برغم كل الصعوبات والتحديات يبقى مجلس التعاون الخليجي الذي احتفلنا بمرور 33 عاماً على تأسيسه مطلع هذا الأسبوع رهاناً استراتيجياً لشعوب دول المجلس حاضراً ومستقبلاً فالوحدة الخليجية وتكامل قدرات دول مجلس التعاون هي صمام أمن واستقرار هذه الدول ومفتاح رفاهية وازدهار شعوبها. مجلس التعاون لم يكن أبداً نوعاً من الترف السياسي، فقد ولد المجلس في أتون حرب دامية هددت أمن الخليج واستقراره وتطاير شررها هنا وهناك وقد كان تأسيس المجلس في تلك الظروف الصعبة رؤية حكيمة وسديدة من جانب القادة المؤسسين فقد بدا واضحاً أن دول مجلس التعاون بحاجة إلى حشد طاقاتها وتجميع قواها تحت مظلة توفر الحماية للجميع، وقد نجح مجلس التعاون في أن يكون هذه المظلة الأمنية/ التنموية المشتركة وأثبت عبر السنوات وفي كل الأزمات والحروب التي عصفت بالمنطقة أنه كان خياراً صائباً وذكياً وأن مفهوم الأمن المشترك جعل فاتورة استهداف أي دولة من أعضاء المجلس عالية ومكلفة. لقد عزز مجلس التعاون من مكانة دوله وتأثيرها الإقليمي والدولي من خلال التنسيق السياسي والدبلوماسي وقنوات التشاور والتفاكر المفتوحة بين الدول الأعضاء على كل المستويات وفي كل الأوقات، وفي الوقت نفسه استطاع المجلس خلال العقود الثلاثة الماضية أن يضع الأسس والأطر والقوانين والأنظمة التي تؤسس لاتحاد خليجي كامل وحقيقي، فالاتفاقيات الدفاعية والأمنية بما في ذلك تشكيل قوة درع الجزيرة والجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، عززت أمن دول المجلس واستقرارها وقدرتها على التصدي للأخطار والمهددات، والاتفاقيات الاقتصادية قطعت شوطاً بعيداً نحو تحقيق التكامل الاقتصادي فقد انتقلت دول المجلس تدريجياً من منطقة التجارة الحرة عام 1983م إلى الاتحاد الجمركي عام 2003م ثم السوق الخليجية المشتركة عام 2008م وتضاعت التبادلات التجارية بين دول المجلس 40 مرة منذ عام 1981م، وسجلت الاستثمارات قفزة كبيرة وتهيأت لرجال الأعمال الخليجيين فرص العمل دون قيود، كما أن تسهيل حركة المواطنين بالبطاقة جعلت المواطن الخليجي يشعر أنه في بلده بغض النظر عن هويته الوطنية. وتحققت للمواطن الخليجي مكتسبات هائلة في مجال الخدمات والبنيات التحتية وتنمية الموارد البشرية من خلال البرامج والمشاريع المشتركة في مختلف المجالات، وتبنى مجلس التعاون في لجانه وهيئاته المتخصصة سلسلة من المشاريع الإستراتيجية في مجالات الربط الكهربائي والنقل والمياه وحماية البيئة. كل هذه المنجزات والمكتسبات شواهد ملموسة اليوم فى واقع حياة شعوب دول مجلس التعاون، لكن آمال وطموحات هذه الشعوب كانت أكبر والمبادرة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الرياض في ديسمبر عام 2011م للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد لتشكل دول المجلس كياناً واحداً يحقق الخير ويدفع الشر استجابة لتطلعات مواطني دول المجلس, جسدت بالفعل طموحات شعوب المنطقة وآمالها. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهت مجلس التعاون في الآونة الأخيرة بسبب خروج دولة قطر عن سياسات الإجماع الخليجي ومواثيق المجلس، فإن الأهمية الاستراتيجية لمجلس التعاون لأمن واستقرار وتنمية دول المجلس ستفرض نفسها كخيار حتمى في نهاية المطاف، فمجلس التعاون ولد ليبقى وفي ساعة الجد ستجد حتى قطر المتمردة اليوم أن حضن مجلس التعاون هو أمانها واستقرارها. رأي اليمامة
مشاركة :