"نكبة غزّة" التي صنعها الاخوان ـ

  • 6/2/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ليس حزيران ـ يونيو 2017، ذكرى مرور نصف قرن على هزيمة العام 1967، بل هو أيضا ذكرى مرور عشر سنوات على قيام وضع فلسطيني جديد يتمثّل في انفصال غزّة عن الضفة الغربية. هل يمكن اعتبار هذا الوضع الجديد طبيعيا الى درجة بات يترتب على الفلسطينيين والعرب التعاطي معه؟ يبدو الامر كذلك اذا انطلقنا من ان "حماس" مستعدة للدفاع عن "الامارة الإسلامية" بكلّ ما لديها من إمكانات وذلك بغض النظر عمّا اذا كانت ستتمكن يوما من وضع الضفّة الغربية تحت سلطتها أيضا؟ يبدو الامر كذلك، أيضا، اذا اخذنا في الاعتبار تاريخ "حماس" التي ليست سوى الفرع الفلسطيني لتنظيم الاخوان المسلمين. يمتلك الاخوان شبقا لا مثيل له الى الاستحواذ على السلطة على أي بقعة ارض عربية. في فصل من كتابه الأخير وعنوانه "عن الفلسطينيين فقط ـ جدلية النجاح والفشل" يشرح مروان كنفاني الذي بقي طويلا مستشارا لياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، كيف لم يستطع الفلسطينيون الاتفاق يوما على قيادة موحّدة. بسبب غياب مثل هذا الاتفاق ايّام المفتي امين الحسيني الذي قاد النضال الفلسطيني في مرحلة ما قبل "النكبة"، لم يحصل فهم لمعنى قرار التقسيم في 1947. قاد العجز عن فهم مغزى القرار الى "النكبة" في 1948 وصولا الى احتلال القدس والضفة الغربية في 1967. من المقاطع المهمّة في الكتاب تلك التي يرى مروان كنفاني انّها مهدت لانفصال غزّة عن الضفة الغربية، بدءا بالاحداث التي وقعت مباشرة بعد دخول ياسر عرفات الى القطاع في شهر تموز – يوليو من العام 1994. وقعت تلك الاحداث في تشرين الثاني ـ نوفمبر من تلك السنة. شهدت تلك المرحلة الصدامات الكبيرة الاولى بين "فتح" و"حماس" وكشفت ان لا هدف لـ"حماس" سوى التخريب على السلطة الوطنية. كان مأخذ "حماس" على "فتح" انها قدمت تنازلات "مشينة" لاسرائيل. كانت نقطة التحول التظاهرة التي نظمتها "حماس" في غزة يوم الثامن عشر من نوفمبر 1994 وانتهت بصدام مع السلطة الوطنية وأجهزتها ومقتل اثني عشر شخصا كانوا بين المتظاهرين. لم يكن ياسر عرفات الغائيا. لم يرد يوما القضاء على "حماس" التي انتظرت طويلا كي تنتقم أخيرا من "فتح" ومن السلطة الوطنية واخراجهما من غزّة بعد انتخابات تشريعية أجريت في العام 2006. سعى ياسر عرفات قبل وفاته في خريف 2004 الى تأجيل الانتخابات. فعل ذلك بسبب شعوره بان هناك من يسعى، في الولايات المتحدة وأوروبا، بالاتفاق مع إسرائيل، الى الانتهاء من السلطة الوطنية ومن "فتح" ومن شخص ياسر عرفات بالذات بالوسائل الديموقراطية، أي عبر صناديق الاقتراع. كان محقّا في ذلك. حققت "حماس" في 2006 ما عجزت عن تحقيقه عندما كان "أبو عمّار" لا يزال حيّا يرزق. هناك مقاطع كثيرة في كتاب مروان كنفاني تساعد في فهم الواقع الفلسطيني الراهن، وهو واقع محزن. لكنّ الخط الذي يربط بين احداث كثيرة هو ذلك الذي يؤكّد ان "حماس" لا تسعى، ولم تسع يوما، سوى الى السلطة والى التفرّد بها، فهي رفضت المشاركة في انتخابات 1996 لانها كانت تدرك انّها لن تفوز فيها. استخدمت كلّ الشعارات "الوطنية"، بما في ذلك "تخوين" حركة "فتح" وكل نوع من أنواع المزايدات من اجل تبرير رفضها للمشاركة في تلك الانتخابات. ولكن، عندما علمت في 2006 ان نتائج الانتخابات ستكون في مصلحتها، شاركت فيها ولم