الفقه الإسلامي قادر على مواكبة العصر مع الحفاظ على الثوابت

  • 6/5/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قال الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغي في كتابه الاجتهاد -والذي ينشر على حلقات بصحيفة «العرب» طوال شهر رمضان المعظم-: «نهض الفقه الإسلامي في عصرنا الحاضر مرة أخرى، واستطاع أن يثبت للعالم أنه فقه مرن قادر على مواكبة العصر مع الحفاظ على الثوابت والمستجدات، فقد أوجد الحلول المناسبة، بل المتطورة النافعة لمستجدات الاقتصاد والسياسة والطب، وكشف الدراسات والرسائل العلمية المقارنة بين الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية، والنظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية» مجالس فقهية متخصصة: «أيوفي، مجلس الخدمات، ندوة بركة». وأضاف: دفع تطور المؤسسات المالية الإسلامية «المصارف والتأمين» وحاجتها الملحة إلى الفتاوى المتخصصة في مجال الاقتصاد الإسلامي والمنتجات والقيود والصناعة المالية إلى إنشاء هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية في عام 1991 بالبحرين، حيث أصدرت إلى الآن 94 معياراً في مجال المحاسبة والمراجعة، وأخلاقيات العمل، والحوكمة، بالإضافة إلى المعايير الشرعية التي اعتمدتها المصارف المركزية والسلطات المالية في أكثر من 45 دولة في العالم، إما عن طريق إلزام المؤسسات المالية الإسلامية بها، أو الاسترشاد بها. إن عمل هيئة المحاسبة والمراجعة يختلف عن أعمال المجامع الفقهية التي تبحث الموضوع من خلال دراسات وبحوث، ثم تصدر القرار بالإجماع، أو بالغالبية فيها، حيث إن الهيئة تقوم بوضع المعايير لكل موضوع في ضوء الخطوات الآتية: 1 - عرض الموضوع على المجلس الشرعي الذي يتكون من المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات والصيرفة ونحوها. 2 - بعد موافقة المجلس على الموضوع يكلف أحد الباحثين -أو أكثر- بكتابة بحث معمق حوله، وتقديم معيار مفصل على شكل بنود قانونية، وتقديمه إلى إحدى لجان المجلس. 3 - تناقش اللجنة الفرعية البحث والمعيار، وتكلف الباحث بترتيب البحث والمعيار في ضوء ملاحظات اللجنة، ثم تناقشهما اللجنة للوصول إلى قناعة بصلاحية المعيار، أو رده مرة أخرى إلى الباحث للتعديلات المطلوبة. 4 - بعد ذلك ترفع اللجنة -عبر أمانة المجلس- المعيار إلى المجلس، لمناقشته في جلسة واحدة أو أكثر، وقد يستدعي الأمر إرجاع المعيار إلى اللجنة لمزيد من المناقشات، كما قد يستدعي عقد ندوات وحلقات نقاش حوله. 5 - بعد الإجراءات السابقة يعتمد المعيار في صورته النهائية، وبصياغة قانونية مفهومة، وبيان مجمل الأدلة والشروح لما يحتاج إليه المعيار. فهذا العمل في غاية الأهمية للمؤسسات المالية الإسلامية، حيث توجد أمامها هذه المعايير الشرعية والمحاسبية، ومعايير الضبط التي كتبت بلغة مفهومة تسهل الاستفادة منها، كما أنها ساعدت المؤسسات المالية التقليدية على سرعة تفهمها لأحكام الشريعة الإسلامية، في نطاق الصيرفة والصناعة والهندسة المالية، وفي نطاق الضبط. 