والجاه، وحظوة من الأهل والأصدقاء، فكم تكون مدة هذا، لو سلِمَ من الشكوى؟! ومن ذا الذي يسلم من الشكوى، من مرض مؤلم، ومن ولد عاقٍّ، ومن امرأة مؤذية، ومن صديق خائن، ومن قريب غادر، ومن.. ومن؟! هل سعادة الجنة ومتعها مائة سنة؟ ألف سنة؟ ألف ألف سنة؟ ألف ألف ألف سنة؟ ألف مليون مليار سنة؟ قل ما شئت، وزد وأطل، فإن الجنة نعيم لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وعطاء غير مجذوذ. من يضيع هذا النعيم المقيم من رب كريم، نعرف بعضه، ولا نعرف كله، وما نعرفه منه شيء هائل، لا يمكن وصفه، ولا تصويره، ولا تقريبه للناس، إنما يعرفه من يكون من أهله، من يقال له: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73]. هل يضيع الإنسان هذه السعادة القصوى، بماديِّها ومعنويِّها، هل يدع هذا النعيم الكبير، بكل مشتملاته، من أجل شهوات بهيمية، وغرائز حيوانية، ونـزوات سبُعية، ونـزغات شيطانية؟;

مشاركة :