تعد تقيم أي اعتبار للأسباب التي جعلتها تقاطع انتخابات 1996. كانت انتخابات 2006 في الاراضي الفلسطينية جزءا من تفاهم بين الإدارة الاميركية والاخوان المسلمين في مصر. هذا ما يكشفه الكتاب الذي جاء فيه ان "في الاتصالات المتطورة السرّية بين الطرفين (الإدارة الاميركية والاخوان في مصر) والتي استمرّ لفترات طويلة تم بحث في نقاط كثيرة، كان أهمها من الجانب الاميركي ضرورة استبعاد المنظمات الإسلامية الجهادية ومشاركة الاخوان في انتخابات ديموقراطية للوصول الى الحكم والمحافظة على مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية وتحالفاتها في المنطقة وعدم تعرض حكومات الاخوان لحرية الملاحة في قناة السويس ووقف التحريض والتهديد الموجهين الى إسرائيل (...)". رحل الاخوان عن السلطة في مصر وذلك بعد ثورة شعبية في العام 2013 لكنّهم بقوا يتحكمون بقطاع غزّة. يحاول الاخوان في غزّة ان يؤكدوا لمصر هذه الايّام ان لا علاقة لهم بالاخوان. لن ينطلي ذلك على احد. لا على مصر ولا على المسؤولين العرب الواعين الذين يعرفون حقيقة "حماس" والمهمّة التي خلقت من اجلها أصلا. لا يمكن الّا شكر مروان كنفاني على الربط بين صعود "حماس" في غزّة من جهة والاتصالات الاميركية بالاخوان في مصر في مرحلة معيّنة سبقت سقوط حكم حسني مبارك من جهة اخرى. مثل هذا الربط ضروري لفهم أمور كثيرة من بينها تلك العلاقة بين مصر وغزّة والدور الذي لعبته "حماس" بالتفاهم مع ايران في مرحلة التمهيد لاسقاط حسني مبارك الذي تميزت السنوات العشر الأخيرة من حكمه بكثير الغباء السياسي والسطحية. في كلّ الأحوال، بعد عشر سنوات من قيام حكم الاخوان المسلمين لغزّة، يمكن الخروج ببعض الاستنتاجات التي لا تصبّ سوى في خدمة إسرائيل. قبل كلّ شيء، هناك شرخ فلسطيني يتكرّس يوميا، خصوصا في ظل سلطة وطنية دخلت مرحلة متقدّمة من الترهل. لكنّ ذلك يبقى امرا ثانويا اذا نظرنا الى الدور الذي لعبته "حماس"، منذ ما قبل وضع يدها على قطاع غزّة، في افشال المشروع الوطني الفلسطيني. ففي صيف العام 2005، انسحبت إسرائيل من غزّة. انسحبت من كل القطاع. فكّكت المستعمرات التي اقامتها فيه. لم يكن الانسحاب عملا بريئا وقف خلفه ارييل شارون رئيس الوزراء وقتذاك. كان الهدف يتمثل بالخروج من غزّة بغية الإمساك بطريقة افضل بالضفّة الغربية والقدس الشرقية. بدل ان تساعد "حماس" في قيام كيان فلسطيني في غزّة، يكون نواة لدولة فلسطينية نموذجية، عمل قادتها كل ما يستطيعون عمله للقول للعالم ان الفلسطينيين لا يستأهلون دولة. بدأوا بنشر فوضى السلاح في غزّة وصولا الى انقلاب منتصف حزيران ـ يونيو 2007، مرورا باطلاق الصواريخ العشوائية التي بررت لإسرائيل فرض حصار على القطاع وخنق المواطنين الفلسطينيين المقيمين فيه، فضلا عن اطلاق شعار "لا وجود لشريك فلسطيني" في عملية السلام. بعد عشر سنوات في غزّة حقق الاخوان المسلمون هدفهم. سيبقون عشر سنوات أخرى في القطاع مكافأة على ما حققوه من نجاحات منقطعة النظير في مجال ضرب المشروع الوطني الفلسطيني ونشر البؤس والجهل والتخلّف على كلّ صعيد. الاهمّ من ذلك كلّه، لن تخسر إسرائيل شيئا عندما تكون "حماس" بملثميها واجهة الشعب الفلسطيني وصورته في العالم. الثابت ان لا شيء سيمنع "حماس" من الاحتفال بـ"نكبة غزّة" ما دام المهم الوصول الى السلطة وممارستها بوجود كهرباء او من دون كهرباء.   خيرالله خيرالله

مشاركة :