رأي الإجماع بين خبراء الاقتصاد حتى الآونة الأخيرة كان أن الولايات المتحدة ستتجاوز منافسيها من الاقتصادات المتقدمة هذا العام، مدفوعة بتحفيز اقتصادي دونالد ترمب في البيت الأبيض والحزب الجمهوري في الكونجرس، لكن تبين أن "انتعاش ترمب" حتى الآن ضعيف بشكل مدهش. بدلاً من ذلك القصة الاقتصادية لعام 2017 كانت "منطقة اليورو المنتشية".النمو في منطقة العملة الموحدة كان سريعاً في الربع الأول من عام 2017 أكثر من ضعف السرعة في الولايات المتحدة، ما يُثير السؤال حول ما إذا كان انتعاشها مجرد ومضة أم أنه متجذر وقابل للاستدامة بشكل أعمق. الجواب على ذلك أكثر من مجرد كونه مسألة نظرية. إذا كان البنك المركزي الأوروبي يعتقد أن الوضع سيكون طبيعيا وجيدا في منطقة اليورو، فبإمكانه البدء في التفكير بشأن سحب تدابير التحفيز الاستثنائية في اجتماعه في إستونيا هذا الأسبوع.المستثمرون وخبراء الاقتصاد وصنّاع السياسة يعرفون (وهم أمر دفعوا ثمنه) أن منطقة اليورو غالبا ما كانت تجامَل على سبيل الخداع. في غضون عامين من احتفالات عام 1999 التي بشّرت بإطلاقه، كان اليورو قد خسر ما يُقارب 20 في المائة من قيمته، ما أكسبه لقب "عملة الحمَّام" بين تجار العملة.بعد خروجه من الأزمة المالية، مع نمو اقتصادي سريع، رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في أوائل عام 2011 فقط لتنحدر منطقة اليورو نحو أزمة أعمق قبل نهاية العام.بالتالي التاريخ يُشير إلى توخّي الحذر. لكن يعتقد كثير من المستثمرين وخبراء الاقتصاد أن هذا الانتعاش الأخير هو في الواقع قائم على أُسس متينة. بيتر برايت، كبير خبراء الاقتصاد في البنك المركزي الأوروبي يتحدّث عن زيادة "قوية على نحو متزايد" في الاقتصاد الذي "أظهر مرونة ملحوظة في وجه الصدمات الخارجية".الأمر غير الملاحظ بشكل كبير هو أن تفوّق أداء اقتصاد منطقة اليورو على الولايات المتحدة كان يعود إلى الوراء أكثر بكثير مما شهدته أرقام الناتج المحلي الإجمالي في أحدث الأرباع. على الرغم من أزمة اليونان عام 2015، إجمالي النمو في منطقة العملة الموحدة تجاوز معدلات النمو في الولايات المتحدة في فترة العامين ونصف العام السابقة، مع توسّع منطقة اليورو بنسبة 5.1 في المائة، مقارنة بـ 4.6 في المائة للولايات المتحدة.هناك علامة أكثر تشجيعاً حتى من ذلك، كما قال برايت، هي الطبيعة واسعة النطاق لانتعاش منطقة اليورو، التي تُشير إلى انتعاش أكثر قوة بكثير. نما اقتصاد إيطاليا بنسبة 0.4 في المائة في الربع الأول، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي في البرتغال ارتفع 1 في المائة.قال برايت في خطاب ألقاه في الفترة الأخيرة "التباعد في معدلات النمو في كلا البلدين والقطاعات بلغ أدنى مستوياته منذ عقدين، ما يعكس تقاربا في معدلات النمو حول المستويات الأعلى".ويعتقد خبراء اقتصاد في القطاع الخاص أيضا أن الانتعاش لديه نوعية الاستدامة الذاتية. قال إريك نيلسن، كبير خبراء الاقتصاد العالمي في يونيكريديت: "أول خطوة (لانتعاش منطقة اليورو) كانت مدفوعة من الصادرات. الآن تتوسع إلى الاستهلاك، وفي بعض الأماكن، إلى الاستثمار".أرني بوهلمان وريكارد تورني، من فوكَس إيكونوميكس، أضافا "أن على رأس البيانات الواردة الإيجابية، منطقة اليورو تُزيل العقبات السياسية"، إشارة إلى انتخاب إيمانويل ماكرون في الشهر الماضي رئيساً لفرنسا واستطلاعات الرأي التي تظهر تقدم حزب أنجيلا ميركل قبيل انتخابات ألمانية المُقررة في أيلول (سبتمبر).