ديمقراطية "فيسبوك" في مواجهة السلطوية

  • 6/6/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أمر لا يصدق ذلك الذي يحدث اليوم في بلادنا، والمتمثل في فضيحة مَن يفترض بهم أهل علم وفكر، من أساتذة جامعيين ومحللين سياسيين ودكاترة يحتكرون ساحات البث منذ زمن، ويرهبون ويحرضون على القتل دون حسيب ولا رقيب، سلطتهم فوق القانون، يحللون على هواهم، ولا يُسألون عما يفعلون. السر في هذا كله لا علاقة له بأية معايير موضوعية ولا بكفاءتهم أو خبرتهم، بل بمدى استمرار ولائهم للسلطوية، وأداء أوامر فوقية تحفظ امتيازاتهم ومصالحهم، مغريات النظام لا تقاوم عادة، ولو كان ذلك على حساب سمعتهم أو اقتراف جريمة في حق العلم، والخلط بين المفاهيم والكذب باسم الاستقرار وخدمة الوطن، أرادوا أن ينحازوا لرأي ولجهة معينة، لكنهم حتى في التعبير عنه بذكاء لم يفلحوا، فلم يعد هناك فرق بينهم وبين السفهاء، وبات وضعهم يبعث على الحسرة والشفقة أكثر مما يبعث على الحزن. وفي ظل هذا الوضع البئيس، وأمام حكومة خرساء وبعض النخب التي تلتزم الصمت إلى أجل غير مسمى، هناك شباب مغاربة واعون يكسرون حاجز الخوف، ويقتحمون الحصون، إدراكاً منهم أن أول خطوة لطلب الحرية هي التعبير بكل حرية عن آرائهم وتوجهاتهم، وهذا لن يتأتى بالخروج مباشرة إلى الشارع، يقيناً منهم أن صوتهم سيتم تزويره أو حجبه من طرف وسائل الإعلام التقليدية التي تحدثنا عن أساطير المدينة الفاضلة في كل مناسبة، بل يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي شكلت عاملاً ديمقراطياً جديداً تجاوز في تأثيره الفضائيات، وخلقت نقاشاً حاداً أضحت السلطات تراقبه وتلجم بعضه، بل وتعتقل شبابه أحياناً. ومن البديهي القول إن أي ثورة رقمية لا يجب تقييمها حسب الجانب الكمي ونسبة المحتويات التي يتم تضمينها على الإنترنت، بل حسب الجانب الكيفي، وتحديداً مدى التغيرات الاجتماعية والثقافية التي قادت لها هذه الثورة بوسائلها التكنولوجية المتطورة. وهنا نلاحظ الدور الكبير الذي لعبه الفيسبوك خلال ما بات يعرف بالربيع العربي؛ حيث مكّن المنتفضين من التواصل بينهم، وساهم في اتصالهم بالعالم الخارجي، مما جعل الحدث العربي حدثاً نوعياً ولافتاً لشعوب العالم ولو اختلفنا في نتائجه. ومن الأمانة أن نعترف أن فيسبوك وحده أصبح قادراً على أن ينقل لنا ما يحدث، سواء اتفقنا مع ذلك أم لم نتفق، فمثلاً في المغرب مقتل بائع السمك محسن فكري في 28 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016، كان الشرارة الأولى لعدد من الاحتجاجات في الريف التي ما زالت مستمرة إلى حدود اليوم؛ حيث خرج الآلاف يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. هذه الاحتجاجات لم تتأتَ دون حملة لها على الفيسبوك، تم تهديد بعض المبادرين لها واعتقالهم، ثم تم إنشاء عشرات الصفحات تضامناً معهم، فتوالت مجموعات فيسبوكية تضامنية مع كل شخص يتعرض للظلم و"الحكرة"، إلى حين اجتمعت الإرادة الشعبية ودعت إلى مظاهرات ووقفات حتى تحقيق المطالب، لحقها دعم عبر هذا الموقع من مختلف المناطق المغربية وخارج البلد، فمنحت لهم قوة أكثر لخوض غمار تظاهر لا يخلو من المخاطر، وجعلهم أكثر جرأة وأكثر إحساساً بوجودهم الإنساني، وإن تم قمعهم في الشارع فإن الاحتجاجات تتنفس الصعداء في الفيسبوك وتعود من جديد لتتاح لهم هناك ديمقراطية لم يتِحها المغرب لهم. وهذا يذكرنا كذلك بحركة 20 فبراير/شباط التي أزهرت مع رياح الربيع العربي في المغرب والتي انطلقت من العالم الأزرق، بعد أن تم إنشاء مئات الصفحات والمجموعات بعنوان "الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد"، ورغم أن السلطات استخدمت كل الوسائل لإجهاض هذه التجربة، فإن احتجاجات الشباب السلمية التي استقطبت جماهير واسعة، استطاعت أن تحقق عدداً من المطالب التي رفعتها وعلى رأسهم تعديل الدستور. ومن الملاحظ أن السلطات احتوت هذه الحركة وفرقت بين تياراتها الذين جمعتهم لأول مرة نفس المطالب، لكن غاب عنها أن أوراقها لن تذبل إلا بعد زرعها بذور الحرية على الفيسبوك وخلق وعي بضرورة اقتلاع جذور الاستبداد العميقة في تاريخنا، والتماهي مع كل تواق لنصرة المظلومين، على عكس ما كان عليه غالبية الشباب المغربي قبل سنة 2011، فلم يكونوا مدركين لحقيقة ما يقع في الساحة السياسية ولا يفهمون التقلبات التي تحدث في مجتمعهم، وهنا نلمس تحولاً اجتماعياً لا ريب أنه سيسهم في تحول ديمقراطي بالبلاد. إن شباب الفيسبوك اليوم يكتبون جزءاً من تاريخهم بمداد من ذهب وأضحوا بمثابة نخبة جديدة قادرة على تأطير وتوجيه الرأي العام، يؤثرون في وسائل الاتصال الحديثة ويتأثرون، فأصبحوا مع كل موجة من التكنولوجيات الجديدة تولد معهم آمال الحرية والديمقراطية لتحقيق أدنى حقوق العيش الكريم، قبل أن يجدوا أنفسهم أمام أحد خيارين: إما الاستسلام لمستقبل محكوم بالاستبداد، وهذا مستبعد ولم يعد أمراً ممكناً مع الثورة التكنولوجية أو الدخول في دوامة من العنف والفوضى، وتوالي الخسائر على مختلف الجبهات، الأمر الذي سيدفع الحكومات التقليدية إلى مراجعة حساباتها، إن لم يكن اليوم فغداً لا محالة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :