الملك حسين استشرف الكارثة وأخبر عبد الناصر عن حرب مقبلة توقع مصر في الفخ.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/06/05، العدد: 10654، ص(6)]لقد كانت ورطة صعبة نعرض في هذه السطور لمشهد حرب يونيو 1967 من الجانبين الفلسطيني والأردني وحسب، دون أن نتحاشى واقع التلازم الطبيعي بين هذين الجانبين، مع جذر الحكاية في مصر التي كانت هدفا وحيدا في الخطة الأولى للحرب، لكي يسقط نظامها القومي وتتبدّل وجهتها، ثم فَرَض جنرالات إسرائيل على أصحاب الخطة وعلى رئيس وزرائهم وقادتهم السياسيين أن تصبح الضفة الفلسطينية هدفا أساسيا. مرّت مياه كثيرة في مجرى الأحداث قبل أن تتسارع التطورات وتأخذ المشهد الإقليمي بديناميات قويّة إلى حرب يونيو 1967. لم يكن التحليل المنطقي المبكّر لما حدث في الأسابيع القليلة قبل نشوب تلك الحرب يخالف الحقائق التي كشفت عنها الوثائق في ما بعد. كانت عوامل البترول وتكريس إسرائيل كقوة استراتيجية آمنة وفعّالة وتحسس المخاطر من زحف حركة التحرر العربي التي تسعى إلى تصفية النفوذ الاستعماري من بين الأسباب التي حثت على الحرب وصنعت الحيل الاستراتيجية التي اقتضتها. فمنذ الإطاحة بالحكم الإمامي في اليمن في سبتمبر 1962 وتعاظم الزخم الذي شهدته حركة النضال الوطني في الجنوب بدأت الأمور تأخذ منحى استراتيجيا لصالح حركة التحرر العربية وتقترب بها من الجدارة في ملء الفراغ الأمني الإقليمي للمرة الأولى منذ عهود تاريخية طويلة. عندما نجحت ثورة الجيش اليمني تحسس البريطانيون والأميركيون الخطر وأثاروا ذعر السعودية وليس أكثر تعبيرا عن هذه الوجهة وتكثيفا لمقاصدها، مما ذكره في مذكراته السير دوغلاس رايت، رئيس المخابرات البريطانية آنذاك، عندما قال إنه حذّر الأمير فيصل بن عبدالعزيز قبل أن يصبح ملكا. وقال له بالحرف “إن نجاح الكولونيل ناصر في الحصول على موطئ قدم لطموحاته الانقلابية في الجزيرة العربية، وهي أهم مصادر البترول واحتياطاته في العالم، هو نذير شؤم، يجب أن تتعاون الأطراف كلها، ممن لها مصلحة في ذلك، على مقاومته ودحضه”. كان لا بد من تحقيق الهدفين الاستراتيجيين وهما تأمين إسرائيل وتكريسها كقوة استراتيجية أولى في الإقليم والحفاظ على مواقع النفوذ للغرب في منطقة سابحة فوق بحر من الزيت، حسب تعبير أحد الدهاة الاستعماريين. باختصار، كان لا بد لجمال عبدالناصر أن يلتزم حدوده إن لم يغب نهائيا وينتهي دوره. وفي الحقيقة كان عبدالناصر يخوض في كل سنة أكثر من معركة مع أوساط الغرب الاستعماري الذي تعمد وضعه دائما في ظروف ضاغطة من خلال مشكلات متتالية، داخلية وخارجية، شاركت فيها القوى ذات المصلحة في كبح جماحه وتغييبه، وكانت تراه يتهدد وجودها وأنظمتها. وظلت تلك الضغوط تتخذ أشكالا عدة من بينها التركيز على الأحلاف بذريعة منع انتشار الشيوعية وتمدد النفوذ السوفييتي ومرة بـ”الإخوان” واستخدام الدين ومرة بالعدوان المباشر، مثلما حدث في أكتوبر 1956 ومرة بالقمح والتضييق الاقتصادي، ومرات بتلغيم العلاقة المصرية السعودية، وكان ذلك سعيا مبكرا شرحه الرئيس الأميركي أيزنهاور في مذكراته. في حديث الوثائق (ولا مبرر للتكتم على ما أفصحت عنه) بدأ منذ العام 1964 عمل الولايات المتحدة الأميركية حصرا للإطاحة بجمال عبدالناصر أو إلحاق المصيبة به لكي ينشغل في الفكاك منها سنين طويلة. كان ذلك بالتعاون مع السعودية التي أصبح فيصل ملكها، بعد إطاحة سعود في ربيع تلك السنة. والتحريض الأميركي هو الذي جعل الملك فيصل، في السنوات الثلاث التي سبقت حرب يونيو 1967 شديد التطرف ضد جمال عبدالناصر. فقد كان يتوهم أن عبدالناصر يشكل على الأسرة الحاكمة خطرا وجوديا. وهذا هو الذي جعله طرفا في الخطة التي وضعت في العام 1964 وكان ليفي إشكول رئيس وزراء إسرائيل طرفها الثالث. تلك الخطة، التي أعدت في واشنطن، وأعطاها الرئيس ليندون جونسون اسما مشفرا هو “اصطياد الديك الرومي”. فقد وُصف جمال عبدالناصر، الذي بدا في نظر الرئيس جونسون يمشي بخيلاء، كديك رومي يجب اصطياده. يجدر التنويه إلى كون المنطق السعودي حيال مثل هذه الأحداث كان شديد التعقيد والتناقض بحكم اعتبارات وحسابات متنوعة ومتناقضة. فمن جهة، تكون أولوية السياسة السعودية، هي الحفاظ على حكم الأسرة التي خلعت اسمها على البلاد، وهذه مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها. أما عندما يخلو الأمر، من أي تهديد أو من هواجس الخوف على الحكم، فبمقدور الآخرين أن يروا الكثير من المواقف المتضامنة، وقد حدث ذلك، بعد أن وقعت الفأس في الرأس، ووقعت الحرب وابتلي عبدالناصر. إذ أصبحت السعودية، وفق مقررات قمة الخرطوم في أغسطس 1967 في طليعة مساندي مصر ماديا حتى “إزالة آثار العدوان”. وقبلها كان الملك سعود بن عبدالعزيز في طليعة المتضامنين مع مصر، أثناء العدوان الثلاثي على مصر. بل إن الملك سلمان، العاهل السعودي الحالي، كان من بين الشباب الذي سافروا إلى مصر والتحقوا بالقوة المستعدة للقتال ضد العدوان.كان الملك حسين أكثر الأطراف إلماما بمجريات الأمور. وكان على يقين أن إسرائيل التي قبلت ضم الضفة إلى الأردن على مضض لن تفوت أي فرصة لكي تحتلها اصطياد الديك الرومي في خطة “اصطياد الديك الرومي” كان التكتيك الأبرز هو نفسه الذي اتبعه الأميركيون مع صدام حسين منذ مستهل العام 1990: افتعال الكثير من القصص والمواقف التي تبدو حقيقية لتقريب الطرف العربي من الحرب أو من الفخ، والدفع إلى اختلاق عشرات الوقائع، التي تبدو تلقائية حقيقية وتعكس طبائع الأشياء، وهي مفتعلة ومخادعة، لكي يبتلع الهدف الطُعم، ولسنا في هذا السياق، بصدد الحديث عن الطُعم الأميركي الذي ابتلعه صدام حسين ودفعه إلى الكويت. الشيء نفسه، حدث مع جمال عبدالناصر. والفارق بين عبدالناصر وصدام أن الأول كانت لديه فكرة إلى حد ما عن هدف الأميركيين وحلفائهم، من خلال تسريبات كانت تتلقاها الأجهزة المصرية من البنتاغون. لذا كان عبدالناصر يقابل مطالبات القوى القومية المتشددة، التي تتعجل المعركة مع إسرائيل، بكلام معناه أنه لن يخوض حربا. وبالطبع، كان إعلام حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مطالبا بالإسهام في تقريب