ماي وكوربن … سباق شائك نحو 10 «داونينغ ستريت»

  • 6/1/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أوروبا تخشى من تأثير نتائج الانتخابات البريطانية المبكرة على مستقبل القارة رئيسة الوزراء تيريزا ماي في مقابلة مع جيريمي باكسمان على برنامج «سكاي نيوز» للانتخابات البريطانية (غيتي)بعد صدمة «البريكست»… الناخبون البريطانيون يُصوِّتون لاختيار أعضاء البرلمان الخميس المقبل •أعاد كاميرون حزب المحافظين إلى السلطة بعدما أمضى أكثر من عقد في المعارضة، عبر ائتلاف مع الليبراليين الديمقراطيين في 2010، وعبر الحصول على أغلبية بمفردهم في 2015. •كانت ماي تأمل أن تجعل الفترة الانتخابية المبتورة صعبة على منافسيها في حشد قواهم، ولكن المحافظين هم الذين تعثروا. •بالإضافة إلى الشكوك الانتخابية، وقع حادث مانشستر المأساوي الذي هز المجتمع البريطاني، وأدى إلى توقف الدعاية الانتخابية. •قد تخسر ماي فرصة الانتقال السلس إلى مرحلة ما بعد البريكست، وينتهي الحال برئيسة الوزراء كسلفها في كتب التاريخ لأسباب لا تبعث على الفخر إطلاقاً. فلادلفيا: رونالد جيه غرانييري* من المقرر أن يُصوِّت الناخبون البريطانيون في الثامن من يونيو (حزيران) لاختيار أعضاء البرلمان المقبل. وتحمل هذه الانتخابات أهمية ليس فقط لمستقبل المملكة المتحدة ولكن لبقية أنحاء أوروبا أيضا. فسوف تعطي هذه الانتخابات، التي تأتي بعد مرور أقل من عام على الصدمة التي أصابت العالم جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إما دفعة لحكومة تيريزا ماي بينما تدخل في مفاوضات مستقبل علاقة المملكة المتحدة مع أوروبا أو ستلقي بهذه المفاوضات إلى ظلمات الفوضى. كان الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي مقامرة بمستقبل أمة وقارة، وتضاعف هذه الانتخابات ذلك الرهان. وتبدو النتائج الآن غامضة وغير واضحة بينما تكتسب دلالة تاريخية.انتخابات برلمانية مبكرة في نهاية أبريل (نيسان)، فاجأت رئيسة الوزراء ماي الرأي العام البريطاني ومعظم المحللين السياسيين عندما أعلنت عن نيتها بالدعوة إلى عقد انتخابات برلمانية مبكرة. وقد بدت – في ذلك الوقت – حيلة ذكية للغاية. ولم تعلن حكومة ماي أخيرا سوى عن تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة لتبدأ فترة العامين من المفاوضات التي ستؤدي إلى خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي. ومع تحول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من شعار إلى حقيقة سياسية، وجدت رئيسة الوزراء ذلك فرصة لتوسيع سيطرة حزبها على الأغلبية البرلمانية وتعزيز وضعها في زعامة الحزب المحافظ وتقوية شرعيتها كممثلة عن المصالح البريطانية. وعلى الرغم من تلقيها بعض الانتقادات على الدعوة إلى عقد انتخابات بعدما وعدت سابقاً بأنها لن تفعل ذلك، كانت حسابات ماي منطقية بل بديهية. أصبحت ماي رئيسة للوزراء في يوليو (تموز) 2016 بوصفها رئيسة حزب المحافظين الذي حظي بأكثرية كافية تقدر باثني عشر مقعداً في نتيجة الانتخابات العامة التي تمت في 2015. بيد أن الحصول على هذه الأكثرية لم يكن بفضلها، ولكن بفضل