نتواصل للعام السابع على التوالي، ونتناول هذه المرة عملاً توثيقياً آخر بالكلمة والصورة، فالذكريات تعني الكثير لكل إنسان، وتبقى عالقة بالأذهان على مر السنين، وصور الذكريات هي التي تجسد أصل وأساس الحكاية، لأنها تذكرنا بالأيام الجميلة التي نتمنى أن تعود إلينا من جديد. «كانت أيام» جزء مهم في مسيرة الرياضة الإماراتية، يستعيد بعض التفاصيل الثرية التي حدثت خلال الحقبة الماضية التي نحكي فيها عن الأحداث والمناسبات التاريخية، ونلقي الضوء على الأشخاص الذين كانوا فاعلين في بؤرة الأحداث بصور مختلفة ومتنوعة، تنشر غالبيتها للمرة الأولى. وترصد تاريخ رياضتنا طوال الخمسين سنة الماضية، فكثير من هؤلاء، الذين مروا علينا، كانت بصماتهم واضحة على رياضتنا، ولم يعد يتذكرهم الجيل الحالي، فمنهم من غيبه الموت، ومنهم من تقدم به العمر، لكنهم أسهموا إسهاماً فاعلاً في تقدم الرياضة الإماراتية ورفعة شأنها، وعملوا بإخلاص وتفانٍ. ولم يستغلوا مناصبهم في تحقيق مكاسب شخصية، «كانت أيام»، هي فرصة لرد الجميل لكل هؤلاء، واحتفاء بالرموز لكي تكون قدوة ونبراساً في العطاء للجيل الحالي. نستكمل قصة الدمج التي شهدتها فرق دبي وتحديداً في منطقة ديرة، واليوم نبين مدى تأثر المجتمع في تلك الحقبة بأماكن تجمعات رجال الأمس، وشوابنا الأولون كانوا يلتقون في المقاهي البسيطة حيث لم تكن مقاهي الأمس مثل حال مقاهي اليوم.. فقد كانت ملتقى رجال البلاد وجيل الشباب آنذاك، فيها تعالج القضايا الاجتماعية والمالية بين طرف وآخر. وفيها يتم الصلح بين المتنازعين من دون اللجوء إلى المحاكم ابتعاداً عن الحرج وحرصاً على سمعة الإنسان في المجتمع، وبين الشباب كانت مقاهي الأمس ملتقى للتعارف وتبادل الآراء ووجهات النظر.. صورة اجتماعية رائعة كانت تشهدها المقاهي بدبي رغم بساطتها سواء في كراسي الجلوس الطويلة المصنوعة من الخشب الذي اشتهرت به ــ أو من حيث المرطبات التي انقرضت مثل ــ النامليت وسينالكو ــ وغيرها من المرطبات التي لم نعد نراها اليوم، إنها ذكريات الأمس التي باعدت الأيام بيننا وبينها. الملاعب الرملية وبعيداً عن المقاهي حيث الملاعب الرملية كان اللاعبون يتجمعون من بردبي وبر ديرة ليشكلوا فرقاً، مثل النصر والأهلي والشباب ويقيمون مباريات في ما بينهم، وهي كانت وسيلة للتقارب والتعارف لأن المجتمع في تلك الفترة كان صغيراً مما يسهل عملية تجمع اللاعبين. وكان بطي بن بشر رحمه الله، قد كشف لي في حوار تلفزيوني معه قبل رحيله عن مسيرة تأسيس الشباب العربي بدبي عام 1958 في منزل غانم بن عبيد بن غانم في منطقة سوق الذهب.. حيث الطلبة من المواطنين يتجمعون بعد صلاة المغرب.. وبدلاً من تضييع الوقت كان يتولى مسؤولية إحضار معلم من المدرسة لمراجعة دروسهم ومعاونة الطلبة على التحصيل.. ثم يوجه الطلبة إلى ممارسة بعض الأنشطة الرياضية كالكرة الطائرة وكرة القدم.. ثم تطورنا وكان واقع هذا التطور تأسيس فريق جيد لكرة القدم من خلال تشجيع بعض الزملاء والأصدقاء الذين لنا بهم علاقات في الهند وباكستان وفي جنوب اليمن.. وبالصدفة حضر لنا فريق العربي الكويتي في ذلك الوقت ليلعب معنا مباراة ولم يكن لدينا ملابس للعب.. ولم يكن لدينا فلوس لشراء ملابس.. فتوجه عبدالعزيز بن عبدالله بن فارس لاعب بفريق الشباب في ذلك الوقت إلى كابتن فريق العربي الكويتي وطلب منهم استعارة طاقم ملابس لنلعب به المباراة.. وفعلاً أهدونا الطاقم وكان مكتوباً عليه اسم الفريق الكويتي.. وكان الفريق يضم في ذلك الوقت أحمد بن صالح الخطيبي وعبدالعزيز بن فارس ومحمد العصيمي وجمعة غريب وسلطان الجوكر وابن دسمال والمرحوم علي البدور. وفي