كوريا الشمالية: النموذج الليبي أو الكوبي؟

  • 6/1/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو مؤكداً أن كوريا الشمالية مقدمة على تغيير جوهري في نظامها السياسي والاقتصادي، ويرجح أن تأجيل التغيير هو قرار خارجي تفضله الدول المعنية (الصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان) لأسباب متعلقة بالمخاوف من ما بعد الانهيار، إذ تفضل كوريا الجنوبية واليابان استمرار كوريا الشمالية في حالتها القائمة على الانهيار، مخافة الفوضى وتداعياتها على أمن البلاد المجاورة واقتصادها، وأما الصين فإن كوريا الشمالية تمثل بالنسبة إليها ورقة تفاوضية مهمة، لكن لماذا لا تدير الصين عمليات تغيير تنقذ بها الدولة الصديقة والمجاورة؟ السؤال ذاته بالطبع ينطبق على روسيا في سياستها السورية، فلم تبذل روسيا شيئاً يذكر لأجل عملية إصلاح واستقرار في سوريا حتى من وجهة نظرها وتقديرها لمصالحها، لم تفعل شيئاً سوى إدامة الكارثة! المثال الروسي في سوريا يدعو إلى التشاؤم. لكن المثال الكوبي يفسح المجال لعملية سلمية تدمج كوريا الشمالية في العالم، وينقذها من الخطر والعزلة والفشل. يتم الحديث عن انهيار وشيك لكوريا الشمالية على نطاق واسع في الإعلام، لكنه حديث ليس جديداً، وظل احتمالاً مطروحاً منذ أواخر الثمانينات، لكنها استطاعت أن تواصل بقاءها المثال المتطرف لقلعة الشمولية، ليس فقط لأن الصين تريد ذلك (إن كانت تريد بالفعل) لكن لأن العالم الغربي لا يريد ذلك، ولا يريد أيضاً أن يساعد إصلاحاً سلمياً وحقيقياً في كوريا الشمالية، والحال أن كوريا تملك مقومات البقاء، فالظلم الشامل ينشئ مساواة تمنع التذمر والشعور بالفجوة الاقتصادية، والدولة تؤمن فرص العمل لجميع المواطنين، فلا بطالة في كوريا الشمالية. صحيح أن الفقراء والمهمشين يمكن أن يخرجوا فجأة في ثورة عارمة تعبر عن التوق إلى الحرية والمشاركة في العالم، لكن يبدو أن العولمة والشبكية الكاسحة لم تشملا بعد كوريا الشمالية بفرصها وإمكاناتها. ثمة ما يمكن قوله عن تحولات تحدث في كوريا الشمالية، المشروعات الفردية والاتجاهات الشعبية نحو التقنية والتسلية والترفيه، بل وأيضاً بدء تدريس اللغة الانكليزية في إحدى جامعات بيونغيانغ، وافتتاح مكتب لوكالة اسوشيتد برس، وتشغيل مناطق للتجارة الحرة مع الصين، لكن لم تستثمر بعد الدول الغربية وحليفتاها كوريا الجنوبية واليابان في ما يمكن اعتباره مساعدة لكوريا الشمالية لتصلح من أنظمتها الاقتصادية وتطور الخدمات والمرافق التي تحسن حياة مواطنيها، وما يمكن أن يشجع النظام السياسي والمجتمعات على التحول والتخلص من الخوف. فالتحول الإيجابي يبدأ بالإصلاح الاقتصادي، وإذا بدأ العالم في مشاركة اقتصادية مع كوريا الشمالية فإنه في الواقع يدخل في عمليات تغيير سلمية تبدد مخاوف كوريا الجنوبية واليابان من الهجرة الجماعية والفوضى. لكن بدون مساعدة صادقة لكوريا الشمالية فإنها ستمضي في مسار مرتبك وغير واضح وأقرب إلى المتاهة. يتحدث المهاجرون من كوريا الشمالية عن تحولات مهمة حدثت في السنوات الأخيرة، إذ تتشكل طبقات اجتماعية واقتصادية جيدة، كما أصبحت مناطق واسعة تعتمد على نفسها مستقلة عن الحكومة في توفير الغذاء وتأمين الحياة اليومية. ويؤيد باحثون صينيون وروس سيناريو ممكن ويرونه عملياً ومقبولاً يوظف قدرات كوريا الشمالية في الاكتفاء الذاتي مع الحفاظ على النظام السياسي، ففي المحصلة الصواب هو النجاح، والنجاح هو التقدم الاقتصادي، لكن الكوريين الجنوبيين يرون الانهيار مسألة قادمة وحتمية، ويدعون إلى التعامل مع حالة ما بعد الانهيار، وأما الأميركيون فيرون السقوط ليس ضرورياً ولا حتمياً، وبينهما يقف اليابانيون. هكذا فإن المصالح تتحول إلى توقعات وتقديرات مستقبلية، وبالطبع يمكن أن تجد الاتجاهات جميعها أدلة صحيحة وبحثاً علمياً ومنهجياً يدعمها ويؤكدها. وتبدو نتائج الحرب العالمية الثانية مقدسة حتى اليوم، ولم يسمح بالاقتراب منها على رغم عدم منطقيتها، وربما لو ترك الخيار للشعوب والناس لكان السؤال والتحليل عن مستقبل كوريا الشمالية سخيفاً!     * كاتب أردني

مشاركة :