سلفها في زعامة الحزب المحافظ ديفيد كاميرون. وتعطيها هذه الانتخابات فرصة الادعاء بأنها سبب الحصول على أغلبية. لأجل فهم قرار الدعوة إلى عقد انتخابات مبكرة، والمضامين الواسعة لتلك الانتخابات على بريطانيا والعالم أجمع، ينبغي علينا أولاً أن نفهم بدقة الظروف التي أدت إلى رحيل ديفيد كاميرون من رئاسة الوزراء وتولي تيريزا ماي المنصب. تجمع تلك الظروف الطموح الشخصي ومستقبل حزب سياسي مع المستقبل الأوسع نطاقاً الخاص بالمشروع التاريخي الممثل في التكامل الأوروبي.وعد كاميرون أعاد كاميرون حزب المحافظين إلى السلطة بعدما أمضى أكثر من عقد في المعارضة: أولاً عبر ائتلاف مع الليبراليين الديمقراطيين في 2010، وثانياً عبر الحصول على أغلبية بمفردهم في 2015. ويرجع معظم نجاحه إلى تمكنه من الإبقاء على المعارضين لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي تحت سيطرة حزب المحافظين. ولكن يظل السبب وراء تحول المحافظين البريطانيين، الذين لعبوا دوراً أساسياً في قرار بريطانيا بالانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، إلى معاداة الاتحاد الأوروبي قصة أخرى تروى في وقت آخر. ويكفينا الآن ملاحظة أن انقسام الحزب إلى معسكرين متعاديين في مسألة أوروبا يعود إلى بداية تسعينات القرن الماضي على أقل تقدير، وأن هذا الانقسام ساهم في هزيمة الحزب الانتخابية أمام حزب العمال الجدد بقيادة توني بلير في عام 1997. ومثَّل كاميرون جيلاً جديداً من قادة المحافظين الذين كانوا يأملون في وضع الخلافات المثيرة للانقسام حول مسألة أوروبا جانباً دون أن يبعد أي من الطرفين الآخر. وخوفاً من أن يهجر بعض الناخبين حزب المحافظين لصالح حزب استقلال المملكة المتحدة (UKIP) الأكثر تشككا في الاتحاد الأوروبي، وعد كاميرون في عام 2007 بإجراء استفتاء على العضوية في الاتحاد الأوروبي. وأدى الائتلاف مع الليبراليين الديمقراطيين المؤيدين للاتحاد الأوروبي بعد انتخابات 2010 إلى إثارة الجدل حول هذا الوعد خلال فترته الأولى. وفي حملة انتخابات عام 2015، وعد كاميرون الناخبين بأنهم إذا أعطوا الحزب المحافظ الأغلبية فسوف يجري استفتاءً وطنياً على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي خلال الدورة البرلمانية التالية. أعطى كاميرون هذا الوعد بهدوء لاعتقاده بأن هذا الاستفتاء سينهي الجدل حول المسألة الأوروبية إلى غير رجعة ولاعتقاده أيضاً بأن مهاراته الدبلوماسية في الداخل والخارج سوف تؤمن شروطاً مواتية لبريطانيا حتى تبقى في الاتحاد الأوروبي. ومما لا شك فيه أن استفتاء 2014 على استقلال اسكوتلندا، حينما نجح كاميرون في قيادة حملة حافظت على الوضع الراهن تحت شعار «أفضل معاً»، عزَّز إيمانه بقدرته على إدارة التحدي الأوروبي أيضاً. كانت رؤية مغرية وجذابة: لن يحل إجراء الاستفتاء مشكلات حزبه ووضع بلاده في أوروبا فحسب، بل سيسجل أيضاً اسمه في التاريخ السياسي البريطاني كواحد من أكثر رؤساء الوزارة أهمية في العصر الحديث. وهكذا كان واثقاً في براعته لدرجة أنه لم يكلف نفسه عناء وضع خطة بديلة في حال خالفت نتيجة الاستفتاء توقعاته.رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون يعلن استقالته من رقم 10 في شارع داونينغ بعد أن صوَّت الشعب البريطاني لمغادرة الاتحاد الأوروبي (غيتي)تهميش حزب استقلال المملكة المتحدة وأثبتت الأحداث أن ثقة كاميرون في نفسه كانت في غير محلها على نحو مأساوي، فعلى الرغم من قدرته على قيادة حزب المحافظين نحو فوز حاسم في 2015، مما مكنهم من التخلي عن شريكهم في الائتلاف وتهميش حزب استقلال المملكة المتحدة، ومن الحكم استناداً إلى الأغلبية التي حصلوا عليها، كانت نتيجة استفتاء بريكست في 24 يونيو (حزيران) عام 2016 هزيمة صادمة. كان كاميرون يعتقد بأن الأغلبية ستصوت، ولو بفارق ضئيل، لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، وكانت الاستطلاعات توحي بذلك. ولكن صوتت هذه الأغلبية ذات الفارق الضئيل (تقريباً 52 في المائة مقابل 48 في المائة) لصالح الخروج، وكان الكثير من قادة المحافظين بين أبرز أنصار البريكست. ونظراً لأن كاميرون لم يكن مستعداً لهذه النتيجة وكان غير قادر (على الرغم من وعوده) على أداء دور فعَّال في ترجمة نتيجة الاستفتاء إلى سياسة حكومية وغير راغب في ذلك، فقد ابتعد ببساطة عن المجال العام مستقيلاً عن رئاسة الوزراء ورئاسة الحزب ومقعده في البرلمان تاركاً الخطوات التالية لقيادة حزب المحافظين. وأدى رحيل كاميرون إلى تدافع وتزاحم شديد وشرس داخل الحزب على خلافته. وانتصرت في ذلك تيريزا ماي التي كانت تشغل منصب وزيرة الداخلية. وعلى الرغم من أنها كانت تؤيد البقاء في الاتحاد الأوروبي، استجابت للقطاعات الأوسع نطاقاً في الحزب. ووعدت ماي باحترام نتيجة الاستفتاء، وأعلنت في مناسبات كثيرة أن «البريكست يعني بريكست»، حتى وإن بدت غامضة على نحو مقلق حيال التفاصيل العملية الخاصة برؤيتها لبريطانيا ما بعد الاتحاد الأوروبي. وفي محاولة أخرى للحفاظ على وحدة الحزب، ضمت منافسين سابقين وأفراداً أكثر حماسة للخروج من الاتحاد الأوروبي في حكومتها، أبرزهم بوريس جونسون وزير الخارجية. عند توليها المنصب، أعلنت ماي بثقة أنها ستدير مفاوضات البريكست مع الأغلبية الموجودة، وستترك المجال للرأي العام ليُقيِّم أداءها عبر الانتخابات المقرر عقدها في 2020. وبعد أقل من تسعة أشهر، أقنعتها الانتقادات داخل حزبها والانتقادات من الرأي العام البريطاني الواسع لطريقتها في إدارة الخطوات الأولى لعملية البريكست أنه من الأفضل إجراء انتخابات مبكرة، وبعد ذلك استخدام تفويض مستقل لتعزيز موقفها التفاوضي في الداخل والخارج. بدت تلك فكرة جيدة حينئذ. وعندما أعلنت ماي ذلك في أواخر أبريل (نيسان)، تقدم المحافظون في استطلاعات الرأي على المعارضة الرئيسية الممثلة في حزب العمال بفارق كبير. علاوة على ذلك، لم يتكتل منتقدوها الداخليون وراء قائد مُعيَّن، مما يوحي بأن القيام بحملة انتخابية سيكون وسيلة مثالية للقضاء على أي انقلاب داخل الحزب في مهده. وتشير التحليلات المبكرة إلى أن المحافظين يتجهون إلى تحقيق فوز ساحق. وتوقع البعض تحقيق أغلبية تصل إلى 200 مقعد، مما سيعزز الثقة في رئيسة الوزراء ماي كثيراً عندما تبدأ مفاوضات البريكست، ويقهر