في العام 1960 كان نصيب الفرد من الناتج القومي الكوري 155 دولاراً، بينما كان في مصر 148 دولاراً. وقتها كان البلدان يتساويان تقريباً في تعداد السكان والمعدلات الاقتصادية، وكانت كل من القاهرة وسيئول تشهدان تحولات سياسية. وقتها كان عبدالناصر يسعى لإمضاء مشروعه القومي الوحدوي بين مصر وسورية، وفي سيئول كانت هناك أزمة سياسية أسهمت في سقوط حكومة "إي سن مان" ونشوء حكومة "ين بو سن"، التي لم تدم طويلاً حتى قام الفريق "بارك تشونغ هيه" بانقلاب استولى فيه على السلطة بعدها بدأت كوريا الجنوبية رحلة النمو والازدهار. اليوم يقف البلدان على النقيض تماماً فلا مجال للمقارنة بين سيئول والقاهرة، ويكفي أن نعرف أن اقتصاد كوريا يحتل المرتبة التاسعة عالمياً بينما اقتصاد مصر يحتل المرتبة 42 في تقييم يعود لفترة ما قبل أحداث "الربيع العربي". دخلت مصر منذ فترة أواخر الخمسينات في دوامة لم تستطع الخروج منها حتى الآن. واليوم تبدو القاهرة أمام مرحلة سياسية جديدة، فوصول المشير السيسي إلى سدة الرئاسة وهو القادم من ذات الخلفية التي قدم منها عراب النهضة الكورية "بارك تشونغ هيه"، يمكن أن يكون فرصة حقيقية للصعود بمصر على المستوى الاقتصادي على أقل تقدير، إذ لا يعول في عهد الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي إدخال مصر الحقبة الديموقراطية بما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وقد قالها صراحة في إحدى مقابلاته بأن أمام مصر عشرين عاماً للوصول للديموقراطية، وهذا يعني أن مصر أمام مرحلة من الصرامة ربما تسهم إن شملت كل مفاصل الدولة "بلا استثناء" إلى إدخال البلاد في موجة صاعدة، وهو ما قام به الرئيس الكوري "بارك تشونغ هيه" الذي حكم بلاده لفترة امتدت بين (1963م - 1979م)، ووصفت فترة حكمه بالدكتاتورية، إذ فرض قيوداً كبيرة على الحريات، لكنه حقق ما سمي لاحقاً ب"معجزة نهر الهان"، باعتماده سياسة اقتصادية ناجحة مازالت كوريا تجني ثمارها، واستطاع في نهاية حكمه أن يصل بنصيب الفرد من الناتج القومي إلى 403 دولارات في 15 عاماً. ويبقى "تشونغ هيه" حاضراً في أذهان الكوريين بعد أكثر من ثلاثين عاماً على اغتياله، ولعل وصول ابنته "بارك غيون هيه" إلى رئاسة كوريا حالياً لدليل واضح على تأثير هذا الرجل. إن وصول شخصية ذات خلفية عسكرية إلى سدة الحكم ليس أمراً سيئاً بحد ذاته، بقدر ما أن صورة العسكريين العرب "الثوريين" ارتبطت بالانتكاسات التي منيت بها عدة دول عربية منها مصر وليبيا وسورية واليمن والعراق، وساهمت في انهيار هذه الدول وتحولها إلى ما هي عليه الآن. التحول الأخير في مصر سيكون تاريخياً، فإما أن تمضي الدولة في مشروع نهضوي اقتصادي حقيقي بعيداً عن الصراعات السياسية الداخلية والخارجية أو دخول مصر في نفق مظلم يحولها إلى دولة فاشلة. أمام المشير السيسي بلد يعاني اقتصادياً، وفي ذات الوقت هناك مقدرات ضخمة يمكن معها تحويل مصر "معجزة نهر النيل".
مشاركة :