الفتن التي يقع فيها كثيرٌ من العرب والمسلمين الذين يعيشون في أوروبا ويحملون جنسيات دولها أو يتمتعون بحماية أنظمتها الاجتماعية يصعب فك ألغازها إلاَّ باللجوء إلى ما يُعرف بـ»نظرية المؤامرة». فهؤلاء الناس الذين فروا من بلدانهم الأصلية لأسباب مختلفة، احتضنتهم البلدان الأوروبية ووفرت لهم الأمن وقدمت المأوى والمأكل والمشرب على حساب دافع الضرائب وهو المواطن الأصلي الذي يكد ويشقى من أجل الحصول على الدخل الذي تستقطع منه تلك الضرائب؛ بل أن تلك البلدان الأوروبية في أحيان كثيرة لم تبخل على المهاجرين حتى بالجنسية التي تعني الانتماء الرسمي لها فمنحتهم الجنسية وعاملتهم كما تعامل مواطنيها، ومع ذلك تجد أن هؤلاء الناس يجاهرون بعدائهم لتلك المجتمعات ويهاجمونها علناً من على منابر المساجد التي سمحت تلك الدول غير الإسلامية بإقامتها وممارسة العبادة فيها دون تدخل من السلطات الرسمية! هذا السلوك الغريب الذي ينطوي على قدر كبير من نكران الجميل، وقبول الحكومات الأوروبية به على نحو يصعب فهمه، أدى إلى تزايد أعداد المتطرفين الذين يعيشون على الضمان الاجتماعي في تلك البلدان ويحصلون على كل الامتيازات التي يحصل عليها المواطن الأصلي. فشعورهم بالأمان واكتفاؤهم المعيشي وما يتعرضون له من غسيل دماغ على يد بعض الفئات والجماعات المتطرفة التي تؤلبهم ضد المجتمعات التي يعيشون فيها بدلاً من مساعدتهم في حل المشكلات الاندماجية التي يواجهها بعضهم بسبب اختلاف الثقافات، كل ذلك قد أعمى بصيرتهم وأنساهم أن هذه المجتمعات المتسامحة قد قبلت بهم واحتضنتهم وهم الهاربون من جحيم المشكلات والمآسي التي تستعر في بلدانهم الأصلية! هناك من يرى أن احتضان بعض الحكومات الأوروبية للمتطرفين هو أمر مقصود، وأن هذه الحكومات ضالعة في «طبخ» مؤامرات على الإسلام والمسلمين، وتشويه صورة الإسلام، وزج المسلمين في حروب أهلية وتقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات. ربما في غياب أي تفسير منطقي لاحتضان تلك الحكومات للمتطرفين فإن من الصعب تخطئة تلك التحليلات. آخر القصص العجيبة عن متطرفي أوروبا هي أن الشاب الليبي الأصل المولود في بريطانيا الذي ارتكب مؤخراً جريمة تفجيرات مانشستر قد مَوَّلَ جريمته باستخدام قرض حصل عليه من الجامعة، فقد دفع قيمة تذكرة سفر إلى ليبيا واستئجار ثلاثة منازل وشراء المواد التي صنع منها المتفجرات بأموال «قرض الطالب» الذي قدمته له جامعة «سالفورد» والبالغ سبعة آلاف جنيه إسترليني بالرغم من تصرفاته المريبة وأنشطته وعلاقاته المشبوهة. لا أحد يستطيع فك هذه الألغاز سوى الحكومات الأوروبية، وفي غياب تفسيرات منطقية تنتعش «نظرية المؤامرة».
مشاركة :