عبدالناصر من الحرب من خلال تعييره صباح مساء، ببند من نتائج حرب 1956 وهو السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور من مضائق تيران. وكان طبيعيا، على خط التطورات، ألا يقف عبدالناصر متفرجا في حال طُرحت فرضية أن إسرائيل تحشد للهجوم على سوريا. فقد كان أقل ما يمكن أن يفعله، هو خلق وضع يجعل القوة المصرية أمام العدو معطوفة على القوة السورية. وبدل من أن تذهب الأمور إلى نزع فتيل التوتر وتكريس مبدأ عدم الاعتداء على سوريا لتجنّب الحرب، ظلت الأمور تتصاعد، فكان التوجه المصري إلى الطلب من قائد القوات الدولية في سيناء إعادة انتشار قواته. وظل جمال عبدالناصر يناقش الجوانب القانونية في مسألة الطلب من قوات الأمم المتحدة إعادة الانتشار، وهو الذي غيّر بخط يده التعبيرات باللغة الإنكليزية التي قد توحي بأنه يطالب بانسحاب وليس بإعادة انتشار. لكن نائب الأمين العام للأمم المتحدة رالف بانش وهو رجل واشنطن في الأمم المتحدة، تبنّى فكرة أن مصر تطلب مغادرة قوات الطوارئ، لكي يجري تثبيت مسألة وقف الملاحة في خليج العقبة، وهذا ما لقي رد الفعل من القوات المسلحة المصرية بقرار إغلاق خليج العقبة يوم 23 مايو 1967. كان تحريك القوات المصرية لتتخذ مواقع دفاعية في سيناء، دون أن تتوافر شبه جزيرة سيناء على بنية تحتية لاستيعاب القوات لنزع فتيل حرب مفترضة تشنها إسرائيل على سوريا بذريعة النشاط الفدائي لحركة فتح. وكان الموقف المصري واضحا، وهو أنّ لا حرب إلا في حال الهجوم على سوريا. على رقعة الشطرنج الإسرائيلية تلقت الأوساط العسكرية نبأ طلب مصر إعادة انتشار قوات الطوارئ على حدودها الشرقية باعتبار ذلك تطورا يفتح الطريق إلى الهجوم الاستباقي ويوفر الفرصة التي يريدونها. وفي سياق معادلات الحكم في إسرائيل، آنذاك، كان المعلم العجوز، ديفيد بن غوريون، يوجه من مستعمرته في النقب “سيدي بوكر” أبناءه الذين أصبحوا جنرالات، ويضع لهم خطط الحركة ويوجههم لمقارعة رئيس الحكومة ليفي إشكول الضعيف، لكي يفرضوا عليه التوجه الاستراتيجي وهو أن يعطيهم الأمر بالهجوم فورا ودون إبطاء، وأن يسمح لهم بالتوجه شرقا مع التوجه جنوبا، لأنهم لن يقبلوا بأن تكون مكافأة إسرائيل هي مجرد احتلال سيناء. فقد صمّم هؤلاء، على احتلال الضفة، التي وصفوها بأنها “جزء محتل من أرض إسرائيل”. لذا فإن لم يتلقّ الجنرالات الأوامر الصريحة بذلك، فلن يمتثلوا إلا “لتعليمات التاريخ اليهودي وحده” حسب تعبير أحدهم. وظلّ الجنرالات متمسكين بموقفهم بعدما واجههم ليفي إشكول بتحفظات الإدارة الأميركية على نوايا الجنرالات التي ستضرب صدقية الولايات المتحدة في تعاملها مع حلفائها في الشرق الأوسط، وأن من الصعوبة بمكان شنّ الحرب على الأردن بحكم أن واشنطن ترعى منذ الهجوم الإسرائيلي على بلدة السموع في جنوبي الضفة في نوفمبر 1966 تفاهما أردنيا إسرائيليا يقايض شيئا بشيء: ألا تسمح الأردن بمرابطة أيّ قوات عربية في الأردن، مقابل ألا تكون الأردن هدفا لهجوم إسرائيلي. أحد عشر جنرالا يمثّلون كل الجيش تكتلوا وأغلظوا القول لرئيس وزرائهم ليفي إشكول، فيما هو يتوسّلهم أن يصبروا. وكان أكثر هؤلاء حدة وتطرفا هو الجنرال عازار وايزمان، قائد الطيران، وهو أحد الذين يعلمون بخطة “اصطياد الديك الرومي” التي كان إشكول نفسه وبن غوريون وغولدا مائير وإسحق رابين بصفته رئيس الأركان وشمعون بيرس على علم بها.