معارضيها الداخليين، ويلحق هزيمة تاريخية بحزب العمال. سيكون لفوز المحافظين تداعيات واسعة على الساحة السياسية البريطانية. وسيكون أيضاً كارثياً على اليسار البريطاني المحبط معنوياً بالفعل. يعاني حزب العمال من نزاع داخلي ممتد بين الجناح الدولي المعتدل المُكوَّن من المهنيين الحضريين المتعلمين وجناح تقدمي أكثر راديكالية. يضم الجناح الأخير كلاً من الناخبين الأصغر سنا وأعضاء حزب العمال الأكبر سناً الذين لم يعجبهم قط حزب العمال الجديد الوسطي تحت رئاسة توني بلير وغوردن براون. يمثل جيرمي كوربن هذا الجناح التقدمي. لم يكن كوربن، الذي انتخبه الحزب المحبط بعد هزيمته في 2015 (بفضل الأصوات الساحقة القادمة من أعضاء جدد غير مرتبطين بالقيادة التقليدية)، في التيار الرئيسي للحزب منذ سنوات، ولكن بدت أفكاره القديمة جديدة وجذابة للجيل الأصغر سناً. وكان تناقضه حول أوروبا، الذي يعكس تشكك جناح اليسار في وحدة أوروبا في سبعينات القرن الماضي، يعني أنه قدَّم قيادة غامضة في أثناء حملة الاستفتاء. وعلى الرغم من أن حزب العمال كان يؤيد البقاء في الاتحاد الأوروبي رسمياً، لم يعمل كوربن بنشاط في حملته، وبالتالي قَبِل نتيجة الاستفتاء سريعاً. وفي ظل توافق كل من حزب العمال وحزب المحافظين على هذه القضية المركزية، بدت احتمالية استعادة حزب العمال لعدد كبير من الناخبين بعيدة المنال.الليبراليون الديمقراطيون بدت أحزاب أخرى في يسار الوسط ضعيفة للغاية في نهاية أبريل . وسعى الليبراليون الديمقراطيون، العائدون من هزيمة 2015، إلى تصوير أنفسهم بصفتهم الحزب الوطني الوحيد المؤيد بقوة للاتحاد الأوروبي، ولكن ليس من الواضح على الإطلاق أن هناك عددا كافيا من المحافظين المحبين لأوروبا الذي سيغيرون رأيهم ليجعلوا منهم عنصرا فعالا في هذه الانتخابات. وفي الوقت ذاته، سعى الحزب الوطني الاسكوتلندي إلى الجمع بين النزعة الوطنية المحلية ومشاعر تأييد الاتحاد الأوروبي بهدف إجراء استفتاء جديد على الاستقلال يمكن أن يسمح لاسكوتلندا بالانفصال عن المملكة المتحدة من أجل البقاء في الاتحاد الأوروبي. وبالفعل صوتت اسكوتلندا بقوة لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. بيد أن استطلاعات رأي حديثة أشارت إلى تفاوت الحماس لإجراء استفتاء آخر على الاستقلال، ولمح البعض إلى أن المحافظين قد يتمكنون من استعادة عدة مقاعد في اسكوتلندا مما قد يعرقل هيمنة الحزب الوطني الاسكوتلندي. وتعزُف زعيمة الحزب الوطني الاسكوتلندي نيكولا ستارغن عن اتخاذ خطوات حاسمة حتى موعد الانتخابات العامة. وإذا ظهرت النتائج في غير صالح الحزب الوطني الاسكوتلندي، فقد يتم إرجاء قضية الاستقلال في جدول الأعمال. يمكن أن يؤدي الفوز الكاسح لحزب المحافظين إلى التخلص من المعارضين في اليمين أيضا. وبدا أن حزب استقلال المملكة المتحدة، الذي طالما هدد بالفوز بأصوات من المحافظين من خلال جمعه بين الشعوبية والتشكك في أوروبا، ضحية للنجاح الذي حققه بذاته. بعد أن أصبح البريكست واقعاً، يعاني حزب استقلال المملكة المتحدة في بحثه عن هوية واضحة. لقد اصطدمت الجهود التي تهدف إلى اتخاذ موقف على