الانقسام الفلسطيني يغني إسرائيل عن حروب جديدة ، ومواجهة تداعيات الحرب تحتاج إلى مصارحة: لماذا وقعت النكسة واستمرت.العرب أحمد فؤاد أنور [نُشر في 2017/06/05، العدد: 10654، ص(9)]تهجير مستمر القاهرة – خمسون عاما من التشبث بالأمل والسعي لاسترداد الحقوق وتبقى الأسئلة الكبرى عالقة، لماذا وقعت النكسة واستمرت؟ وهل يمكن أن يتكرر العدوان بصور أخرى؟ وكيف يمكن توظيف الشرعية الدولية لتقليل الخسائر؟ وإلى أين يقود الانقسام الفلسطيني؟ باختصار ماذا فعل نصف قرن بالشعب الفلسطيني؟ تصريحات السياسيين والمتخصصين لـ”العرب” تشي بأن “ترمومتر التفاؤل” إزاء نتائج حرب 5 يونيو متفاوت وأن سبل الحل تكاد تكون متبلورة وتبقى فقط إرادة التنفيذ والحسم بخطوات وإجراءات تتسم بالتجرد في مواجهة خطر داهم لا يزال يحيق بالجميع. البداية كانت عند أمين سرّ المجلس الوطني الفلسطيني السفير محمد صبيح، الذي ربط بين التاريخ والواقع المرير مؤكدا أنه يجب أنّ نعي أن النكسة جاءت بمثابة حلقة من حلقات مسلسل طويل يستهدف الأمة العربية بكاملها، بدأ مع سايكس بيكو، لكنه تنامي في حرب 1948 حيث صدر قرار تقسيم فلسطين على غير رغبة الفلسطينيين والعرب، الذين تقدّموا بمشروعات تم رفضها والإصرار على إقامة إسرائيل كقاعدة ينطلق منها العدوان ولا يزال، قبل 67 كان هناك عدوان ثلاثي على مصر. ويرى محمد صبيح أن الأمر يحتاج موقفا عربيا قويا لأن المنطقة تعيش الحلقات الأصعب من مسلسل يونيو 67. ويخلص إلى أن مواجهة تداعيات حرب يونيو المستمرّة تحتاج إلى مصارحة لأنه حان الوقت لاستبصار ما هو قادم وأن تسعى كل الأطراف للوحدة، مشددا على أهمية إنهاء الانقسام الفلسطيني أولا. الشعب الفلسطيني لن ينسى "كانت مَوْقِعَة في حرب مازالت مستعرة منذ أكثر من قرن"، هكذا بدأ إلياس نصرالله، الكاتب والصحافي الفلسطيني، تصريحاته لـ"العرب". وعن الحرب وما تركته بشكل شخصي عليه، يقول إلياس نصر الله لـ“العرب”، “كنت في العشرين من عمري عندما وقعت حرب العام 1967، ولن أنسى كيف أطلق الإسرائيليون عليها اسم حرب الأيام الستة، لأن الله خلق العالم في ستة أيام وارتاح في اليوم السابع، فاعتقدوا أنهم سيرتاحون بعد هذه الحرب، لكنّ حلمهم لم يتحقق، فالمواجهات اليومية مع المحتل تتجسّد بأشكالها المتعددة بين الفلسطينيين بمختلف فئاتهم وأماكن وجودهم، بمن فيهم الأسرى داخل السجون الإسرائيلية الذين سطروا صمودا أسطوريا بإضرابهم عن الطعام أربعين يوماً إلى أن رضخ المحتل لمطالبهم، هي أكبر دليل على أن حرب يونيو لم تعد حرب الأيام الستة بل هي حرب مستمرة، وهي مَوْقِعَة في حرب ما زالت مستعرة منذ أكثر من قرن”.الانقسام الفلسطيني شكل طعنة في ظهر القضية الفلسطينية نتيجة انقلاب حركة حماس عام 2007 الشيء الذي أدى إلى فصل القطاع عن الضفة والقدس ودفع الاحتلال لأن يتهرب من أيّ استحقاقات مترتبة عليه ويضيف نصرالله “أذكر عندما انتقلت للعيش في القدس عام 1967 بعد الحرب بشهرين كيف كانت عمليات الهدم وجرف الأحياء العربية في المدينة جارية على قدم وساق ضمن مخطط تهويد القدس، فالأموال التي صرفتها الحركة الصهيونية في هذه العملية خيالية، وجاء معظمها من الولايات المتحدة على شكل هبات حكومية وتبرّعات من اليهود الأميركيين الذين تهرّبوا بتبرعاتهم من دفع الضرائب وهي من الضخامة بأنها لو صرفت في الولايات المتحدة لكانت كافية لإخراج الولايات المتحدة من أزماتها الاقتصادية وإعالة الأميركيين على مدى قرون أو أكثر. لكن عملية التهويد هذه فشلت، لسبب واحد بسيط أن الوجود الفلسطيني في المدينة تضاعف خلال السنوات الخمسين الماضية وفشلت الأبنية القبيحة التي بناها المحتل على عجل في المدينة في طمس طابعها العربي الإسلامي والمسيحي، وما بناء تلك الأبنية سوى دليل على الذوق المريض لدى الإسرائيليين لعدم انسجامها مع الطابع التراثي الأصيل للمدينة بقبة الصخرة المذهبة ومساجد القدس العظيمة وكنائسها”. وفي نقاط محددة وموضوعية نوه بركات الفرا، سفير فلسطين بالقاهرة ومندوبها الدائم السابق لدى جامعة الدول العربية إلى حال الفلسطينيين والعرب وهم يستقبلون الذكرى الخمسين للنكسة، فقال لـ”العرب” وكأنه يضع وصفة علاج: - أولا: نكسة عام 1967 صدمة كان لها وقع عنيف جدا