كان طبيعيا، على خط التطورات، ألا يقف عبدالناصر متفرجا في حال طُرحت فرضية أن إسرائيل تحشد للهجوم على سوريا. فقد كان أقل ما يمكن أن يفعله، هو خلق وضع يجعل القوة المصرية أمام العدو معطوفة على القوة السورية مأزق الملك حسين كان الملك حسين، عاهل الأردن، أكثر الأطراف إلماما بمجريات الأمور لما له من خيوط وقنوات اتصال في كل الاتجاهات، ولا يفارقه القلق على العرش الأخير للهاشميين في المنطقة. وكانت تجربة جده الملك عبدالله، وقد أطلع حفيده الملك على كل وثائقها وأوراقها، سببا لأن يشعر باليقين، أن إسرائيل التي قبلت ضم الضفة إلى الأردن على مضض لن تفوّت أيّ فرصة تسنح لها، لكي تحتلها. ولهذا السبب، تعمد الرجل أن يغامر بعلاقاته العربية وأن يتقبل الخصومة العسيرة مع جمال عبدالناصر للحفاظ على التفاهم الهش الذي يقايض عدم السماح لقوات عربية بالمرابطة على أطول حدود عربية مع إسرائيل، مقابل ألاّ تهاجم إسرائيل الضفة وتحتلها. لكن الملك حسين عندما علم، عن طريق خيوط اتصالاته الكثيرة، أن الحرب ستندلع وأن إسرائيل ستهجم، وجاء موعد التوقعات التي أكد عليها جده الذي اقترب من التحالف مع بن غوريون، ولم يحظ بمجرد رضاه عن ضم الضفة؛ ارتبكت كل الحسابات عنده، وأحس بالمأزق. فهو الذي كان قبل أسابيع يعلن عن مقاطعة الأردن التامة للمؤسسات التي نشأت عن القمم العربية، وهي ثلاثة، وتتعلق كلها بمواجهة إسرائيل: القيادة العربية الموحدة، بقيادة المشير علي علي عامر، ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد الشقيري، ومشروع استباق تحويل مجرى نهر الأردن. فماذا عليه أن يفعل الآن؟ يتضح من خلال ما فعل أنه كان على علم بخطة “اصطياد الديك الرومي”. فقبل أن تظهر الوثائق نشأت الشكوك عند جمال عبدالناصر نفسه، عندما سافر الملك حسين إلى القاهرة يوم 2 يونيو 1967 وبدا من خلال المحادثات أنه انقلب من النقيض إلى النقيض، في غضون الساعة التي استغرقتها الرحلة من عمان إلى القاهرة، وهذا ما وضعه عبدالناصر في الحسبان. وكانت حقيقة ما جرى، أن رسائل الملك حسين للرئيس جونسون، لكي يطمئنه على وضع العرش والضفة، لم تلق جوابا حاسما، وإنما تلقت أجوبة تحتمل الشيء ونقيضه. لكن الإشارات تكاثرت ودلت على أن الملك حسين كان في صورة النقاشات التي تجري في كواليس الحكم في إسرائيل، ويعلم بفوعة الجنرالات، وأدرك أن احتلال الضفة حاصل حاصل. وقد أكد على ذلك في كتاب مذكراته “مهنتي كملك” إذ قال إنه ظل على قناعة بأن إسرائيل لن تفوّت فرصتها في تحقيق حلم “أرض إسرائيل الكاملة” وهو لا يملك وسائل للدفاع ضدها. وشرح موقفه حيال هذا المصير قائلا “إن الخطة الموجود للدفاع عن الضفة الغربية هي كما تركها غلوب باشا، الإنكليزي قائد جيشه، وهي تقضي بالانسحاب من