طريقة ترمب بصفته حزباً يعارض النخبة بحقيقة أن كثيراً من ناخبي حزب استقلال المملكة المتحدة يرغبون في تأييد محاولة ماي للدخول في مساومة صعبة مع الأوروبيين في البريكست. إذا كان تفويض ماي سيجعل البريكست الصعب واقعا، قد يكون ذلك كافيا لدفع كثير من ناخبي حزب استقلال المملكة المتحدة من جديد إلى معسكر المحافظين. هكذا بدت الأمور في الأسابيع الأولى بعد إعلان ماي عن الانتخابات الجديدة. ولكن على مدار الشهر الماضي، بدأت الظروف تتغير. كانت ماي تأمل بوضوح أن تجعل الفترة الانتخابية المبتورة (حيث كان أمام الحملات الانتخابية الرسمية أربعة أسابيع بالكاد) من الصعب على منافسيها حشد قواهم، ولكن المحافظين هم الذين تعثروا. من خلال تصريحات متناقضة عن الضرائب والسياسة الاجتماعية ومستقبل نظام الرعاية الصحية (وهي أكثر سياسة مربكة ومضرة تتعلق بما إذا كان البريطانيون الأكبر سنا سيدفعون المزيد من أجل الحصول على رعاية صحية طويلة الأجل، مما هدد بإبعاد الناخبين فوق 60 عاما، وهم يشكلون واحداً من أهم تكتلات ناخبي المحافظين)، أكدت ماي بعض الانتقادات التي وجهت لها في السابق، وأهمها أنها غير حاسمة وترتبك عندما تُسَلَّط عليها الأضواء. في البداية، كانت ماي ترغب في التأكيد على تفوقها على القادة الآخرين، فرفضت دعوات للمشاركة في مناظرة مصورة تلفزيونياً مع قادة أحزاب كبرى أخرى، ثم أعلنت أخيرا أنها سوف تبعث وزيرة الداخلية أمبر رود لتحل محلها. وتحول الأمر الذي بدا تفوقا رئاسيا في البداية إلى التأكيد على اتهام ماي بمحاولة تجنب التعامل مع انتقادات مباشرة. وبسبب اعتمادها على مساعدين، انتشرت أقاويل بأن رود أو أحد قيادات المحافظين الآخرين قد يستعد ليحل محل ماي بعد الانتخابات.رئيس حزب العمال جيريمي كوربن في مقابلة مع جيريمي باكسمان على برنامج «سكاي نيوز» للانتخابات البريطانية (غيتي)تعثرات ماي فتحت تعثرات ماي الباب أمام فرص غير متوقعة لمنافسيها. فقد انكمشت نسبة تقدم المحافظين على العمال سريعا، وبعد أن كانت 20 نقطة في معظم استطلاعات الرأي الوطنية وصلت إلى ست نقاط فقط. وعلى الرغم من أن المتحدثين المحافظين هاجموا جيرمي كوربن بسبب مواقفه اليسارية في العلاقات الدولية وكشفوا عن تصريحات له يؤيد فيها النظام في فنزويلا وإرهابيي الجيش الجمهوري الآيرلندي، استطاع كوربن حشد ناخبي حزب العمال بدعواته إلى تقوية هيئة الخدمات الصحية الوطنية ومكافحة انعدام مساواة الدخل. وحتى حزب استقلال المملكة المتحدة بدأ يحاول استعادة بعض من نشاطه بإعادة التأكيد على دوره كمعارض للهجرة غير المُقَيَّدَة، وتشجيع الناخبين على التمسك بحزب استقلال المملكة المتحدة للتأكد من أن «البريكست تعني البريكست بالفعل». وبالإضافة إلى الشكوك الانتخابية، وقع حادث مانشستر المأساوي الذي هز المجتمع البريطاني، وأدى إلى توقف الدعاية الانتخابية. ولم يتضح بعد كيف ستُدخِل الأحزاب رسائل حول الأمن في حملاتها عندما تستأنفها، وكيف ستقود المخاوف الناشئة تجاه مجتمعات الأقلية والإرهاب العالمي قرارات الناخبين. إن النتائج السياسية المحلية الممكنة لهذه الانتخابات واضحة، ولكن