دائما هو في حالة هيام، تراه معك وليس معك وهو يتجول بين الأجنحة المختلفة لمعرض جنيف الدولي للكتاب الذي اختتمت برامجه المختلفة من عروض وندوات ومحاضرات مؤخرا، ذلكم هو الأديب والروائي المغربي الكبير الطاهر بن جلون الذي لا يكتب بالعربية وملأ أرفف ومكتبات أوروبا والعالم بإبداعاته باللغة الفرنسية والفكر والأدب ذي الصلة المباشرة بالدماء التي تسري في عروقه رغم فرنسيته المتأصلة بدءا من اللغة والحياة الاجتماعية التي يحياها والثقافة الفرنسية التي تحيط به، يبدو ذلك من رسائله الاجتماعية الموجهة بشكل مباشر أو غير مباشر في رواياته.. يدل على ذلك كتاباته التي تجيء في أغلبها مطبوعة ومليئة بالأساطير والفلكلورات المغربية والتي يجيء منها روايته (ليلة القدر) التي نال بسببها جائزة غونكور الفرنسية. الطاهر بن جلون التقيناه في معرض جنيف الدولي للكتاب في حوارنا هذا الذي سألناه فيه بداية عن تواجده في المعرض وما هي برامج وفعاليات المعرض التي سيشارك فيها فقال: •• شاركت في الكثير من الندوات والمحاضرات في جناح المكتبة العربية بدعوة من مؤسس المشاركة العربية هنا في جنيف اللبناني ألان البيطار وزميله في الرعاية والتنظيم إبراهيم دشيشة، عموما رغم فرنسيتي في كل شيء إلا أن الجذور والانتماء لكل ما هو عربي مرتبط بالعروبة والتراث والفلكلور العربي يسري في دمي إذا كان صادقا، ومشاركاتي هنا في المعرض كانت تضم الكثير من الموضوعات التي تهم الكاتب والمفكر والقارئ على حد سواء، إلى جانب أني شاركت في الكثير من الندوات التي نظمت في المهرجان كبرنامج وتلك التي كانت على هامش المهرجان. • يتحجج كثير من الرواة العرب المعاصرين في الغياب عن مثل هذه الملتقيات بالانشغال المستمر أو الارتباط مع جهات عمل ثقافية وإعلامية كانت أو غيرها، لذا قليلا ما نراكم في المعرض الكبير للكتاب. •• ليس دوما تكون ظروف الإنسان مواتية، وأنا إذا كنت مرتبطا قبل تلقي هذه الدعوة كان من الممكن أن ينتهي الأمر بالاعتذار، لك أن تصدق من يعتذر أليس المثل العربي يقول: جد لأخيك العذر، على العموم نحن معشر المرتبطين مع الكلمة والكتاب نحب أن نكون في مثل هذه الملتقيات الثقافية للالتقاء ببعضنا البعض والالتقاء بمحبينا القراء والمتابعين، وإذا اعتذر أحدنا فهذا يعني أنه مشغول بعمل آخر سواء أكان له علاقة بالأدب أو لا؟ • لماذا لا تكتب بالعربية، لماذا فقط بالفرنسية؟ •• إنها لغتي اليوم إلى جانب العربية، ومن المؤكد أن الكتابة بها تعود بالكثير من الفائدة في خدمة الأدب والفكر الذي أريد إيصاله إلى العالم الذي أعيش فيه والثقافة المتعامل معها أنا. على العموم هناك من أعمالي التي تترجم للعربية ولو أني لست مقتنعا بها أو راضيا عن الخطوة. • لماذا؟ •• دوما ما أبديت تذمري من القرصنة والاستنساخ غير القانوني من كثير من دور النشر العربية في المشرق العربي في مصر وسوريا ولبنان وغيرها التي تترجم أعمالي الكبيرة التي أعتز بها ترجمة سيئة وشبه إخبارية تنتزع منها روح الإبداع الروائي ونشر أعمالي بشكل لا يحاسب فيه القانون، وأعني هنا خارج إطار احترام الملكية الفكرية وحفظ الحقوق سواء أكانت أدبية أم مادية. • قليلا ما تكتب للمطبوعات في المشرق العربي.. مجلات أو صحف؟ •• نعم، أخي أنا لا أستطيع الكتابة بمواصفات ترزي خاص، ولا أستطيع بل وصعب علي العمل مع العرب في المشرق، إن الناشر والمسؤول هناك يريد أن لا تكتب إلا الإيجابي وأنا كاتب حر الفكر والمبدأ وأكتب وأنشر في فرنسا وفي المغرب أيضا بمقتضى إرادتي وحرية فطري الكتابي، صعب صعب، أنا كاتب حائز على حرية الكلام ولا أقبل الرقابة والوصاية من أحد. أكتب هنا بحرية للدرجة التي يغتاظ منها بعض زملائي العرب الذين لم يجدوا ما يعايرونني فيه إلا قولهم إني أرتدي الثوب الفرنسي وإني مبتعد عن العرب في الكتابة الصحافية والأدب وكأنهم يعيرونني بفرنسيتي، أنا فرنسي وكاتب فرنسي وجذوري تجري فيها الدماء العربية. قل لي مع من تريدني أن أتعامل، إنهم يريدون الإيجابي فقط ورغم ذلك كتبت لعدد من مطبوعات المشرق العربي. • من المؤكد أنك تعمل على عملا روائيا جديدا؟ •• نعم، أنا في الخطوات الأخيرة لروايتي الجديدة التي يعني اسمها «الانتزاع» وموضوعها يتحدث عن ما نستطيع انتزاعه من دواخلنا وأجسادنا، أي شيء نستطيع انتزاعه إذا ما كان سرطانيا يستوجب الأمر انتزاعه. • الكتابة للصحف والمجلات، هل أنت قريب منها رغم غرقك في بحر الإبداع الروائي ككاتب روائي ملأ الدنيا شهرة وانتشارا؟ •• منذ أن جئت أوروبا وتعاملت مع الغرب وتحديدا فرنسا التي أصبحت جزءا منها وأنا أعمل ككاتب فرنسي في الصحافة، أنا في الأصل كاتب صحافي أخذتني الرواية لأسباب، أولها أنني تعاملت مع الأمر بجدية بين شعب يريدك أن تعمل بهكذا طريقة وأن تكون دوما منتجا للفكر والأدب، وأننا هنا في الغرب لا أنتظر الهدايا، هنا أناس ليس لديهم هدايا، بل تأخذ بقدر ما يحبون عملك وتتحدث صدقا يحبونك أكثر وتأخذ المقابل، حتى عندما جئت وبدأت أقدم لهم بالفرنسية ثقافتنا العربية وأدبنا أحبوني أكثر، إنهم يحبون أن تعرفهم بالثقافات الأخرى الغريبة عليهم فأعطيتهم في عملي الصحافي كل ما له علاقة بثقافتنا العربية والإسلامية وعرفت الغرب على حضاراتنا، وفي الروايات أعطيتهم وجبات جد عظيمة وصنعت اسما لي بينهم، كما قدمت منذ البدء الكثير من زملائي الكتاب العرب الذين لهم صيتهم في عالمنا العربي، قدمتهم إلى الثقافة الفرنسية من مصر ولبنان وفلسطين وسوريا واليمن والسودان وغيرها، لأني أؤمن تماما أن العمل في الصحافة هو المفتاح لكل ما تريد قوله في الغرب عنك. عموما اشتغلت كثيرا على الاستنتاجات من عالمنا العربي والإسلامي في مرحلة التفرغ للكتابة الصحافية. • تتحدث عن النقد وعن التجميل والنعومة في الكتابة وأنك اخترت الأول فقط، وتدافع عنه؟ •• نعم موقفي دوما نقدي وصريح والكاتب الصادق لا بد أن يكون كذلك، فثقافة تجميل الصورة، والتعامل مع الإيجابيات فقط أمر ممل، أواجه الجميع بالسلبيات حتى إنني تناولت كثيرا أوجه العنصرية المقيتة لدى بعض الغربيين والتمييز كما يحدث أحيانا في أوروبا مع العرب والأفارقة، عملي توجيهي وتربوي.كذلك تصديت للقضية الكبرى التي أساءت تبعاتها للصورة الأجمل في الإسلام وللإسلام، أقصد سبتمبر 2001 وركزت يومها على تعريف الغرب عن ماهية الإسلام الذي وجدت أن معظمهم ليس لديه فكرة عن الإسلام إلا مجرد اسمه فقط. واصلت لدرجة أن بعض كتبي وأعمالي الأدبية أصبح ضمن المنهج الفرنسي، وكانت الإيجابية هنا حتى في التعامل مع بعض أسر المهاجرين الذين مضى على جذورهم في الغرب جيل واثنان فعادوا إلى التعاليم والثقافتين العربية والإسلامية.
مشاركة :