رواية أخرى قالها السفير محمد علي العصيمي والذي لعب لفرق الشباب إن أحد محبي النادي كان متعدد السفر للكويت ومن هناك أحضر لنا الفانيلة متكاملة عن النادي العربي الكويتي فإذن نحن أمام روايتين. الشرق الأوسط ومن بين ما قاله المرحوم ابن بشر أنهم أسسوا ومعه قاسم سلطان والمرحوم عيسى السيد وزميل من اليمن صالح بامطرف نادياً جديداً باسم «الشرق الأوسط» عام 1959 فاعترض المسؤول الإنجليزي على هذه التسمية التي أثارت لديه الذعر.. وظل يُطالبنا بتغيير الاسم ونحن في ذلك الوقت شباب ولدينا اندفاع الشباب لم نأبه لاعتراضه وتهديداته، واستمر الاسم وأدخلني السجن قبل أن يتراجع ويوافق على اسم الشباب العربي. وكان ملعب الشباب العربي في ذلك الوقت أمام بلدية دبي.. ثم صار انشقاق داخل النادي.. وصرنا فريقين.... ويضيف المرحوم ابن بشر: كانت الرياضة زمان قبل وصول البعثات عبارة عن ألعاب ترفيهية بسيطة جداً لا تعتمد على الإمكانيات.. حيث لا توجد الإمكانيات، ثم بدأت مراحل الاستنفار من أجل عمل حركة رياضية تعويضية للشباب.. فالشباب بدأ يقرأ في الصحف والمجلات التي تأتيه من مصر عن نشاط كرة القدم ومنافسات الأندية. فبدأ يشعر بالرغبة المُلحّة في تعويض ما فاته.. وبالفعل بدأت ومعي رجالات أذكرهم بكل الخير المرحوم حميد الطاير وبدعم كبير من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد في عمل نهضة رياضية في حدود المتاح من الإمكانيات في ذلك الوقت. دمج النجاح والأهلي بعض الإخوان كان لديهم تحفظ على قرار الدمج، لكني في اعتقادي الشخصي أرى أن الدمج كان له ما يبرره، لأن مقومات الاستمرار لنادي النجاح لم تكن متوافرة بالشكل المطلوب، وخصوصاً في عملية التوسع في الأنشطة وتوفير الإمكانيات. هنا يقول مظفر الحاج عن حادثة وقعت معه شخصياً في أواخر الستينيات، عندما ذهب للمغفور له بإذن الله الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، عرض عليه مشكلة نادي النجاح، ويقول: أخبرته أن هذا هو الواقع، ونحن من غير إمكانيات لا يمكننا الاستمرار، فابتسم رحمة الله عليه وقال لي: (فالك طيب) ثم أردف قائلاً (انتظر شوي) ثم حملني بكتاب موجه إلى الأخ ناصر بن عبدالله. بعد ذلك، الشيء الوحيد الذي كنت أفكر فيه، أن هذا الكتاب موجه للأخ ناصر، وأن الدعم سيتوافر لنا، وخاصة أن الكتاب موجه لشخص معروف عنه دعمه للرياضة والرياضيين، ومن شدة فرحتي. وكنت أقود موتورسايكل، فبدلاً من أن أعود بالطريق المسفلت، قمت باختصار الطريق والسير على طرق غير مُعبدة، عن طريق (الحدب)، وتدهور الموتورسايكل، وأصبت، وبالرغم من الإصابة فقد كنت حريصاً على إيصال الرسالة، والحمد لله أوصلتها. بعد أن اطلع ناصر عبدالله على محتوى الكتاب، وعلم بالمحتويات والتوجيه كان واضحاً من المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد بأنه من المفضل أن يتم دمج نادي النجاح في نادٍ أكبر لتوفير الإمكانيات والاستفادة من الطاقات البشرية. تظاهرات قال المغفور له بإذن الله المرحوم ابن بشر: كان النادي بالنسبة لنا نقطة انطلاق لمظاهرات التأييد للوحدة العربية وجمال عبدالناصر، وكان يعتبر بالنسبة لنا مركزاً للتجمع والتقاء الشباب للتباحث والتشاور في أمور كثيرة كانت تهمّ الوطن في ذلك الوقت. نادي النجاح تأسس نادي النجاح عام 1965 وقصته يحكيها مظفر الحاج، حيث تم الترتيب لقيام أول دوري في دبي فاز به النجاح، وهو دوري الدرجة الثانية، وإثر هذا الفوز من الطبيعي أن يصعد النجاح إلى أندية الدرجة الأولى لكن لم يتم الاعتراف بهذا الدوري، لأن أحد اللاعبين سبّ رئيس الاتحاد في ذلك الوقت وبالتالي ألغي الدوري.
مشاركة :