«يقولون إن الاعتراف يفيد الإنسان من الناحية النفسية وأنا سأُدلي باعترافي.. إن نموذج الانفجار الكبير شيء محرج جدًا بالنسبة للملحدين.. ذلك لأن العلم أثبت فكرة دافعت عنها الكتب الدينية.. ونظراً لأنه من المؤكد أن الناس قد تأثروا بأفكاري، فإنني أحاول تصحيح الضرر البالغ الذي قد أكون ألحقته بهم». هذا ما جاء على لسان البروفيسور البريطاني، أنطوني فلو، في كتابه «هناك إله»، وهو فيلسوف بريطاني، اشتهر بكتاباته في فلسفة الأديان، وكان أغلب حياته ملحدًا وألف العديد من الكتب التي تدحض فكرة الإله، غير أنه في آخر حياته ألف كتاب «هناك إله» وبدأ يتخلى خلاله عن الإلحاد بعد تفحص عميق للأدلة، ثم أعلن تحوّله إلى الفكر الربوبي. ويرصد «المصري لايت» في التقرير التالي قصة إيمان أشرس ملحد في القرن العشرين، وإعلانه وجود إله، وفقًا لما جاء في كتاب «رحلة عقل» للدكتور عمرو شريف، نقلًا عن كتاب «هناك إله» لأنطوني فلو. يقول أنطوني فلو في كتابه «هناك إله»: «وُلدت في لندن عام 1923، ونشأت في بيت مسيحي ملتزم، إذ كان والدي كاهناً إنجليزياً كبيراً من النشطاء في الكنيسة، كما كان محاضراً ثم رئيساً لكلية الدراسات الدينية في كامبريدج. ومنذ طفولتي، أُلحقت بمدرسة خاصة (كينجزوود Kingswood)، ومازلت لا أدري سبباً لعزوفي عن الدين في صباي. كل ما أستطيع قوله هو إن بذرة الإيمان التي كانت داخلي عند التحاقي بالمدرسة، ماتت قبل تخرجي فيها». بداية إلحاده يكمل «فلو»: «لا أدري على وجه التحديد متى وكيف توجهت إلى الإلحاد، بالتأكيد هناك عوامل كثيرة شاركت في تشكيل قناعاتي الإلحادية، منها: ورثت عن والدي «الحكمة»، وهي أن تختار من بين الأمور اللامتناهية المحيطة بنا ما هو جدير باهتمامك. وبينما كان والدي يرى الحكمة في تعليم الناس المفاهيم الدينية المسيحية، لم أجد ما هو جدير باهتمامي أكثر من المشاكل المعاصرة التي تشغل بني الإنسان». ويضيف: «كذلك ورثت عن والدي شغفه العقلي ومنهجه في البحث، فعندما كان يبحث في قضية من القضايا الدينية، كان يجمع ويحلل كل الحجج والبراهين الخاصة بتلك القضية، قبل أن يصدر الرأي فيها. ومن المفارقات أن اكتسابي لحب الحكمة واكتسابي لهذه العقلية المدققة المحللة الناقدة عن والدي، قد أخذاني بعيدًا عن إيمانه وتدينه. ويمثل إحساسي بـ«معضلة الشر والألم» أحد العوامل المبكرة وراء اندفاعي تجاه الإلحاد. كنت في طفولتي وصباي، خلال السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، كثير السفر مع والدي خلال الإجازات الدراسية إلى فرنسا وألمانيا، ومازلت أذكر المسيرات الهادرة التي رأيتها في بافاريا، والتي تضم آلاف الفتيان من فرق الكشافة بملابسهم المميزة، والتي تتوعد المُعادين للنازية بالهلاك. ارتسمت هذه المشاهد في عقلي في فترة صباي، وظلت بكل ما تحمل من كُرْه، تمثل تناقضًا مع ما تربيت عليه في عقيدتي المسيحية من أن «الله محبة»؛ إذ كيف يسمح من يحبنا بهذه الشرور؟! وعندما التحقت بمدرسة كنج زوود، كان يترأسها رجل من أعظم مديري المدارس. كان يشجعنا كثيراً على التردد على المكتبة للاطلاع الحر، وكانت موعظة الأحد، (عندما كان يلقيها بنفسه) في كنيسة المدرسة، تتحدث عن عجائب الطبيعة وقوانينها، ولا تتعرض على الإطلاق لحياة أخرى بعد الموت. كنت دائم النقاش مع أقراني ومع من هم أكبر مني عمراً، حول القضايا الإيمانية التي يطرحها الكهنة. وكنت غير متقبل على الإطلاق لفكرة الرب (كُلّي الوجود- كُلّي العِلم- كُلّي القُدرة)، وما إن بلغت سن الخامسة عشرة، حتى أعلنت لزملائي رفضي الإقرار بوجود إله لهذا الكون. وبحلول شهر يناير عام 1946، وكنت قد قاربت الثالثة والعشرين من عمري، ذاع الخبر بأنني قد أصبحت ملحداً دهريًا، وأن قناعاتي لا رجعة فيها». بداية إيمانه بوجود إله ثم يتحدث أنطوني فلو عن الأدلة التي أدت إلى تغيير معتقداته بعدم وجود إله وكانت العامل الحاسم فيه، فيقول: «1- لقد أثبتت أبحاث علماء الأحياء في مجال الحمض النووي الوراثي – مع التعقيدات شبه المستحيلة المتعلقة بالترتيبات اللازمة لإيجاد الحياة – أنه لابد حتماً من وجود قوة خارقة وراءها. 2- لقد أصبح من الصعوبة البالغة مجرد البدء في التفكير في إيجاد نظرية تنادي بالمذهب الطبيعي لعملية نمو أو تطور ذلك الكائن الحي المبني على مبدأ التوالد والتكاثر. 3- لقد أصبحتُ على قناعة تامة بأنه من البديهي جداً أن أول كائن حي قد نشأ من العدم، ثم تطور وتحول إلى مخلوق معقد الخلق للغاية. 4- أن الكون، بما فيه من موجودات وقوانين، يُهيئ الظروف المُثلَى لظهور ومعيشة الإنسان، وهو ما يُعرَف بالمبدأ البشري. 5- العقل، خصوصية الإنسان، لقد أصبح لا مفر من اللجوء إلى عالم ما وراء الطبيعة لتفسير قدرات العقل الخارقة. واتبعت القاعدة التي تقول (أن تتبع البرهان إلى حيث يقودك)، فقادني البرهان هذه المرة للإيمان». وأضاف «فلو»: «صرت أؤمن بإله واحد أحد، واجب الوجود، غير مادي، لا يطرأ عليه التغيّر، مطلق القدرة، مطلق العلم». ويعتذر أنطوني فلو لكل من تأثروا بفكره الإلحادي، ويعترف بخطئه: «يقولون إن الاعتراف يفيد الإنسان من الناحية النفسية وأنا سأُدلي باعترافي.. إن نموذج الانفجار الكبير شيء محرج جدًا بالنسبة للملحدين.. ذلك لأن العلم أثبت فكرة دافعت عنها الكتب الدينية.. ونظراً لأنه من المؤكد أن الناس قد تأثروا بأفكاري، فإنني أحاول تصحيح الضرر البالغ الذي قد أكون ألحقته بهم».
مشاركة :