شمس السينما تغيب عن غزة

  • 6/3/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في وقت عكست فيه السينما التجربة الإنسانية بكل تفاصيلها، إضافة إلى دورها الرائد في نقل الأفكار الإيجابية محاولة التأثير في السلوكيات، كان لغياب تفاعل الناس مع هذا الفن بالغ الأثر في قدرته على التأثير. كل ما في غزة هو ذكريات لدور سينما كانت في يوم من الأيام تشهد إقبالاً ونشاطاً كبيرين، أما اليوم فلا دور للعرض السينمائي في غزة، بفعل عدة عوامل. لا دور للعرض تقول الفنانة هدى ياسين كان هناك أكثر من خمس عشرة داراً للعرض السينمائي في قطاع غزة، غير أنه وبفعل الإهمال وعدم الاهتمام إضافة إلى الحرب التي تعرضت لها السينما في مرحلة من المراحل، نجد أن غزة باتت تفتقر إلى مثل هذه الدور. فقد تحولت غالبيتها إلى قاعات للأفراح وأخرى للمناسبات العامة، وتعرض الكثير منها للتدمير، وأصبحت مهجورة وربما كان مصيرها مكباً للنفايات. ورغم أن الكل يعرف الجانب الإيجابي للسينما ومكانتها بين الفنون الأخرى، وما لعبته من دور في تغيير وتعديل الأفكار والتحريض على الوطنية مثلا، وقد كان الفلسطينيون رواد في هذا المجال حيث عرفوا السينما عبر الأخوين لاما في مطلع القرن العشرين، ويقوما بإخراج أول فيلم هو» قبلة في الصحراء» والذي يصنفه بعض السينمائيين على أنه أول عمل سينمائي عربي. ولكن الانتداب البريطاني الذي حارب وجودهما ومنعهما من الاستقرار بمدينة القدس مسقط رأسيهما جعلهما ينتقلان إلى القاهرة ليبدآن من هناك العمل وأنتجا وأخرجا ما يقارب الأربعين فيلماً روائياً، اشتهرت بها القاهرة كمنارة عربية للعمل السينمائي. بينما يرى المخرج السينمائي صابر أيوب أنه لا يوجد في غزة أي شكل من أشكال العمل السينمائي وليست المشكلة مقتصرة على دور العرض، وأن كل ما يدور على الأرض من محاولات لا تليق بمستوى السينما، وإنما هي بعض المحاولات الفردية التي لا تتلقى أي دعم من أي جهة وغالبا ما تتوقف عند عقبة التمويل. وترى الأستاذة سماح يونس أن هناك صعوبات كبيرة يواجهها السينمائيون هنا، حيث يعملون بإمكانيات تكاد تكون معدومة، مستخدمين تقنيات تعداها الزمن، فنادراً ما تتوافر هذه المعدات الضرورية لعملية تصوير وإخراج العمل، معتمدين على الطاقم البشري المكافح لصناعة أفلام بسيطة ولكنها تبقى محاولة كي لا تندثر الفكرة من أساسها. نعم نستطيع ويخالفه الرأي المخرج رشاد موسى حيث يرى في قلة الإمكانيات دافعا إضافيا لتفجير ثورة الإبداع داخل السينمائي، على حد وصفه، مشيرا إلى أنه تمكن مع مجموعة من زملائه الطموحين من صنع العديد من الأفلام الوثائقية التي يمكن أن تكون مقدمة إلى سينما حقيقية. ويوضح موسى أن السينما تعبير عن الإنسانية بشكل يوثق للأجيال ذاكرة لا يستطيع التاريخ حملها في أحيان كثيرة، وهذا هو الأسلوب الخاص للسينما في العمل، والذي لا يتوافر للعديد من الفنون الأخرى، وهذا يحتم علينا متابعة المحاولة وعدم الاستسلام. وتؤكد المخرجة إيناس الطويل أنه إن كنا لا نملك إمكانيات السينما العالمية لكنني على ثقة بأننا نمتلك عقولاً وإبداعاً يضاهيها، وقصصا صادقة فهناك العديد من القضايا التي تستحق معالجتها في السينما الفلسطينية، ودورنا الوطني والإنساني يحتم علينا العمل بهذا السلاح للدفاع عن قضايانا ووطننا في وجه آلة إعلامية تحاول تجهيلنا ومحو ذاكرتنا. ورغم الأجواء الفنية التي تعج فيها غزة على