وقال إن توقعات الإجماع لنمو منطقة اليورو في عام 2017 ارتفعت من أقل من 1.4 في المائة في الصيف الماضي إلى أكثر من 1.7 في المائة الآن.ويُشير معظم خبراء الاقتصاد إلى أن مثل معدل النمو هذا أعلى من المعدل "الطبيعي" بالنسبة لمنطقة اليورو، الأمر الذي يوضّح أيضاً استمرار انخفاض معدل البطالة من 12.1 في المائة في عام 2013 إلى 9.3 في المائة في نيسان (أبريل). هناك سؤال مهم هو إلى متى يُمكن أن يستمر انخفاض معدل البطالة بدون زيادة الضغوط التضخمية. سؤال آخر هو ما إذا كان يُمكن الحفاظ على النمو بدون برنامج التحفيز النقدي من البنك المركزي الأوروبي وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية.ديفيد ماكي، خبير الاقتصاد في جيه بي مورجان، قال إن الأدلة من البلدان، حيث الدورة الاقتصادية أكثر تقدماً تشير إلى أن هناك بعض المسافة التي يجب قطعها قبل أن يكون صنّاع السياسة بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لتهدئة الاقتصاد. "إذا تكررت التجربة (...) في أماكن أخرى، هذا يفترض فيه أن يفسح المجال لزيادة نمو الأجور والتضخم الأساسي في العام المقبل".الزيادات الهادئة للتضخم الأساسي في الأجور الحقيقية، كما شهدناها في بلدان أخرى، قد تُقنع البنك المركزي الأوروبي بتأخير اتّخاذ إجراء حتى يُصبح معدل البطالة أقرب إلى مستويات المملكة المتحدة والولايات المتحدة، التي تقل عن 5 في المائة.النقاش في الاجتماع الذي يعقد في تالين هذا الأسبوع يُركّز على ما إذا كان النمو قويا بما فيه الكفاية للبدء بعملية فطام منطقة اليورو عن برنامج التحفيز من البنك.مخيم الحمائم الذي يشمل برايت، يُفضّل أن يتوخى الحذر حتى مع احتمال أن يكون مخطئا، ويوصي بعدم التحرك في الوقت الراهن. أما جانب الصقور، مثل بينوا كوريه، عضو المجلس التنفيذي في البنك المركزي الأوروبي وممثل العضوية الألمانية في المجلس، فهم يعتقدون أن عدم الاعتراف بقوة الانتعاش يُهدد صدقية البنك.يقول خبراء الاقتصاد إن الانخفاض في معدل التضخم من 1.9 في المائة في نيسان (أبريل) إلى 1.4 في المائة في أيار (مايو) أزال الضغط المباشر على البنك المركزي الأوروبي من أجل اتخاذ إجراء بهذا الخصوص.يقول كين واتريت، خبير الاقتصاد في "تي إس لومبارد": "أستطيع تخيّل البنك المركزي الأوروبي وهو يبدو أكثر ثقة بقليل فيما يتعلق بالنمو (...) لكن فيما يتعلق بالتضخم سيبدو البنك في غاية الحذر".ومن شبه المؤكد أن يستمر البنك المركزي الأوروبي في شراء ما قيمته 60 مليار يورو من السندات حتى نهاية هذا العام، لكن الاقتصاد الأقوى يجعل من المرجح على نحو متزايد أن يأتي القرار بتخفيف عمليات الشراء في عام 2018 في وقت لاحق من هذا العام.ويُحذّر خبراء الاقتصاد أيضا من نشوة منطقة اليورو، لأن منطقة العملة الموحدة تعاني كثيرا المشاكل الهيكلية التي تتطلب الإصلاح.كما أن استكمال الاتحاد المصرف، واتحاد الأسواق الرأسمالية، والانتقال نحو قدر أكبر من التكامل في المالية العامة، تظل من الأمور المثيرة لكثير من الجدل عبر أوروبا. في حال ورود أخبار اقتصادية أفضل، فإن هذا يمكن أن يزيل بعضا من القوة الدافعة نحو اتخاذ إجراء.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: كريس جايلز من لندن وكلير جونز من فرانكفورتpublication date: الثلاثاء, يونيو 6, 2017 - 03:00
مشاركة :