كل ما يعرفه محمد ورفاقه من سائقي الأجرة أن «طلعت حرب» شارع ذو مسار واحد. فإما أن تنحرف يميناً بعد «فلفلة» اختصاصي الفول والفلافل سابقاً والمضاف إليهما الشاورما والكشري حالياً، لتجد نفسك في قلب «باب اللوق»، أو تكمل حتى ميدانه (طلعت حرب) ثم تنحرف يساراً لتعود أدراجك إلى ميدان التحرير. وكل ما تتذكره «ميادة» وزميلات الصف الابتدائي السادس عن طلعت حرب، بناء على الدرس الرابع في مادة الدراسات الاجتماعية، أن طلعت باشا حرب له علاقة بالاقتصاد المصري. أشطرهن تسرد ما حفظته قبل الامتحان: «أدرك طلعت حرب أن الاستقلال الاقتصادي ضرورة لتدعيم الاستقلال السياسي. وأنه نجح بمساعدة عدد من الأشخاص العاملين في مجال المال والتجارة في تأسيس «بنك مصر» في نيسان (أبريل) 1920». ويعرف حراس العقارات في منطقة «عين شمس» (شرق القاهرة) أن «طلعت حرب» مجمع لمدارس خاصة عنوانها 10 شارع 10، لكن أقرانهم في منطقة الوايلي يؤكدون أن «طلعت حرب» مدرسة تجريبية في شارع الواعظ المتفرع من شارع رمسيس. لكن، في شارع رمسيس ومعه الغالبية العظمى من الشوارع الرئيسية في القاهرة الكبرى، عاد طلعت باشا حرب يهيمن على المشهد باقتدار. بسط كاريزمته، وفرض سطوته، ومد صولته، فبعد ما يزيد على سبعة عقود من رحيل الرجل الذي لقبه المصريون بـ «أبو الاقتصاد» عاد ليطل على أحفاده، بطربوشه الأحمر وشاربه المنمّق وشبح ابتسامته الواثقة والصارمة في آن. ولأنه آن أوان التفكير خارج صندوق التعثّر والتوجس، وحانت اللحظة التي طال انتظارها لبث قليل من الأمل، قرر طلعت حرب أن يعود عبر بنكه «بنك مصر» ليعلن سياساته الجديدة. رئيس بنك مصر محمد الأتربي يقول أن «طلعت حرب راجع» عبر زيادة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة القادرة على دعم اقتصاد أي دولة. رجوع طلعت حرب يدق على أوتار فكر رائد الاقتصاد المصري القائم على أساس الاستثمارات الصناعية والزراعية، عبر تسهيل تمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، والقادرة على تأمين فرص عمل دائمة مع زيادة الدخل والإنتاج. حملة إعلانية ضخمة غير مسبوقة وبعيدة من التقليدية، تعكس توجهاً واضحاً للدولة حيث لم يعد هناك مجال لـ «الطبطبة» الحكومية على الفقراء واليائسين، إذ هناك نهج جديد لمن يشكو شظف العيش، أو يبحث عن مخرج من الخوف. والعبرة بما ستسفر عنه الحملة الإعلانية الرمضانية الضخمة التي تدق على أوتار يأس بادٍ على ملايين الوجوه وتحاول زرع مقدار من الأمل. بوابة أخرى يدخل منها طلعت حرب هي بوابة السينما. فيلم «تعظيم سلام» لمخرجه سيد سعيد يستعرض ما لم يُقَل عبر عقود التخصيص وبيع المشاريع التي أسسها طلعت حرب. تجربة الرأسمالية الوطنية التي خاضها أبو الاقتصاد المصري والمحكي عنها في الفيلم المصنوع بتكليف من المركز القومي للسينما، ما زالت تثير مخاوف البعض، بمن فيهم المروجون للاقتصاد الوطني. وفي انتظار ما سيسفر عنه «رجوع» طلعت حرب، هناك فريق عنكبوتي يرى أن «طلعت حرب راجع ومحمد مرسي لم يرجع بعد»، لكن كثراً نصحوا طلعت حرب بعدم الرجوع واقترحوا في حال إصراره أن يذهبوا هم إليه.
مشاركة :