الوجه الآخر لتنامي أعمال الإرهاب

  • 6/6/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

كشف الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له لندن مساء السبت ـ الثالث في غضون شهور معدودة، والثاني في غضون بضعة أسابيع ـ استمرار التهديد الذي نواجهه والسهولة التي يمكن للإرهابيين من خلالها تنفيذ مخططاتهم.ومن خلال شاحنة مستأجرة وسكاكين وأحزمة ناسفة مزيفة ترمي لإخافة المواطنين العاديين ومسؤولي إنفاذ القانون فقط، تمكن ثلاثة أشخاص من قتل سبعة على الأقل وإصابة أكثر من 20 آخرين. كان ذلك هجوماً مروعاً أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه، لكنه لم يكن معقداً، فالأمر برمته لم يكن بحاجة لأكثر من شاحنة وبعض السكاكين وتصميم قوي.وجاء رد فعل رئيسة الوزراء تيريزا ماي قوياً وواضحاً، معلنة أن الصبر نفد وملمحة إلى الحاجة إلى سلطات أكبر للحيلولة دون وقوع مثل هذه الهجمات مستقبلاً. كما أنه كان هناك تلميح تجاه المجتمع الإسلامي داخل البلاد، والذي تشعر أنه لم يبذل ما يكفي من جهود للتصدي لجهود نشر الفكر الراديكالي، وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي التي سمحت بسهولة مفرطة بنشر هذا الفكر. وحتماً ستركز السياسات التالية على توسيع نطاق الجهود الرامية لمنع وقوع هجمات إرهابية، خاصة بمجالي الاحتجاز والمراقبة.وبجانب تغريدات الرئيس ترمب التي ألقى خلالها اللوم على نحو غامض، لكنه فاعل على فكرة «الصواب السياسي» باعتباره السبب وراء العجز عن وقف الإرهابيين، بدا واضحاً أن القائدين انحصر تركيزهما على ما يطلق عليه في علم إدارة الأزمات «ما قبل الأزمة». تبعاً لهذا التفكير، ثمة مقياس واحد للنجاح: ما إذا كان هجوم وقع من عدمه، ما يشكل مقياساً بسيطاً ترغب التنظيمات الإرهابية بالتأكيد في أن نتبعه، لأنه يصب في مصلحتها، وذلك لأنه يعني أن وقوع أي عمل إرهابي، بغض النظر عن مدى نجاحه، يشكل نصراً لهم وهزيمة لنا.ومع ذلك، فإن ما يتعين على الدول المعنية حقاً التركيز عليه هو الجانب الآخر من الصورة ـ أي بعد وقوع الأزمة ـ والذي في إطاره يتعين على الدول الشروع في وضع تعريف للنصر، في عصر من المستحيل منع وقوع جميع الهجمات المخطط لها مهما رغبنا في ذلك. ومع هذا، لا يزال بمقدورنا النجاح من خلال تقليص فاعلية كل هجوم يقع، وبالتالي جعله أقل إثارة للخوف. وفي الوقت الذي تركز الحكومات بالفعل على وجهي العملة ـ قبل وبعد الأزمة، فإن جهود المنع تستحوذ على قدر هائل من الاهتمام بعيداً عن جهود جهات الاستجابة الأولى التي ألفها الجميع وعرفوها عن ظهر قلب.إن مقياس النجاح في جهود مكافحة الإرهاب ليس مجرد ما إذا كان هجوم ما قد وقع، وإنما يجب إقرار مقياس آخر يتمثل فيما إذا كانت أعداد أقل من الأشخاص قتلت أو تأذت نتيجة تدخل الشرطة، وأفراد المطافئ والإسعاف وإدارة الطوارئ والجهود التطوعية للجمهور.وبناءً على هذا المقياس: هل كان هجوم ماراثون بوسطن ناجحاً؟ نعم، من وجهة نظر الإرهابيين. إلا أنه في النهاية لقي ثلاثة أشخاص فقط مصرعهم عند خط النهاية، ولم يمت شخص واحد من أكثر من 100 جرى نقلهم من المنطقة المنكوبة إلى المستشفيات، وذلك بفضل رد الفعل السريع على الأرض. ويعني ذلك نجاحاً بصورة ما من وجهة نظر مسؤولي المدينة والبلاد.