بعد ان رفض قادة في مليشيات الحشد الشعبي الدخول معه في ائتلاف واحد، وفشل محاولاته في الحصول على دعم اميركي له في الانتخابات القادمة كما تقول التسريبات، يحاول نوري المالكي طرح اخر اوراقه في ممارسة المهنة الوحيدة التي تعلمها في السياسة وهي مهنة العدادة (وهي النائحة باللهجة العراقية). فبدأ بالظهور للاعلام ليحذر تارة من مؤامرة دولية تحاك ضد العملية السياسية، وتارة من مؤامرة على الاحزاب الاسلامية ومليشيات الحشد في العراق، وتارة ثالثة من اقليم كردستان ورئيسه السيد مسعود البارزاني فيما وصفه بتمدد حدوده خارج الخط الازرق. واضاف في لقاء له مع صحيفة لبنانية بان كردستان في ظل رئاسة السيد مسعود البارزاني اصبحت مرتعا لاسرائيل التي هي الجهة الوحيدة التي تؤيد استقلال كردستان بينما ترفضه جميع الاطراف الدولية الاخرى حسبما ادعى. ومع ان نوري كشخص لا يستحق عناء الرد لعدم امتلاكه قيمة سياسية الان، ووجوده على رفوف ارشيف العملية السياسية في العراق، الا ان من الضروري توضيح الحقائق للذين يمكن ان ينطلي عليهم هذا الهراء. من الضروري ان يعرف السياسي امكانياته قبل الادلاء باي تصريح يمكن ان يحوله الى "مسخرة". ففي هذا اللقاء بالغ نوري في تضخيم حجمه، واشار الى امور تعتبر خارج حدود امكانياته وصلاحياته ودوره السياسي، فتكلم وبلغة تهديدية حول وجوب اعادة حدود كردستان الى ما كانت عليه قبل 2003 فيما سماه بالخط الازرق، متناسيا القدرات المتواضعة لقواته المسلحة بكل تشكيلاتها من جيش وحشد وشرطة محلية والتي لم تتمكن لغاية اليوم من تحرير كامل مدينة الموصل رغم مضي اكثر من ثمانية اشهر على بدء العمليات فيها، ولولا طيران التحالف لما استطاعت هذه القوات تحرير شبر واحد من المدينة. فعلام يستند المالكي في الادلاء بتصريحاته الفارغة هذه، وبأي شيء يهدد كردستان؟ هل يعقل ان تتهم كردستان من قبل سياسي عراقي بانها اصبحت مرتعا للمخابرات الاسرائيلية في الوقت الذي تحولت فيه بغداد الى مرتع ليس للمخابرات الاسرائيلية وحسب بل لكل من هب ودب من مخابرات العالم.. وحتى الصومال يمكن ان يكون لها عناصر في بغداد ان كان لديها جهاز مخابرات. ليس هذا فحسب بل ان بغداد وجميع مدن العراق اصبحت مستباحة لمليشيات وعصابات تقتل وتخطف وتنهب وتنتهك الاعراض دون حسيب او رقيب. ان اتهام نوري لكردستان بانها اصبحت مرتعا للمخابرات الاسرائيلية لا يقول به الا مهرج سياسة يتهم دونما دليل. ورغم انني من الداعين لاقامة علاقات مع اسرائيل كوننا لسنا شعبا عربيا، الا انه وللاسف لا توجد لحد الان مثل تلك العلاقة، واتحدى نوري ان يمتلك دليلا واحدا على ما يقول. ولو فرضنا جدلا ان كلامه صحيح، ما المشكلة في ذلك؟ لماذا نطالب كردستان بان تكون ملكية اكثر من الملك في الوقت الذي نرى العلم الاسرائيلي يرفرف في سماء بعض الدول العربية وتتجه الدول العربية الاخرى لتطبيع علاقاتها معها كما تشير التقارير؟ وان كان الاخوة في منظمة التحرير الفلسطينية وحتى في حماس يتهيئون للدخول في مفاوضات سلام نهائية مع اسرائيل، لماذا ننتقد كردستان اذا اقامت علاقات معها؟ وان كانت اسرائيل (وكما يدعي نوري) هي الوحيدة التي تؤيد استقلال كردستان فهل ان تأييد شعب ناضل لعقود من اجل الاستقلال هو موقف سلبي لاسرائيل؟ ان الجهل المركب لنوري يجعله يطلق دعايات مجانية لاسرائيل من حيث لا يعلم، ويثبت بنفسه انها تحترم خيارات الشعوب اكثر من الكثير من دول المنطقة. ليست كردستان هي من طردت الفلسطينيين من العراق بعد 2003، بل كانت الاحزاب الشيعية التي تحكم العراق اليوم هي من طردت كل الفلسطينيين المقيمين في العراق بمجرد تسلمها الحكم في بغداد انذاك، ولا اتصور ان علاقة حكومة بغداد مع فلسطين هي افضل من علاقات حكومة كردستان معها، ولا السفارة الفلسطينية في بغداد هي اكثر نشاطا من القنصلية الفلسطينية في اربيل. يتصور نوري انه لا يزال بإمكانه خداع المواطن العراقي البسيط بتخويفه من هذه الجهة او تلك وايهامه بوجود مؤامرة تستوجب الوقوف امامها، وانه (اي نوري) هو الوحيد الذي يستطيع التصدي لهذه المؤامرات كونه مختار العصر ورجل العراق الحديدي. دون ان يفقه بان الشعب العراقي اختبره لولايتين متعاقبتين كانت نتيجتهما سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق وضياع 420 مليار دولار خلال خمس سنوات والمزيد من القتل والفساد المالي والاداري، وانه قد ادرك اخيرا بانه لن يجني من هذه الشعارات الكاذبة غير الدمار والخراب. انس محمود الشيخ مظهر كردستان العراق – دهوك Portalin200@yahoo.com
مشاركة :