يقول السيد وزير المالية إن رفع النمو والحماية الاجتماعية أهداف رئيسة للموازنة، ولا نعلم هل هذا كلام جاد أم تلاعب بالألفاظ؛ لأن "الإصلاحات" التي يقول باستكمالها، سواء ما رأيناه منها أو ما تظهره اتجاهات الموازنة، وباتساقهما مع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لا يؤيدان هذا الكلام؛ فنجد العديد من التناقضات بين تلك "الإصلاحات" وأهداف الحكومة المُعلنة؛ بل وبين بعض تلك الأهداف وبعضها الآخر، ومن دون غرق في التفاصيل لدينا التناقضات والملاحظات الرئيسية التالية : أولاً: تناقض بين خفض العجز كسياسة انكماشية ورفع معدل النمو، خصوصاً أن الانكماش استهدف الاستهلاك المحلي أكبر مُحرك للنمو الاقتصادي في مصر حتى الآن، ولا يُنتظر من الاستثمار الخاص -محلياً كان أو أجنبياً- بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتدهور الدخول؛ ومن ثم ضعف المدخرات وعدم الاستقرار النقدي والاقتصادي، ولا من الاستثمار العام قليل الكفاءة بسبب سوء التخصيص وغلبة توجيهه للبنية التحتية، فضلاً عن الإهدار بالفساد- أن يعوّضا كامل أثر انخفاض الاستهلاك. ثانياً: تناقض بين أدوات خفض العجز في الأجلين القصير والمتوسط؛ ففي الاقتصاد العام إذا أدرت اقتصادَك فقط بمنطقِ العجز المالي؛ عُوقبت بالمزيدِ منه، فاستخدام أدوات انكماشية متعجلة في الأجل القصير تقوم أساساً على خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، وفي ظل وضعية ركود وسوء توزيع للدخل؛ إنما يعني خفض إمكانات النمو الحقيقي بالاقتصاد في الأجلين القريب والمتوسط؛ ومن ثم خفض الإيرادات الضريبية التي تسعى الحكومة لزيادتها. ثالثاً: تفاؤل مُفرط من الحكومة فيما يتعلق بالقدرة على تحصيل الضرائب، حيث افترضت تحقيق قفزة تتجاوز 30% في عام واحد، وهو ضرب من الخيال في ضوء معرفتنا بضعف كفاءة الجهاز الضريبي وخبرتنا التاريخية بالعجز الحكومي المزمن في هذا المجال؛ وهكذا تتهاوى آمال تحقيق فوائض في الموازنات القادمة كما يأمل ويعد السيد وزير المالية. رابعاً: تناقض بين خفض سعر صرف العملة من خلال التعويم وادعاء بناء شبكات حماية اجتماعية؛ لأن المزايا المالية المُستهدفة من هذه السياسة تتأتى أساساً من خلال خفض الاستهلاك، وهو ما يعني أنه حتى حال تنفيذ شيء من هذه الشبكات، فسيكون رمزياً لذرّ الرماد في العيون، ولا يهتم حقاً برفع المعاناة عن كاهل الفقراء المُتضررين من هذه السياسة؛ لأن خفض استهلاكهم غاية في حد ذاتها! خامساً: ما يؤكد عدم جدية الحكومة فيما سبق من ادعاءات بزيادة مخصصات الدعم والأجور والخدمات من صحة وتعليم- هو أن معدلات نموها المذكورة جميعاً أقل من معدل التضخم، سواءً حسبناه على أساس صدمة التعويم وتغيّر العلاقة بين الجنيه والدولار أو على أساس أرقام الحكومة الرسمية المُخفضة بالطبع؛ ما يعني أنها قد انخفضت كقيمة حقيقية، ومن المعيب ادعاء بقائها على حالها، فضلاً عن ادعاء زيادتها. سادساً: كان من الضروري أن تفسّر الحكومة تقديرها المتفائل للدولار بـ16 جنيهاً، فلا يوجد ما يؤيده في الواقع الحالي ولا في المُعطيات الواقعية بالمستقبل القريب، خصوصاً مع تأكيدات العديد من الخبراء أن الدولار لن يستقر قبل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. سابعاً: تناقض أخير بين رغبة الحكومة في زيادة الإيرادات الضريبية وغلق المناخ السياسي العام، في ظل وضعية ركود وبطالة متفاقمة؛ ما سيهدد بتوترات سياسية، ففرض ضرائب جديدة يعني ضمناً ضرورة المزيد من المشاركة الشعبية في الحكم، وفقاً لمبدأ "لا ضرائب من دون تمثيل". وهكذا، لا يمكن الجمع طويلاً بين الفشل الاقتصادي وحلب المجتمع ضريبياً باستخدام القمع السياسي؛ وهو ما يعني عدم واقعية تقديرات الإيرادات والمصروفات ومن ثم العجز المالي، في ضوء تعاظم حالة عدم الاستقرار التي ستعززها سياسات وأوضاع عدائية وغير متوازنة كهذه! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :