ارتبط اسم الفنان القدير محمد جابر، بزمن الفن الجميل، والعصر الذهبي للحركتين الفنية والمسرحية في دولة الكويت، فقد اشتهر في أوج نجوميته بلقب شخصية «العيدروسي»، التي أبدع فيها وتميز بها، فتركت علامة بارزة في مسيرته الفنية، سواء عبر الدراما الإذاعية أو التلفزيونية أو المسرحية، وهي لاتزال عالقة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة منذ ستينيات القرن الماضي إلى اليوم. تفجرت موهبته منذ نعومة أظفاره من خلال المسرح المدرسي ضمن نشاط مدرسة المثنى الابتدائية، مع الرائدين المسرحيين المربي الفاضل عقاب الخطيب (ناظر المدرسة) ومحمد النشمي (وكيل المدرسة)، كما تتلمذ على يد الرائد المسرحي المصري زكي طليمات أثناء تأسيس فرقة المسرح العربي في الكويت عام 1961. وفي الحلقة الثانية، يروي لنا «أبو خالد» علاقته بالرائد المسرحي العربي زكي طليمات أثناء انضمامه إلى فرقة المسرح العربي، التي أسست على يديه، وهناك تعرف إلى فنانين التقاهم أول مرة، وشارك في باكورة أعمال الفرقة «صقر قريش» مع زملائه عبدالحسين عبدالرضا وغانم الصالح وسعد الفرج وعبدالرحمن الضويحي وخالد النفيسي ومريم الصالح ومريم الغضبان وغيرهم. وكان لنا معه هذا الحوار. • كيف عدت إلى التمثيل؟ - سمعت عن وصول الرائد المسرحي المصري زكي طليمات إلى الكويت، بطلب من الرائد الشامل حمد الرجيب من أجل تأسيس حركة مسرحية تقوم على أسس علمية، وقد التقيت الفنان الرائد محمد النشمي مجددا بعد فترة، الذي عملت معه إبان طفولتي في المسرح المدرسي في "لا طبنا ولا غدا الشر"، حيث انتقل من وزارة التربية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأصبح يلتقي بشكل يومي مع حمد الرجيب، فكنت أزورهما، فأخبرني النشمي أن طليمات سيحضر اليوم، طالبا مني المشاركة في اختبارات القبول لفرقة المسرح العربي التي يعمل طليمات على تأسيسها، وهي برعاية الشؤون الاجتماعية، وعلي أن أحفظ قصيدة أو مشهدا تمثيليا قصيرا، خاصة أنني أمتلك الموهبة، وسبق لي أن خضت غمار التمثيل، كما أنه سيرشحني ويدعمني. • كيف دعمك النشمي لدى طليمات؟ - طلبت من النشمي أن أرافقه في يوم الاختبار، فذهبت إليه في منزله، ومن ثم انطلقنا إلى منطقة القبلة، حيث كان هناك طليمات، فبادر النشمي بالقول عني إنه بمنزلة ابني، يريد أن يتقدم إلى اختبار التمثيل في الفرقة، وسبق له أن شارك في التمثيل في فترة طفولته من خلال المسرح المدرسي. • مَن مِن الممثلين الحاليين الذين رأيتهم في الاختبار؟ - التقيت في ذاك اليوم عددا من الوجوه، التي أراها للمرة الأولى، ومنهم عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وغانم الصالح، فلم نكن نعرف بعضا البعض، ولم نلتق من قبل. • كم كان عدد المتقدمين؟ - كان عددا كبيرا جدا، حوالي 250، تمت تصفيتهم إلى 100، و70، وصولا إلى 40 شابا وفتاتين، هما مريم الصالح ومريم الغضبان، وهما أول فتاتين كويتيتين تقفان على خشبة المسرح. • متى كان ذلك؟ - في 10 أكتوبر 1961، وكان من بين المجموعة أيضا، عبدالرحمن الضويحي وجوهر سالم. وكان يجلس إلى جانبي عبدالحسين الذي قال لصديقه عبدالوهاب سلطان، متمنيا ألا يسقطه طليمات في الاختبار، كما قال لي قبل أن أصعد إلى الخشبة هامسا ومازحا: أنت سترسب، فابتسمت. وطلب طليمات أن أقدم مشهدا أو قصيدة، فألقيت قصيدة باللغة العربية الفصحى، حازت إعجابه، ولم يدعني أكملها حتى نهايتها، وبشرني على الفور بالنجاح. • ما باكورة أعمال فرقة المسرح العربي؟ - أول مسرحية كانت تحمل عنوان "صقر قريش" عن عبدالرحمن الداخل الأموي، في المرحلة الأولى مع الرائد المسرحي زكي طليمات، إذ استغرقت البروفات 3 أشهر، وعرضت في ثانوية الشويخ 18 مارس 1962، ثم أعدنا تقديمها على مسرح كيفان حتى أبريل 1962، وهي من تأليف محمود تيمور وإخراج زكي طليمات، جسدت خلالها دور "الغلام"، وكان معي من الزملاء عبدالحسين عبدالرضا وغانم الصالح وسعد الفرج وعبدالرحمن الضويحي وخالد النفيسي ومريم الصالح ومريم الغضبان وحسين الصالح الدوسري ود. حسن يعقوب العلي وعبدالوهاب سلطان وجعفر المؤمن وغيرهم. • كيف كان الإقبال على العرض؟ - حظي هذا العمل بإقبال جماهيري، قدمنا 18 عرضا، على الرغم من أنه باللغة العربية الفصحى، لأن "الربع" قدموا قفشاتهم باللهجة الكويتية، فحولوها إلى عمل شعبي منذ العرض الأول، فحصد الإعجاب والإقبال. • هل انزعج طليمات؟ - لا، بل كان يسألنا ماذا قال فلان. • هل كان طليمات يجسد أدوار البطولة؟ - هذا صحيح، فهو الشخصية المحورية له، والأدوار الثانوية والمساعدة يوزعها على عبدالحسين والفرج والنفيسي وغيرهم. • ما الموقف الذي اتخذه ضدك؟ - أثناء إجراء بروفات إحدى المسرحيات، طردني طليمات من المسرح، لأنني قلت له يا أستاذ إن هذه الحركة لم تعجبني، هل بإمكاني تغييرها إلى تلك الحركة التي قدمتها؟، فقال لي أمام الزملاء "ما بقاش إلا انت، يا محمد يا جابر، واحد من طلبتي يعلمني إزاي أعمل الحركة، يلا انزل من المسرح"، فغضبت وقلت له "شوي شوي علي"، وهنا أمسك بي عبدالحسين والفرج والنفيسي، وعادة عندما ننتهي من البروفة نتناول وجبة العشاء، فكل ليلة يكون العشاء على واحد من الفرقة، لذا قالوا موعدنا هناك على العشاء، انتظرنا. وبعد نصف ساعة حضروا قالوا: ما بك؟، أجبتهم بأنه طردني. وفي اليوم التالي قالوا لي اذهب إلى البروفة، حضرت وجلست في آخر صف من المقاعد، وعندما حان دوري، سأل طليمات: أين محمد جابر؟. فجاءني إلى مكاني وقال لي: "إزيك يا ابني، زعلان عليا؟"، فقلت له لا، لكنك طردتني أمام المجموعة، فرد: "سأعتذر لك أمامهم، لكن في المرة القادمة لا تقل اقتراحك إلا بيني وبينك وليس أمام زملائك، والآن قدم الحركة التي تريدها على المسرح". فأنا تعلمت منه الكثير، مثل كيفية إلقاء الجملة وأداء الحركة. • كيف كانت عروضكم التالية؟ - جيدة، بعد ما شاهد طليمات التفاعل الكبير من الجمهور معنا، عندما أضفنا بعض الحوارات الشعبية الكويتية، فكلفنا بكتابة النصوص، أنا وعبدالرحمن الضويحي، فقدمنا مسرحيات قصيرة لا تتعدى ساعة ونصف الساعة، وكانت ناجحة. • هل انضممت إلى مركز الدراسات المسرحية؟ - في سبتمبر عام 1964، أنشأ طليمات مركز الدراسات المسرحية، فذهبنا إليه، كنا مجموعة من الفنانين، كي نلتحق بالدراسة، لكن طليمات طردنا قائلا: "عاوزين إيه؟ انتوا فنانين جاهزين، خلوا المكان ده لتدريب الشباب". لقد رفض لأنه دربنا مدة 4 سنوات في فرقة المسرح العربي منذ عام 1961 حتى 1964، قبل أن تتحول إلى جمعية نفع عام، وهي بمنزلة دورة. • هل طلبتم شهادات خبرة؟ - قلنا له نحن نريد شهادات، وقال لنا إننا حصلنا على شهادة من الجمهور، ونحن متميزون، وعلى معرفة بأساسيات المهنة، وتلك السنوات الـ4 هي بحد ذاتها دورات فعلية نظرية وعملية في الفنون المسرحية، اشتملت على الاختبارات والتدريبات على قراءة النص والحركة والإلقاء والتلوين، وغيرها من مفردات العمل المسرحي، وكل واحد منا أصبح نجما له مكانته وحضوره في الساحة الكويتية، وفي النهاية قدم لنا طليمات شهادات خاصة حملت توقيعه، لكنها ليست من المركز. ناظر المدرسة عقاب الخطيب أطلق عليه «أبوالعقارب» في فترة طفولته، كان محمد جابر نزقا، قام بتربية ما يزيد على 13 كلبا، ومن أجلها كان يسرق وجبته الغذائية التي تحضرها له والدته، رحمها الله، كي يطعم كلابه، ولم يكتف بذلك، بل استولى على بعض اللحم الذي يضعه أهله على السطح لتجفيفه، فهو وكلابه يشكلون مشاكل عديدة سواء كانت لأهله أو لمدرسته أو حتى فريجه أو "ربعه". ولأنه يلهو مع كلابه كثيرا، فقد تسبب ذلك في غيابه المتكرر عن الحضور للدوام المدرسي، حينها كان يدرس في "المثنى الابتدائية" بمنطقة القبلة، وكان ناظرها المربي الفاضل الراحل والرائد المسرحي عقاب الخطيب. سأله الخطيب: لماذا تغيبت؟، فأعطاه عذرا بأن والدته قد توفيت، وبعد غيابه لأسبوع ثان، سأله عن السبب، فقال: لقد مات خالي، وكانت هذه أعذاره، فلم يترك أحدا من عائلتها إلا وقد أماته. وبعد فترة، كان هاربا من الفصل مع مجموعة من الأطفال، شاهدته أمه، ومعه كلبه، فأمسكته من رقبته وسحبته إلى مدرسة المثنى، ودخلت على الناظر عقاب الخطيب، فسألها: من أنت؟ قالت إنني والدته، فقال لها: أنت أول واحدة "موتها" هذا الشيطان، ثم سألها عن بقية أفراد عائلته ليكتشف كذبه. فقالت والدته: إنه يتيم الأب، لذا نراعيه بمعاملة خاصة ولا نزعجه، و"يكسر الخاطر"، فطلب منها أن تذهب وتدعه له. أخذه الخطيب إلى حجرة صغيرة كانت مخزنا، وفتح زجاجة فيها 6 عقارب سوداء اللون ألقاها فيها، عقابا له على كذبه وتهربه من المدرسة. أما محمد جابر فقد جلس في الزاوية، وكان متعودا على اللعب بالعقارب في المقبرة مع الكلاب، في البداية كان يشاهده يهرب من العقارب، وبعد 3 مرات رأى أنه يلعب بالعقارب، بعد أن كسر شوكتها السامة، فصرخ عليه، حيث عرف حينها أن طريقة عقابه لن تجدي نفعا معه، فطلب منه الذهاب إلى فصله والالتزام بالحضور. يقول "أبو خالد": كلما التقيت بالراحل عقاب الخطيب نتذكر هذه الأحداث، فأطلق علي لقب "أبوالعقارب". مقالب الفنان الراحل خالد النفيسي بدأت منذ «صقر قريش» ذكر الفنان القدير محمد جابر أن الفنان المبدع الراحل خالد النفيسي، وهو من المؤسسين معه لفرقة المسرح العربي، أنه كان مشهورا للغاية في عمل المقالب المحبوكة جيدا منذ تأسيس الفرقة. وروى "العيدروسي" أحد المقالب التي فعلها النفيسي فيه أثناء عرض مسرحية "صقر قريش"، إذ أقفل عليه باب غرفته التي كان مفتاحا من الخارج، فصاح وصرخ كي يلفت انتباه المارة، منتظرا أي شخص من فريق العمل ليفتح له الباب، لأن موعد دوره قد حان، لا يوجد أحد، فتأخر عن الظهور، وهنا صاح طليمات الذي كان يجسد شخصية "عبدالرحمن الداخل": "أين أنت يا غلام"؟. وهو دور الفنان محمد جابر، بقي فترة من الوقت بانتظار الغيث إلى أن تم تخليصه من قبل الماكيير المصري المعروف محمد عبدالحميد، الشهير بلقب "بوحميد"، وفتح له الباب، فأسرع راكضا إلى المسرح، ودخل الخشبة ومعه صينية القهوة، فاندلقت على طليمات القهوة، فرد عليه باللهجة المصرية "إيه يا بني مالك"، فقال له محمد جابر هامسا في أذنه: "أستاذ لقد فعلها خالد النفيسي"، فرد قائلا: "ده مصيبة".
مشاركة :