أعاد المسلسل "غرابيب سود" الذي تبثه حالياً قناة MBC التلفزيونية خلال شهر رمضان، شريط ذاكرة المشاهدين إلى أحداث الحلقة المميزة من مسلسل "سيلفي" التي تحدثت عن تنظيم داعش، واختصرت كثيرا مما يمكن أن يقال عن خطورة هذا التنظيم وممارساته وأساليبه الرخيصة لإغراء الشباب وممارساته البشعة والهمجية، حيث دشنت الدراما السعودية عبرها مرحلة جديدة من عمرها الفني، فشكلت تربة خصبة لولادة أعمال درامية تسهم في الحرب ضد الإرهاب، وفي طليعتها "غرابيب سود".كشف «داعش»في الواقع تأتي الدراما على رأس قائمة الأدوات الأكثر تأثيرا في المتلقي، حيث لها إسهامها الفاعل في تشكيل وعيه بذاته وما يحيط به، وتملك القدرة الكافية لإشاعة منظومة قيمية تسير حياته وفقها. ورغم امتداد قائمة المسلسلات المثيرة للجدل، فإن مسلسل "غرابيب سود" الأكثر إثارة بينها، لكونه يسلط الضوء على العناصر النسائية في تنظيم داعش الإرهابي، بداية من تجنيدهن، فتدريبهن، إلى مقاتلتهن بفرض أحكام مشددة عليهن وتفجير أنفسهن.ومن هنا جاء الأثر البالغ لهذا المسلسل الذي يجسد شكل الحياة داخل التنظيم في عمل درامي ضخم بمشاركة عدد كبير من النجوم من مختلف أنحاء الوطن العربي. ففي أولى حلقات المسلسل أوضحت الأحداث كيفية استقطاب الشباب والنساء والتأثير على عقولهم.وتمكنت الحلقة الأولى من أسر انتباه المشاهدين وجذبتهم لمتابعته، حيث أدخلتنا مشاهده الأولى بشكل كبير إلى عالم "داعش"، بداية من الزوجة التي أجبرها زوجها على الانضمام إلى صفوفهم وإلا كان مصيرها القتل، إلى الشباب الذين غرر بهم التنظيم الإرهابي.. فضلا عن مشاهد تظهر تجنيد "داعش" للأطفال أو ما يسميهم «فتيان الجنة». كما تطرقت الحلقة الأولى لجريمة تجارة السبايا من أجل تمويل عائلات الأطفال الانتحاريين.وتدور أحداث المسلسل الذي يعرض على شاشة MBC التي بلغت تكلفته أكثر من عشرة ملايين دولار، في قرية يسيطر عليها التنظيم، وتقوم جدة مع حفيدتها ببيع أوانٍ زجاجية، إلا أن مجموعة من النساء المسلحات تدخل المتجر لتدقق فيما يتم بيعه، وتنتمي النساء المسلحات بمسدسات ورشاشات، إلى "الحسبة" أو شرطة التنظيم المتطرف المكلفة بالتحقق في تطبيق القوانين الصارمة التي يفرضها المسلحون في مناطق سيطرتهم في سورية والعراق. وفي مشهد آخر يتناول مسألة تجنيد الأطفال، حيث يظهر ثلاثة أطفال يحملون أسلحة رشاشة وقد تمددوا على بطونهم فوق أرض ترابية وخلفهم ثلاثة رجال من عناصر التنظيم يراقبون.في الصحافة العالميةيتوقع أن يحصد مسلسل "غرابيب سود" نسب مشاهدة عالية خصوصا أنه يتناول صورة تنظيم داعش بطريقة مختلفة وجريئة. ونقلاً عن تقرير بثته قناة فرانس أنفو الفرنسية، أشار مازن حايك الناطق باسم قناة MBC إلى "أنه استغرق العمل سنة من البحث وستة أشهر من التصوير"، وأضاف حايك: «يستند المسلسل إلى وقائع حقيقية بهدف الوصول إلى المشاهدين وفضح الوجه القبيح للإرهاب»، ومن جهته، كشف عامر صباح مخرج المسلسل أن «التحدي الأكبر كان توفير الأمن ذلك أن تحويل منطقة التصوير في لبنان إلى مكان مشابه لمنطقة يسيطر عليها التنظيم كان يتطلب توفير الأمن والحماية للممثلين وفريق الإنتاج». وأكد صباح «أن هذا العمل هو جزء من جهود المملكة العربية السعودية لمكافحة الإرهاب والتطرف». وفي السياق نفسه، تناول عدد من وسائل الإعلام العالمية، هذا العمل الدرامي الرمضاني المثير للجدل، واصفة إياه بالعمل الجريء الذي يكشف ممارسات التنظيم الإرهابي.فاعتبر موقع stepfeed أن "غرابيب سود" ليس عملا رومانسيا أو كوميديا ككثير من الأعمال التي عادة ما تظهر على الشاشات العربية في شهر رمضان، بل إنه عمل يفضح حقيقة تجنيده للنساء ضمن صفوف مقاتليه.ومن ناحيتها، وصفت صحيفة أريش تايمز البريطانية، المسلسل بأنه دراما تحاكي حياة "داعش" في مسلسل تلفزيوني يفضح أعمالهم الإرهابية، وما تعرض له الضحايا. ونقلت الصحيفة عن ريبيكا جوبين الأستاذة المشرفة للدراسات العربية في كلية ديفيدسون، وأستاذ تدريس البرامج التلفزيونية، قولها إن "غرابيب سود" سيكون أول عمل درامي يتعمق من خلال قصص واقعية تصور المآسي داخل تنظيم داعش.ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز الأمريكية" عن سمر علام إحدى الممثلات المشاركات في المسلسل، قولها إن تجسيد الشخصية أصابها بالاكتئاب، إلا أنها أعربت عن أمنيتها أن تصل فكرة المسلسل إلى المشاهدين بطريقة جيدة أفضل من التقارير التي تعرضها القنوات الإخبارية عن "داعش".أما موقع «ذا ناشيونال»، فاعتبر أن العمل الدرامي يمس جميع الشعوب العربية وعرضه في شهر رمضان يأتي على عكس المعتاد من الأعمال التي تهتم بالكوميديا والدراما الاجتماعية في الشهر الفضيل، وألقى الضوء على حبكة المسلسل الدرامية ومعالجتها لقضية تجنيد تنظيم داعش للفتيات والنساء والأطفال، واستخدامهم في القتل والتعذيب.ختاما، لم يعد يخفى على أحد أهمية الدور الذي تلعبه الدراما التلفزيونية في حياتنا اليومية، فهي ليست فقط أداة تسلية ولهو ومرح فحسب، إنما يمكن أن تحمل بين ثناياها مواضيع حيوية، وقضايا مستجدة مثل الإرهاب، الذي بدأ المنتجون وكتاب النصوص الدرامية في الأونة الأخيرة التطرق إليه والمساهمة في مواجهته وتعريته من خلال إنتاج تلفزيوني يحتوي على قدر كبير من الإقناع والإدهاش والوصول المبهر للعقول والوجدان معا. وتبقى الآمال معلقة على إخوان وأخوات "غرابيب سود" الذي نعتقد كخطوة جيدة تؤسس لكثير من الأعمال الدرامية التي تلعب دورا مهما في محاربة الفكر المتطرف وتقدم لنا نموذجا جيدا ورياديا في إمكانية دخول الدراما كشريك فاعل وحقيقي في حربنا ضد الإرهاب.Image: category: ثقافة وفنونAuthor: أميرة حمادة من بيروتpublication date: الخميس, يونيو 1, 2017 - 03:00
مشاركة :