6 - ثم يعرض المعيار على مؤتمر عام سنوي تدعى إليه المؤسسات المالية الإسلامية، لمناقشته وإبداء الملاحظات حوله، والتي ستؤخذ بعين الاعتبار. ثانياً: مجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا، والذي يهدف إلى تطوير وتعزيز، ومتانة صناعة الخدمات المالية الإسلامية، واستقرارها، وإصدار معايير إرشادية في مجالات الحوكمة والضبط، والمخاطر، والائتمان، بالإضافة إلى تنظيم حلقات نقاشية وندوات علمية للسلطات الرقابية، وأصحاب المصالح المهتمين بهذه الصناعة. وقد أصدر حتى الآن عدة معايير: وكان أولها: معيار المبادئ الإرشادية لإدارة المخاطر للمؤسسات -عدا مؤسسات التأمين- في ديسمبر عام 2005م. وثانيها: المعيار الخاص بكتابة رأس المال. وثالثها: لضوابط إدارة المؤسسات. ورابعها: معيار الإفصاحات لتعزيز الشفافية، وانضباط السوق للمؤسسات المالية الإسلامية. وهكذا حيث بلغ عدد معاييرها إلى أبريل 2016م ثمانية عشر معياراً. وهذه المعايير في غاية الأهمية، حيث تكمل المعايير السابقة في الجوانب الفنية المهنية. ثالثاً: المؤتمرات والندوات المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي، التي تعد ندوات البركة من أهمها وأكثرها استمراراً. فقد قامت مجموعة البركة برئاسة الشيخ صالح كامل منذ عام 1400هـ بالمدينة المنورة، أي منذ مطلع القرن الخامس عشر الهجري بترتيب ندوات اقتصادية منظمة في كل عام غرة شهر رمضان المبارك، فتعرض فيها بعض المستجدات والمسائل المهمة، التي تحتاجها المؤسسات المالية الإسلامية، فتناقش فيها، وتصدر فيها فتاوى جماعية. والميزة الجيدة لها أن الندوة تجمع العلماء المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي، وفقه المعاملات المالية المعاصرة، مع المسؤولين في المصارف الإسلامية، حتى تكون الفتاوى مراعية حاجتها مع ضوابطها الشرعية وخطواتها العملية. وقد بلغ عدد الندوات الاقتصادية في هذا العام -1437هـ- سبعاً وثلاثين ندوة، وقد تسبقها ورش العمل لأجل مزيد من الانفتاح. رابعاً: الندوات المنظمة الخاصة بالقضايا الطبية. فقد أنشئت في الكويت في 1984م المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، تستهدف إحياء تعاليم الإسلام المتعلقة بعلاج مختلف الأمراض، وإحياء التراث الإسلامي الطبي، وتضافُرِ الجهود الطبية والفقهية؛ لبيان الأحكام الفقهية للمستجدات الطبية، ودور العلماء المسلمين في تطوير العلوم الطبية. وقامت هذه المنظمة بستة مؤتمرات، وعدة ندوات علمية في غاية الأهمية، جمعت من الفقهاء وعلماء العلوم الجنائية للوصول إلى بيان الأحكام الشرعية للمستجدات الطبية، فكانت الندوة الأولى في 11 شعبان 1403هـ، 24 مايو 1983م، حول الإنجاب في ضوء الإسلام، صدرت منها عدة فتاوى وتوصيات حول أطفال الأنابيب، والإجهاض، وبنوك الحليب البشري، ونحوها. وكانت الندوة الثانية في 24 ربيع الآخر 1405هـ، 15 يناير 1985م، حول الحياة الإنسانية، بدايتها، ونهايتها، في المفهوم الإسلامي، وهكذا. فهذه الندوات الطبية، وفتاواها الصادرة منها، وبحوثها وكتبها لا يجوز -في نظري- إهمالها لمن يتعرض للفتوى في القضايا الطبية، أو الاجتهاد فيها، لأنها تتضمن معلومات دقيقة حاسمة بين التأصيل الفقهي، والتوضيح الطبي الدقيق، والكشف عن الخبايا والزوايا التي تتعلق بالموضوع المبحوث عنه، والتي لا يمكن للفقيه الوصول إليها بدون الاعتماد على هذه المعلومات، وقد قال الله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، وأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. تعود مصادر الاجتهاد ومرجعيته على التحقيق إلى الوحي «الكتاب والسنة» ثم الاجتهاد من أهله وفي محله وبشروطه، فالحكم الشرعي التكليفي من التحليل والتحريم ونحوهما هو حق الله تعالى وحده، ولكنه سمح لعباده العلماء الربانيين أن يجتهدوا لبيان الحكم الشرعي بالوسائل والطرق المناسبة من القياس، والاستصحاب والاستصلاح ونحوها.;

مشاركة :