على العرب عامة ومصر وسوريا وفلسطين والأردن بصفة خاصة. لقد جعلت الناس يفيقون من حلم جميل ليجدوه كابوسا تقشعر له الأبدان، جيوش ثلاث دول تنهار أمام الجيش الإسرائيلي في ستة أيام، وأهم الأسباب أن الجيوش العربية لم تكن مستعدة وكانت مضللة. - ثانيا: لم يتغير التفكير العربي ولم تضع أيّ دولة عربية استراتيجية لتطوير اقتصادها ولتحديث جيشها بالاعتماد على الذات، بل استمر الاعتماد على استيراد الأسلحة من الخارج، وهذا ما جعل قدرات الجيوش تتوقف على ما تسمح الدول المصدرة للسلاح بتصديره للدول المستوردة، وغاب دور النخبة وغاب الحكم الرشيد بمفهومه الشامل وضعفت مؤسسات العمل العربي المشترك، إضافة إلى التبعية للدول الغربية وعدم تبني النظم الحاكمة للديمقراطية ولم تحترم حقوق الإنسان والحريات السياسية والشفافية بالقدر المطلوب. - ثالثا: العدوان مازال مستمرا، فلسطين محتلة بالكامل والجولان محتل وأجزاء من جنوب لبنان، وخضوع سيناء إلى اتفاقية كامب ديفيد، كما أن حالة الأمة العربية الحالية أسوأ مما كانت عليه عام 1967، والإرهاب يجتاح الدول العربية، وليبيا وسوريا والعراق واليمن في حروب أهلية دمّرتها وباقي الدول في حالة رعب من أن يحلّ بها ما حلّ بتلك الدول، كما أن الأزمات الاقتصادية تزداد حدة والانقسامات في الساحة العربية أطلت برأسها وتعمّق من جراح الأمة، التقسيم ينتظر الدول العربية واتفاقية سايكس بيكو جديدة على الأبواب. - رابعا: إذا توحدت الأمة ونبذت خلافاتها ووضعت استراتيجية مشتركة لمواجهة المخاطر الجاثمة والمحتملة وتحرير فلسطين، سوف تحلّ مشاكل الإرهاب والتطرف، وتستخدم الأمة إمكانياتها بكفاءة ولصالح أبناء الأمة، ويجب أن نعي أن الظروف الدولية لا تصبّ في صالحنا، وعلينا الاعتماد على أنفسنا، ونقتنع أنه لا وجود للضعفاء في هذا الكون.حالة الأمة العربية الحالية أسوأ مما كانت عليه عام 1967، والإرهاب يجتاح الدول العربية، وليبيا وسوريا والعراق واليمن في حروب أهلية دمّرتها تداعيات تقلصت الرؤية الأكاديمية الفلسطينية الممزوجة بخبرة المعايشة والسياسة قدّمها جهاد الحرازين، أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة الأزهر فرع غزة، حيث أقر بصعوبة الموقف وفي نفس الوقت قدّم طرحه للتعامل العملي مع المتغيرات الدولية والإقليمية بجانب تعقيدات المشهد الفلسطيني من الداخلي. وقال الحرازين لـ“العرب” إن “استمرار النكسة حتى يومنا جاء نتيجة حالة التراجع العربي وهول الصدمة، ولكن لا يمكن إغفال أن مصر استطاعت عام 1973 أن تعيد فكرة الانتصار إلى الأمة العربية التي عانت من عقدة الهزيمة، لكن نتيجة للتدخلات الدولية والتأثيرات المختلفة توقف الأمر عند الانتصار المصري وترتّب عليه توقيع اتفاقية كامب ديفيد وواصل الاحتلال نهبه للأرض رغم العمليات الفدائية، والعدوان يتكرر كل يوم من قبل الاحتلال، لكن بأشكال مختلفة في محاولة منه دائما لفرض وقائع جديدة”. ويعتبر الحرازين أن “تداعيات النكسة تقلصت بشكل نسبي ومرحلي بعد العام 1973، فقد أوقفت أطماع الاحتلال التوسعي وأعادت بعضا من الكرامة للأمة العربية، وهذا ما شهدته الأراضي الفلسطينية نتيجة العمليات الفدائية والعسكرية وما تلا ذلك من توقيع اتفاقية أوسلو الأمر الذي منح السلطة الفلسطينية حالة من الوجود على الأرض التي احتلت العام 1967 وهو الشيء الذي تحاول القيادة الفلسطينية الوصول إليه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو، لكن تبقى المعضلة في عقلية الاحتلال الذي يحاول أن يفرض سيطرته على الأراضي الفلسطينية والجولان السوري. وفي ما يتعلق بالشرعية الدولية في مواجهة العدوان يرى الحرازين أنها مختطفة من قبل بعض الدول الكبرى التي تحابي الاحتلال وتتعاطى معه دون النظر إلى الانتهاكات والاختراقات للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية من قبل دولة الاحتلال، الأمر الذي يتطلب أن تكون هناك حالة من التعاطي الأكبر مع المؤسسات الدولية”. أما عن الانقسام الفلسطيني فهذا الأمر شكل طعنة في ظهر القضية الفلسطينية نتيجة انقلاب حركة حماس عام 2007 الشيء الذي أدى إلى فصل القطاع عن الضفة والقدس ودفع الاحتلال لأن يتهرب من أيّ استحقاقات مترتبة عليه”. كاتب مصري
مشاركة :