دون زين الدين زيدان اسمه كلاعب مع ريال مدريد في تاريخ دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، بهدف من الأجمل في نهائي 2002. ومساء السبت، دون الفرنسي اسمه كمدرب مع النادي الملكي، بعدما أصبح أول مدرب منذ 27 عاماً يحتفظ بلقب المسابقة القارية الأبرز. ولم يحقق أي مدرب هذا الانجاز منذ أريغو ساكي مع ميلان الايطالي عامي 1989 و1990. وإضافة إلى تحقيق هذا الانجاز بعد كل هذا الوقت، بات زيدان أول مدرب يحققه في الصيغة الحديثة للمسابقة التي دخلت حيز التطبيق عام 1993. وحقق ساكي انجازه وهو في الرابعة والأربعين من العمر، وها هو زيدان يكرر التجربة في السن نفسها، الفارق أن ساكي كان غير معروف على مستوى واسع كلاعب، بينما دون زيدان اسمه في سجل عظماء اللعبة. فيلم سينمائي عشية المباراة النهائية مع يوفنتوس الايطالي في العاصمة الويلزية كارديف، والتي فاز بها ريال 4-1، قارن زيدان في تصريحات صحافية بين حياته وفيلم سينمائي، قائلاً «لو قلتم لي وأنا يافع انني سأختبر كل هذا، لم أكن لأصدقكم». صعود زيدان الصاروخي كمدرب هو مسار لافت في ذاته: تولى مسؤولية الجهاز الفني لريال في يناير 2016، في أول تجربة له مع فريق أول، بعدما «تتلمذ» على يد مدرب ريال مدريد السابق الإيطالي كارلو أنشيلوتي، وخاض تجربة مع الفريق الرديف. بعد أقل من خمسة أشهر، بات أول فرنسي يحرز لقب دوري الأبطال كلاعب ومن ثم كمدرب، أكمل موسمه الأول بالكأس السوبر الأوروبية، وفي نهاية العام 2016 مع كأس العالم للأندية. بعد عام، أضاف زيدان إلى رصيده لقب الدوري الأسباني (الأول لريال منذ 2012) والاحتفاظ بلقب دوري الأبطال، محققاً للنادي الملكي ثنائية أحزرها للمرة الأخيرة عام 1958. هل كان أحد يتوقع هذه المسيرة للفرنسي المتحدر من أصول جزائرية، والذي كان أقاربه ينادونه باسم «يزيد» في طفولته؟ الأرجح كلا، فالطفل الذي نشأ في منطقة كاستلان بمدينة مرسيليا الفرنسية التي أقام فيها أهله بعد هجرتهم من الجزائر عام 1960، خالف كل التوقعات وحرق المراحل في مسيرته الكروية، أكان على المستطيل الأخضر أو عند خط التماس وفي مقاعد الجهاز الفني. نجومية بدأ نجم زيدان يسطع مع يوفنتوس الإيطالي في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، إلا أن صانع الألعاب الموهوب فرض نجوميته على الساحة العالمية مساء 12 يوليو 1998 على ملعب «ستاد دو فرانس» في ضاحية سان دوني الباريسية. نهائي كأس العالم بين المضيفة فرنسا والبرازيل حاملة اللقب، جعل من «زيزو» معبود الجماهير الفرنسية، بعدما قاد منتخبه لفوز تاريخي 3-صفر، له منها هدفان من رأسية بعد ركلة ركنية. عرف زيدان نشوة الفوز وخيبة الخسارة في المحطة نفسها: نهائي مونديال 2006 في ألمانيا أمام إيطاليا. كان الفرنسي يخوض مباراته الأخيرة، وسجل هدف الافتتاح لفرنسا من ركلة جزاء على طريقة «بانينكا» في مرمى حارس المرمى المخضرم جانلويجي بوفون، إلا أنه بعد تلاسن، قام الفرنسي بـ «نطح» المدافع الإيطالي ماركو ماتيراتسي، ما دفع الحكم إلى طرده، حيث خرج من الملعب مطأطأ الرأس، وهو يرمق الكأس الذهبية بطرف عينيه. يحمل تحقيق زيدان إنجازه أمام يوفنتوس قيمة عاطفية للفرنسي، فبعد تجارب في كان وبوردو الفرنسيين، كان بروز النجم الفرنسي في مدينة تورينو الإيطالية، حيث تحول إلى أحد النجوم القلائل من غير الإيطاليين، المحبوبين من جماهير فريق «السيدة العجوز» (1996-2001)، وهي الفترة التي أحرز فيها إضافة إلى كأس العالم 1998، كأس أوروبا 2000، وجائزة الكرة الذهبية 1998. لم يتغير زيدان جسدياً كثيراً منذ تلك الفترة، باستثناء ربما أنه أصبح حليق الرأس بالكامل، لكن على المستوى الشخصي، بات تواصل زيدان مع الآخرين، أكانوا لاعبين أم صحافيين، أفضل من أي وقت. صورة عائلية في تقديمه الرسمي كمدرب لريال، حرص زيدان على تقديم صورة عائلية: وزع الابتسامات على الحاضرين، وجلست إلى جانبه زوجته فيرونيك وأبناؤه الأربعة، وبينهم انزو الذي أطلق عليه والده اسمه تيمناً بالأوروغواياني انزو فرانشيسكولي، ملهم «زيزو» الشاب كروياً. وبات انزو حالياً أحد اللاعبين الناشئين في تشكيلة ريال، واستدعاه زيدان من ضمن 25 لاعباً للمشاركة في نهائي دوري الأبطال. أراد زيدان من خلال صورته في المؤتمر الصحافي، أن يظهر بأن النادي الملكي هو ناد عائلي، وأنه سيكون مختلفاً عن سلفه رافايل بينيتيز ويطوي صفحته. شكك الكثيرون بقدرة زيدان على تحمل مسؤولية ناد من هذا الحجم وعلى هذا المستوى من النجوم والاحتراف... والمتطلبات، إلا أن زيدان خالف كمدرب، كما فعل سابقاً كلاعب، كل التوقعات. ويقول عنه زميله السابق في يوفنتوس، الاوروغواياني باولو مونتيرو «يستحق نجاحه، أنه يظهر اليوم أنه مدرب كبير، إنها مباراته النهائية الثانية (في دوري الأبطال) أو الثالثة إذا احتسبنا تلك التي خاضها كمساعد لانشيلوتي، كل ما حققه... يبقى مثلما هو، لم يتغير».
مشاركة :