في فن المنمنمات تختلط المشاعر والأحاسيس، تمامًا كما يختلط الشعر مع الخط، والفن والورق، في آن واحد لإنتاج لوحة ذات أبعاد إنسانية وتاريخية وفنية وأدبية.بين الكلمات والصور علاقة، ترتبط بفعل الخلق، فللكلمات كما للصور، قدرة على التصوير، بشكل مطواع، خاصة إذا ما كان الفنان شاعرًا، إذ بين عالمي «الشعر والفن»، تزاوج أوضحه المؤرّخ الدكتور عيسى أمين، رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين، في محاضرته التي قدمها بذات العنوان، في «أسرة الأدباء والكتاب»، مساء الأحد (21 مايو)، وأدارها الشاعر إبراهيم بوهندي، رئيس الأسرة. وفي مستهل حديثه تناول أمين فن المنمنمات، وأبعاده الفنية والأدبية إلى جانب قيمته الإنسانية، ولغته الشعرية، بالإضافة لبعده التاريخي، فهذا الفن الذي اشتهرت به المخطوطات البيزنطية والفارسية والعثمانية والهندية، يكتنز مخزنًا فكريًا وعلميًا ووجدانيًا، إذ يمثل في تجلياته حالة فنية خاصة، وروح إبداعية تشي بمشاعر مبدعها، مع تمازجات من القيم والحكايات التي أريد لها أن تبقى مخلّدة من خلال هذا الفن. وبيّن أمين بأنه «في فن المنمنمات تختلط المشاعر والأحاسيس، تمامًا كما يختلط الشعر مع الخط، والفن والورق، في آنٍ واحد لإنتاج لوحة ذات أبعاد إنسانية وتاريخية وفنية وأدبية». ويتابع مبينًا إثر تلقي هذا المزيج الإبداعي الذي يفيض من أعمال المنمنمات «يثير حالة من الإعجاب، التي تتخطى الواقع، القائم على التمييز العرقي والمذهبي، إلى فضاءات من السماحة والتسامح، إذ تمتلئ المنمنات بهذه القيم الفاضلة، وبالتالي هي تنعكس على المتلقي إنسانيًا، حيث تحمل مضامين كريمة، إلى جانب كونها حاوية لتراث إنساني، تم الاشتغال عليه ليكون مزيجًا من الشعور الذي يمتلكه الشعراء، والفنانون». ولفت أمين شهرت هذا الفن، إذ اشتهر في البلاد الإسلامية بعد أن «زار الأمير صدر الدين آغا خان، منزل والديه ووجد الأعمال الكلاسيكية لحافظ الشيرازي، ومولانا جلال الدين الرومي، والفردوسي، وباب طاهر، وعمر الخيام، وأبو المغيثة الحلاج وناصر خسرو، وكان هناك الكثير من المصاحف المملوكية ورسوم المنمنمات التي تعتبر في مجموعها عرضًا للحظات مهمة في تاريخ إيران، وتركيا والهند، حيث كانت البداية في القرن الرابع عشر، وبداية القرن الخامس عشر، حين تحولت السلطة في إيران إلى التيموريين (فترة تيمور لنك)». وتابع مستعرضًا مراحل تطور وازدهار فن المنمنمات: «ابتدأ مع هذا الانتقال نشاط فني تحت رعاية البلاط الحكام من أجل انتاج كتب مصورة للأمراء وأبنائهم، بعدها أسست مدارس لهذا الفن في النصف الثاني من القرن الخامس عشر في المناطق العربية من إيران وذلك في بلاط الحكام التركمان مع التيموريين إلى أن شهدت إيران تحولات سياسية بقيام الدولة الصفوية، وتحولت صناعة المنمنمات إلى رسوم فنية تعكس الحالة اليومية أو الشخصيات المهمة استجابة للذوق الإنجليزي». ويشير أمين إلى أن هذا التحول، ولكي يكون موازيًا لفن المنمنمات، كانت هناك علاقة بين الشعراء والفنانين صانعي المنمنمات، هذه العلاقة كانت تتمثل في تأليف المواضيع من قبل الشعراء، الذين كانوا يؤلفون مواضيع ذات ابعاد سياسية، واجتماعية، وتاريخية، إلى جانب مواضيع الحب والهيام والعشق، وكان الفنانون ينفذون هذه المواضيع عبر منمنماتهم. وقد عمد أمين إلى استعراض تاريخ المنمنات، في مختلف الحضارات الإنسانية، منها التيمورية، والصفوية، والهندية، وصولا إلى التركية، والقرن الوسطى، وقد اعتمد أمين في بحثه وطرحه لتاريخ المنمنات على ثلاثة أبعاد: هي «البعد الفني، والبعد الأدبي، والبعد التاريخي»، إذ شكلت المنمنمات سردًا مصورًا لتاريخ، لابد من الوقوف عنده.
مشاركة :