حد تعبيره فإن هناك غيابا للنقد والنقاد عن الساحة الغزيّة، وهذا يجعل صناعة الأفلام حرفة قديمة لا تعرف مذاق التطور. افتحوا دور العرض وترى الفنانة مروة حرب أن المهرجانات السينمائية هي التي تثري العمل الفني وتعتبر خطوة جادة نحو عالم الفن السابع في فلسطين، وتفتح مجال التنافس الحقيقي بين السينمائيين لتقديم الأفضل، فالأفكار وتطور الثقافات أمر لا يحدث هكذا إلا بفعل التشابك الفكري بين الدول وهذا ما توفره المهرجانات، كما أنها تفتح المجال لبروز مبدعين في كل مجالات العمل السينمائي. وتضيف: فالعمل السينمائي الناجح ليس تمثيلاً وإخراجاً فقط وإنما هو توافق كامل بين العاملين وفنيي الصوت والإضاءة وكاتب القصة إضافة إلى المخرج المبدع والفنان المتألق، فيكون العمل وحدة واحدة برسالة واضحة المعالم تصل مباشرة إلى قلوب الجماهير. ولا يفوتنا التنويه للإنتاج الذي يلعب دورا بارزا في تشكيل هذه العجينة كما يسميها، فهو أساس العمل والمشكلة الحقيقية التي تكبح جماح العمل السينمائي الحقيقي في غزة. وتعود الفنانة مروة إلى التأكيد على أن هذه المهرجانات لا تعد بالكثرة وإنما بالنوعية التي تقدمها، فكثرتها لا تعني إلا تشتيت للجهد، ويجب تلخيصها في عدد محدود على أن تكون مميزة وكبيرة تحقق الأهداف التي تمت الإشارة إليها سابقا، وهذا لا يمكنه أن يؤتي ثمارا حقيقية إذا ما بقيت دور العرض مغلقة ومهملة بهذا الشكل. وهذا ما يؤكده المنتج السينمائي خالد طه بأنه مستعد للصرف على عمل سينمائي قوي ولكن يتساءل أين سيتم عرضه؟ فهل ننتج لعرض هذه الأفلام في المهرجانات فقط؟ فهذا ليس هدفنا، نريد أن يشاهد المواطن البسيط هذا العمل ويتفاعل معه يقبله أو يرفضه هذه حريته وهذه متعة العمل السينمائي الحقيقية. وفي ظل عدم وجود فرص متوافرة من الجهات الداعمة لصناعة الأفلام في غزة، يؤدي هذا لهروب الكثير من رؤوس الأموال من تقديم إنتاج حقيقي، وهذا يعرقل العمل السينمائي بشكل عام، يصل الأمر لأن المجتمع ينعت كل من ينتج فيلما سينمائيا بالجنون، لأنه لا طائل من هذا الإنتاج سوى الخسارة فقط. طريق طويل أول دار عرض سينمائي في أوائل الخمسينيات تبعها العديد من الدور في كل مدن القطاع المختلفة، لكنها اليوم تفتقر إلى دار عرض واحدة، فقد تلقت دور العرض ضربة تلو الأخرى وتكبد أصحابها خسائر كبيرة في مواجهة التطورات السياسية المتلاحقة والتي كان لها تأثير اجتماعي. لكن وفقا للدكتور كمال الشاعر فإن إغلاق دور العرض ليس السبب الوحيد، فغياب الإنتاج السينمائي المحلي وعدم اهتمام الحكومات الفلسطينية المتعاقبة بهذا النوع من الفنون، وقلة الكوادر الفنية المتخصصة، وعزوف تام من قبل منتج مغامر أدى في النهاية إلى افتقادها لبريقها. ويتابع الشاعر قائلاً: هنا يأتي دور الفنان الذي ما زال يحاول أن يجد لنفسه مكانا على الخريطة الفنية، فالسينما لم تعد وسيلة للترفيه، إنما باتت ضرورة ملحة وحاجة مجتمعية كبيرة، فقد نما الوعي المحلي بأهميتها. ويرى الدكتور كمال الشاعر أن السينما عكست الحركة النضالية والوطنية بما فيها الاجتماعية مما صب في خدمة القضية الفلسطينية. ويعيب الجميع على غياب الدعم الحكومي للعمل السينمائي، فيقول الدكتور الشاعر: بقي الدور الحكومي ضعيفاً والدعم الموجه من قبلها خجولا لا يرقى لصناعة سينما جيدة، وما زال دورها يعتبر «قاصراً» بسبب عدم الاهتمام بها وقلة الوعي بأهميتها تلك.

مشاركة :