الضفة في حال هجوم إسرائيلي والاعتماد على الضغط العربي لاستعادتها مرة ثانية”. وحسب مذكراته، فإنه لم يكن موافقا على الخطة، بل هي كانت أحد أسباب طرد غلوب في العام 1955 لكنه لم يعثر على بديل يعوضها بخطة أخرى لأن موازين القوى الحقيقية لم تكن تسمح بذلك. عندما أصبح الملك حسين على علم بما سيحدث، في الأسبوع الأخير من أبريل 1967 تدبر أمره في مسألة الاتصال، عندما كانت كل الخطوط مع القاهرة مقطوعة. تذكر زميله في الدراسة، في كليتي فيكتوريا الثانوية في الإسكندرية، وساند هيرست العسكرية في لندن، وهو الفريق (والشهيد في ما بعد) عبدالمنعم رياض، الذي كان آنذاك رئيس أركان القيادة العربية الموحدة. طلب الملك عبدالمنعم رياض للحضور. وكان الأخير قد أعد نفسه للإجابة عن أسئلة محددة، لكنه أدرك بعد سماع الملك حسين، أن الأمر مختلف وشديد السرية، إذ طالبه العاهل الأردني عندما استأذنه رياض في أن يدوّن بعض ما يقول، بأن يحافظ على سرية المفكّرة. وكان الملك حسين يتحدث عن أمر الحرب التي ستندلع ووصفها بأنها فخ أعدّ لمصر، ولكي لا يُفهم من كلامه أنه تلقى هذه المعلومات من إسرائيل وأميركا، فقد اختلق حكاية أخرى، يُفهم منها أن معلوماته من خيوط له في سوريا، ولديه معلومات أن “الجماعة” الذين يحكمون في دمشق، مخترقون، وفيما هم يزعمون التشدد القومي، ليسوا إلا ضالعين في خطة الإيقاع بمصر، ونصب الفخ لها! في ذلك اللقاء بين حسين ورياض، الذي قرأ جمال عبدالناصر تقريرا بفحواه، بَدّل الملك حسين وصف الاصطياد وجعله الفخ، وبدّل الصياد وجعله السوري الذي يشارك في نصب الفخ. لكن عبدالناصر بعد يوم واحد، تلقى تقريرا من رجل مخابراته علي إسماعيل وزوجته، اللذين سافرا إلى الولايات المتحدة كطالبي دراسات عليا، واخترقا بعض العاملين في البنتاغون. كان فيه محضر لقاء قائد عام الجيش الأردني عامر خماش، مع السفير الأميركي لدى الأردن فيندلي بيرنز، يفهم منه أن لدى الملك حسين علما أكيدا بوقوع الحرب، إذ طلب إبعاد طائرات أميركية موجودة في الأردن، وإبعاد سفينة قادمة إلى العقبة فيها سلاح للأردن، والتحفظ عليها في ميناء “عصب” الإثيوبي.كانت لدى الملك حسين قناعة بأن الكارثة مقبلة وأن وضعه سيكون سيئا في كل الأحوال. لذا كان خياره الجديد الإمساك بتلابيب عبدالناصر، لكي يصبح بعد الحرب، إما شريكا في النصر أو بعيدا عن الهزيمة كانت لدى الملك حسين قناعة بأن الكارثة مقبلة وأن وضعه سيكون سيئا في كل الأحوال. لذا كان خياره الجديد الإمساك بتلابيب عبدالناصر، لكي يصبح بعد الحرب، إما شريكا في النصر أو بعيدا عن الهزيمة. لذا حرص على أن يكون قائد الجبهة هو نفسه صديقه المصري عبدالمنعم رياض، الذي لم يكد يرى المشهد، حتى اندلعت الحرب، ونُفذت خطة غلوب باشا، وكان رياض شاهد “ماشفش حاجة”. قطاع غزة منذ أن طرحت فكرة طلب إعادة انتشار قوات الطوارئ الدولية، اختلطت نقاشات عبدالناصر حول الأمر مع القادة العسكريين ومع محمد فوزي نائب رئيس الوزراء للشؤون الخارجية بالقلق على مصير قطاع غزة تحديدا. وكان محمد فوزي يمثل الطرف المصري في