إن السياسات المعنية بالتعامل بما بعد وقوع الأزمة ليست مجرد نتاج حظ، وإنما نتاج لتخطيط معقد واستيعاب للدروس المستفادة من هجمات سابقة. وقد تضمن هجوم السبت الكثير من هذه الدروس، فقد كشفت هجمات باريس 2015 أن السلطات بحاجة لمزيد من التواصل الفاعل مع المواطنين حول الهجمات القائمة. وبالفعل، أطلقت شرطة العاصمة، السبت، إخطاراً للجماهير بأن ثمة موقفا خطيرا قائما وحثتهم على الحرص على سلامتهم.وفي أعقاب هجوم أورلاندو بلس عام 2016. قضى الأقارب المذعورون ساعات في البحث عن ذويهم الذين ربما كانوا داخل الحانة التي تعرضت للهجوم، ما فرض اهتماماً جديداً بأهمية لم شمل الأسر. وبالفعل، وجهت شرطة العاصمة فور انتهاء الهجوم تقريباً من كانوا خارج منازلهم تلك الليلة إلى الاتصال بذويهم لطمأنتهم بهدف تجنب التعرض لأعباء لا داعي لها.يذكر أنه في أعقاب هجوم ماراثون بوسطن، عندما كانت هوية المنفذين لا تزال مجهولة، سعى المحققون للحصول على صور وفيديوهات من العامة في خضم محاولة تحديد هوية من وضع الحقائب المليئة بالمتفجرات عند خط النهاية. وبالمثل، في غضون ساعات من هجوم لندن الأخير، وجه المسؤولون توجيهات إلى العامة بخصوص كيفية رفع صور لموقع الحادث على موقع إلكتروني مؤمّن.ورغم استمرار التحديات، فإن كل حادث يلهم أفكاراً مهمة تعين على الاستعداد للحدث التالي. المؤكد أن أي هجوم إرهابي ناجح سيشعل الخوف في النفوس، لكن الخوف سيتفاقم حال عدم التقليل بأقصى قدر ممكن من تداعيات الهجوم وإدارتها بفاعلية. ورغم أن البعض قد يرى في التخطيط لما بعد الأزمة روحاً انهزامية ويفضلون الخروج بتصريحات من عينة «سنوقف جميع الإرهابيين»، فإن هذا ليس بصائب.من ناحيتها، سيتعين على رئيسة الوزراء ماي الرد على تساؤلات حول تأثير سياسات التقشف التي أقرتها أثناء توليها حقيبة الداخلية، حيث تم تقليص الوجود الشرطي في الشوارع. الملاحظ أنه داخل الولايات المتحدة، تواجه قدرات الاستجابة مخاطر أيضاً في وقت تركز وزارة العدل أنظارها على المدن التي توفر ملاذا للمهاجرين غير الشرعيين. من ناحيتها، تسعى إدارة ترمب لتقليص الأموال المخصصة لجهود الاستجابة الأولى الموجهة للعمداء الداعمين للملاذات الآمنة للاجئين غير الشرعيين. ومهما كان رأيك في سياسة المدن الملاذات، فإنه سيصبح بلا قيمة في اللحظة التي يجتاحك خلالها الذعر وأنت تبحث عن ابنتك أو تبحثين عن زوجك في أعقاب وقوع هجوم.الواضح أن حجم المشكلات التي سنستمر في مواجهتها بسبب الإرهاب ـ ومنها ما هو استراتيجي مثل كيفية القضاء على التطرف العنيف بمرور الوقت، والآخر تكتيكي مثل كيفية الحيلولة دون إقدام شاحنة تسير في شارع مزدحم على دهس المشاة ـ يتطلب تنسيق الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية والعسكرية، وكذلك جهود جهات إنفاذ القانون والطوارئ. كما سيتطلب ذلك من المجتمعات المختلفة كشف العناصر الراديكالية في صفوفها، ومن المؤسسات التجارية منع نشر خطابات الكراهية عبر منصاتها الإلكترونية.إن التخطيط لمواجهة ما بعد وقوع الأزمة يشبه جهود محاولة وقف نمو خلية سرطانية أو بناء جدار عازل يحمي من تصاعد منسوب المياه بالمحيطات ـ فكل الجهود السابقة تحمل في طياتها اعترافاً ضمنياً بأن ثمة ضررا قد وقع، لكن ينبغي لنا العمل على تقليص عمق الخسارات. ويتعين أن تتزامن مع جهودنا لمنع الحوادث السيئة من الوقوع ـ جهود نبيلة نظرياً، لكنها غير واقعية عملياً ـ جهود أخرى لضمان الاستجابة الناجحة حال وقوع مكروه والتعلم لتقديم استجابة أفضل في المرة التالية، لأنه ببساطة لا بد أنه ستكون هناك مرة تالية.* المساعدة السابقة في وزارة العدل لشؤون الأمن الداخلي محاضرة في كلية هارفارد كيندي *خدمة: «نيويورك تايمز»

مشاركة :