تأثير الانتخابات على الجغرافيا السياسية صعب التوقع. عندما دعت رئيسة الوزراء إلى هذه الانتخابات، بدا أن السؤال الوحيد هو كم سيزداد حجم الأغلبية التي سيحصل عليها المحافظون. ومع اشتداد حدة الانتخابات، من المحتمل ألا تزيد أغلبية المحافظين على الإطلاق. وتعني خصائص النظام البريطاني المكون من دوائر ذات انتخاب فردي وفوز المرشحين الأكثر أصواتا أن النسب الوطنية قد لا تعكس لنا الكثير عن التشكيل الفعلي للبرلمان القادم. ويظل من غير المرجح أن يفقد المحافظون أغلبيتهم بالكامل، ولكنه ليس مستبعدا تماما. سوف يكون الجمع بين خسائر حزب المحافظين في الدوائر الهامشية ونجاحات حزب استقلال المملكة المتحدة التي سوف تفتت أصوات يمين الوسط، كارثيا على الحزب المحافظ. كذلك سيضعف الأداء الفاتر موقف تيريزا ماي داخل حزبها، وقد يقوض موقفها في المفاوضات مع أوروبا. ومع ذلك، هناك فرصة ضئيلة للغاية لأن تغير نتيجة هذه الانتخابات قرار البريكست. لقد أعلن حزب العمال أنه ملتزم بتنفيذ البريكست مثل المحافظين. وسوف تكون الفرصة الوحيدة لتغيير هذا الأمر إذا ما فاز الديمقراطيون الليبراليون بالمقاعد التي خسروها في عام 2015، ليصبحوا شريكا مهما في حكومة ائتلافية. وقد أعلن زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي تيم فارون أنهم في هذه الحالة سيصرون على إعادة التفكير في البريكست. ولكن ذلك احتمال بعيد جدا. من المحتمل أيضاً أن يتم تشكيل ائتلاف ثلاثي من العمال والليبراليين الديمقراطيين والحزب الوطني الاسكوتلندي، ولكنه سيتطلب من الشركاء وضع خلافاتهم المريرة في قضايا متنوعة جانبا، وقد يتطلب أيضاً رحيل جيرمي كوربن. تظل النتيجة الأكثر احتمالا هي فوز المحافظين بالأغلبية، ولكن إذا لم تكن أكبر كثيرا مما هي عليه الآن، سيكون من الصعب قياس حجم المساعدة التي تقدمها هذه الانتخابات لرئيسة الوزراء ماي، أو لأي شخص على الإطلاق من المعنيين. سوف تدخل ماي مفاوضات البريكست حينئذ مع 27 عضوا في الاتحاد الأوروبي وهي في موقف أضعف، غير قادرة على تحقيق أهدافها الأساسية وأكثر عرضة لهجوم عناصر نشطة متشككة في أوروبا في الداخل. وقد تكون النتيجة في النهاية عملية خروج صعبة من الاتحاد الأوروبي، وهبوط عصيب على الجميع. عندما وعد ديفيد كاميرون بإجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي، ظن أنها ستكون خطوة ذكية لتقويض المعارضين على يمينه، ولضمان هيمنة حزبه ولاكتساب سمعة تاريخية شخصية. ولكن أثبتت الأحداث أن تلك الخطوة تبدو أقل ذكاء. ولا يزال الاتحاد الأوروبي وحزب المحافظين وسمعة ديفيد كاميرون التاريخية في تراجع إثر استفتاء البريكست. كذلك بدت تيريزا ماي ذكية للغاية وهي تدعو إلى هذه الانتخابات المفاجئة. وإن لم تكن قادرة على تغيير مسار الاتجاهات السلبية الراهنة، قد تخسر فرصة الانتقال السلس إلى مرحلة ما بعد البريكست، وينتهي الحال برئيسة الوزراء كسلفها في كتب التاريخ لأسباب لا تبعث على الفخر إطلاقاً. * مدير مركز دراسات أميركا وأوروبا بمعهد أبحاث الشؤون الخارجية بفلادلفيا ومدير الأبحاث بمعهد لودر بجامعة بنسلفانيا.

مشاركة :