الاتفاق مع أمين عام الأمم المتحدة السابق داغ همرشولد، على دخول قوات الطوارئ الدولية إلى سيناء وشرم الشيخ. وفي اللحظات الحرجة قال عبدالناصر إن قطاع غزة، في حال نشوب عمليات عسكرية، سوف يكون أول الأهداف التي قد تتجه إليها إسرائيل. فالدفاع عن القطاع صعب عسكريا، لأنه أشبه ما يكون بشريط ضيق على منحنى البحر. وفي مقدور إسرائيل أن تقطعه وتعزله عن مصر ثم تحتله بضربة واحدة، وإذا حدث ذلك فإنه سيكون صدمة عنيفة في أول أيام القتال. وقال جمال عبدالناصر إنه كمدرس استراتيجيا سابق في الكلية العسكرية يعتقد أن حشد أكبر قدر من القوات في القطاع للدفاع عنه هو عملية تعزيز لوضع خاسر مقدما. فأيّ قوات تدخل إلى غزة ليس لديها مجال للمناورة أو للحركة، ومن المحتمل أن يتم عزلها عن مجموع الجيش الرئيسي في سيناء من أول ضربة. على الرغم من ذلك، لم يكن سكان قطاع غزة يشعرون بنقطة الضعف الاستراتيجية المقررة في حسابات الميدان وكانت حماستهم قد وصلت عنان السماء. من جانبه، حرص الحكم المصري آنذاك في القطاع على توزيع السلاح على المواطنين عن طريق منظمة التحرير الفلسطينية، لكي تصبح عملية التوغل في قطاع غزة مكلفة، وهكذا كان، إذ ظلت المعارك دائرة مع القوات الإسرائيلية المهاجمة، منذ صباح يوم الاثنين 5 يونيو حتى العاشر منه، بينما كانت القوات الإسرائيلية قد وصلت إلى الضفة الشرقية لقناة السويس. وكان عدد من الوحدات العسكرية المصرية يهاجم القوات الإسرائيلية من الأجناب، رغم الانسحاب العشوائي لمعظم القوات التي فقدت الغطاء الجوي واحترقت آلياتها ودباباتها. كان في مدينة خان يونس، في جنوبي قطاع غزة، مركز القوات العسكرية ولواء عين جالوت. وانضم إلى هؤلاء متطوعون فلسطينيون، فضلا عن وجود وحدات مصرية وضباط اتصالات، وبعض المضادات الأرضية للطائرات، استطاعت في اليوم الأول، إسقاط طائرتين وأسر طيار وترحيله سريعا إلى القاهرة. وأبلى المقاتلون بلاء حسنا في خان يونس، وفي مناطق أخرى من القطاع، كمنطقة المنطار شرق مدينة غزة وفي شرق مدينة رفح والمنطقة الوسطى من القطاع. وقُتل قائد فرقة إسرائيلية مدرعة في خان يونس و34 من ضباطه، حسب اعترافات المؤرخين العسكريين الإسرائيليين. وكان للبنادق نصف الآلية التي وزعتها منظمة التحرير الفلسطينية بترتيب مع هيئة الأركان المصرية مفعولها في المواجهات التي جرت في الشوارع. وبالفعل كان التوغل في قطاع غزة مكلفا في العتاد والأرواح. جاء خطاب التنحي الذي ألقاه الرئيس جمال عبدالناصر في ختام الحرب صادما للفلسطينيين، لكنهم خبأوا سلاحهم الذي سرعان ما انتشلوه من المخابئ لمفاعيل أخرى، من خلال المقاومة. ولم تكن تلك الوفرة من السلاح والذخيرة متاحة للفلسطينيين في الضفة. كان من نتائج تلك الحرب أن ضمّ الاحتلال الإسرائيلي ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، وهو الاحتلال الذي لا يزال قائما في الضفة ويفرض الحصار على غزة، ويُعد شوكة في عين العالم وواقعا نشازا، ضاغطا على الضمير الإنساني. كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
مشاركة :