وبعد عودته للمملكة كان يعقد في منزله بجدة بطريق مكة لقاءً دورياً يجمعه بزملائه المهتمين بالتربية والتعليم وبعض الأدباء والكتاب. ونجده يروي سيرته لعبدالله الخشرمي لنشرها في كتابه (عصاميون). يقول بعد تخرجه من الفلاح: «ثم عملت مدرساً بها براتب شهري قدره 90 ريالاً، ولم أكتف بهذا القدر من التعليم. فلقد ساقتني طموحاتي إلى القاهرة حيث الأزهر الشريف، وتخرجت من كلية اللغة العربية، وعدت إلى وطني لأعمل في مجال الكلمة المسموعة – وكانت الإذاعة في طور تأسيسها... وبعد سنتين من العمل بالإذاعة عدت إلى التدريس.. المهنة التي أحببتها، ووجدت نفسي فيها، وتدرجت في وظائفها.. ». وقال أنه عين في وزارة المعارف عام 1374هـ عميداً للمفتشين ثم مدير عاماً للتعليم الثانوي ثم عين مستشاراً ثقافياً في أوروبا، وكان مقره في جنيف، وتنحصر مهمته في الإشراف على الطلاب السعوديين المبتعثين في كل القارة الأوربية، وكان عددهم 640 طالباً، وذكر منهم الدكاتره: حسين الجزائري ورضا عبيد ومحمد الفدا وحسان رفه.. عاد للعمل بالمعارف مديراً عاماً للتعليم العالي، وعند بداية فكرة جامعة الملك عبدالعزيز الأهلية بجدة تمت إعارته للعمل في اللجنة التنفيذية لافتتاح الجامعة. وكانت نواتها الأولى (كلية الاقتصاد والإدارة)، عاد بعدها لعمله بوزارة المعارف ثم عاد للإذاعة مرة أخرى.. ويقول: «.. الحقيقة كانت الفترة التي عملت فيها بوزارة المعارف أخصب وأفضل فترات حياتي، فقد تقلبت في مختلف المناصب في مجال التعليم وهذه المراكز جعلتني أقرأ كثيراً وأقوم بالتأليف المدرسي» وقال أنه ألف 23 كتاباً في فروع اللغة العربية لطلاب مراحل التعليم المختلفة. وبعد تقاعده فكر في إنشاء مؤسسة للنشر والتوزيع وكانت (دار الشروق)، وبدأ بتوفير الكتب والمراجع العلمية لمكتبة جامعة الملك عبدالعزيز. قال عنه الدكتور حسن محمد سفر عن ذكرياته معه وعن ما حفظه في الذاكرة من مناقبه – وهو يرثيه – أن الملك فهد – رحمه الله – قد اختاره عندما كان وزيراً للمعارف بالإشراف على الطلاب في جنيف وروما وفرنسا قبل قيام الملحقيات الثقافية.. فقدم عصارة تجاربه كمرب وتربوي وسخر عقله وقلمه لبناء أجيال المستقبل غارساً فيهم روح الهمم العالية ومشجعاً فيهم النهل من روافد الثقافات.. كان الرجل ملء السمع والبصر يأنس إليه زائره ويندهش وهو يخاطبه باللغة العربية الفصحى. وقال في ختام كلمته: «..ختم حياته العلمية والعملية بالبر والخير وعمل الصالحات وتولى بنفسه الإغداق على المستحقين والضعفاء ومد يد العون للمعوزين.. ». وقال عنه أسامه أحمد السباعي: إن للأستاذ باروم دوراً كبيراً في مجال التربية والتعليم حيث أمضى ردحاً من عمره في وزارة المعارف، كما أن له فضلاً كبيراً على كثير من الأبناء من جيلي في ذلك الوقت.. وقال عنه الدكتور محمد خضر عريف.. عرفته على مدى سنوات طويلة وأعلم عنه عديداً من الانجازات التربوية، فهو من الرعيل الأول لرجال التعليم في المملكة، الذين نهضوا بالتعليم رغم قلة الإمكانات ومحدوديتها في ذلك الزمن. وقال عنه الناقد حسين بافقيه: «إن باروم استطاع أن يجمع ما بين الثقافة التراثية التي حصل عليها في نشأته الأولى بمكة المكرمة، وذلك حينما اختلف إلى أروقة العلماء في الحرم المكي الشريف وتتلمذ لجلة علماء البلد الحرام في الدين واللغة العربية والتأريخ.. كان السيد باروم من أبرز ناشري الثقافة والمعرفة في بلادنا وكانت له مشاركاته الكبيرة في طباعة الكتاب ونشره...». وقال عنه الدكتور محمد علي الحبشي.. كنا كمبتعثين آنذاك نحس بأن في المستشارية مسؤولاً يعشق الجدية ويطلب ذلك من كل مبتعث، أما من لم يسر في هذا الطريق فكان يوحي بإعادته إلى المملكة وذلك بعد توجيه النصح اللازم له... وقال عن دوره في النشر: «وأعرف شخصياً أن دخله منهما لا يكاد يغطي مصاريفهما كما نشر في آخر حياته كتابين هما: (من أعلام التربية والفكر في بلادنا) و(مطالعات نقدية في ألوان من الكتب)، يدل أول الكتابين على صفة الوفاء ويدل الثاني على حبه للمعرفة». وقال عنه محمد صلاح الدين.. كان السيد محسن باروم طوال حياته، معلماً من معالم الخير والبر، ومرجعاً في علوم التراث والأدب، وكان قاسماً مشتركاً لكل جهد يبذل في أي منحى من مناحي الإصلاح، والشأن العام، ومقصداً لكل ذي حاجة، يسعى للخير بدأب وصمت، ويخدم الناس في محبة وستر.. كان أنموذجاً رفيعاً لعفة اللسان والنفس واستقامة السلوك، ومكارم الأخلاق، وقد اشتغل في سنوات حياته الأخيرة بنشر العلم.. وقام بطبع عديد من كتب التراث ومراجع الأدب وغيرها. وقال عنه عبدالله بغدادي في كتابه (الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية): إنه من أعلام التعليم بل هو (دينامو) وزارة المعارف في مستهل عهدها، في تخطيط المناهج التعليمية لمختلف مراحل التعليم، فالمناهج الابتدائية والمتوسطة والثانوية الحاضرة هو مخططها وراسمها ومعدها، دفعها وحرك الدراسة فيها، وأشاع الحياة فيها، بإدخال مواد تعليمية جديدة. وصياغتها لتلائم احتياجات العصر ومتطلبات التعليم... ويتمتع السيد محسن بصبر وقوة جلد للعمل واحتمال المشاق في سبيل إعداد عمل ناضج بناء خلاق، وقد يسهر الليالي الطوال لإنجاز وإعداد ما يوكل إليه من مهام، وإكمال ما يعهد إليه من عمل وإخراجه بالصورة المشرقة التي يرضاها ويقتنع بها. ولعلي بالمناسبة اقترح تخليد اسم هذا الرجل بتسمية إحدى قاعات جامعة الملك عبدالعزيز باسمه.
مشاركة :