بهذه العبارة يمكن تلخيص خطاب الرئيس الأمريكي في حفل تخريج دفعة من طلاب أكاديمية (وست بوينت) الأمريكية الأشهر في نيويورك. ورغم ما بدا من تحول كبير في موقف الرئيس تجاه الحرب ضد الإرهاب، إلا أنه أكد على أن أمريكا لن تتدخل بشكل مباشر في سوريا ولن تخوض حروبا على نمط الحرب الليبية ما لم يهدد الأمن القومي الأمريكي. أما الحرب على الإرهاب التي طالما تحدث عن ضرورة إنهائها خاصة في حفل تسلمه لجائزة نوبل للسلام في بداية عهده، فها هو بعد خمس سنوات ونصف من الإدارة يؤكد على أنها مازالت تمثل أكبر التهديدات القائمة والمستمرة على أمن بلاده، وأنه يعتزم الاستمرار في خوضها في حرب مفتوحة بالتعاون مع الدول الصديقة التي تعاني من تواجد منظمات إرهابية معادية لبلاده فيها. ولذلك هو يعتزم أن يطلب من الكونجرس اعتماد مبلغ (5) مليارات دولار لمساعدة أجهزة مكافحة الإرهاب الأمريكية والدول الصديقة على تنفيذ ما يلزم من عمليات جمع معلومات وأعمال قتالية محدودة ضد أهداف محددة. ولا أعلم كيف سيتم تخصيص هذه الأموال القليلة اللإف بي أي وعمليات التقصي التي يقوم بها أم للسي أي إيه وعملياتها التجسسية وهجماتها بالطائرات الموجهة إلكترونيا بدون طيار أم لليمن لمحاربة القاعدة التي يتجذر وجودها في أراضيها أو في شمال نيجيريا ومالي وغيرها أم لمساندة المعارضة السورية (المؤدبة) بالأسلحة النوعية الموعودة منذ بداية الحرب السورية الأهلية. بهذا الخطاب الرنان في جرسه الموصوف أمريكيا بالفارغ في مضمونه يعلن الرئيس أوباما بما لا يدع مجالا للشك أن أمريكا المرحلة القادمة هي دولة تجنح للانعزالية وتتخلى بمحض إرادتها عن كافة مكاسبها الإمبراطورية نتيجة لسقوط الاتحاد السوفييتي. فقد بدت هذه التحولات واضحة على الأرض قبل أن يسميها الرئيس (الواقعية السياسية) في خطابه حينما قبل تسليم القيادة في التدخل في ليبيا لحلف شمال الأطلسي ولفرنسا وبريطانيا على وجه التحديد، وحينما أحجم عن تنفيذ تهديداته ضد بشار في سوريا بعد اختراقه للخط الكيماوي الأحمر الذي وضعه وتم اختراقه بدل المرة ألفا ماوضع أمريكا في موقف حرج وكشف للعالم عن توجهاتها الحقيقية للعزلة في عهد أوباما. بل إن الرئيس الأمريكي ذهب أكثر من ذلك بإرسال إشارات لا لبس فيها بأنه تجاوز آثار أحداث 11/9 بالعمل على إغلاق ملفاتها وأهمها الملف الأفغاني ليس فقط بالتأكيد على قرار الانسحاب النهائي لآخر جندي أمريكي من أفغانستان نهاية 2016، إلى تأمين هذا الانسحاب على حساب المبادئ والقوانين الأمريكية المعلنة. ففي خطوة مفاجئة فعلا لكل العالم ناهيك عن الشعب والكونجرس الأمريكي أعلن عن إتمام عملية تبادل لعريف أمريكي أسير لدى طالبان مقابل خمسة أسرى من أعلى قيادات طالبان في غوانتنامو بمن فيهم نائب وزير دفاع أفغانستان أيام الحرب الأمريكية. وتعرف أجهزة الأمن الأمريكية هؤلاء بأنهم ممن يشكلون (خطورة عالية) ويحتمل أن يشكلوا تهديدا مستمرا على أمن الولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها. ورغم ذلك فقد تم تبادل الأسرى على عجل بعد أن طلب من قطر أن تقوم بدور الوسيط منذ عدة أسابيع فقط وليس منذ عدة سنوات بحسب المتداول في الإعلام العالمي وذلك بسبب الحاجة لأن يحتفظ طرف ثالث بالأسرى مدة عام كامل لضمان عدم عودتهم للقتال ضد القوات الأمريكية في بلادهم وهذا ما قبلت به قطر ورفضته الحكومة الأفغانية بتصريح لوزير الخارجية الذي أعلن عن ترحيبه بالصفقة ورفضه لإعادة احتجاز الأفغان في قطر في مخالفة صريحة للقانون الدولي الذي يمنع أي دولة من إرسال مواطني أي دولة أخرى كسجناء عند طرف ثالث وطالب بإطلاق سراح غير مشروط. والتساؤل الذي أطرحه هنا: كيف قبلت قطر بهذا الدور المخالف للقانون الدولي بسجن مواطني دولة أخرى على أراضيها؟ ويبدو أن معرفة أوباما بالضجة التي ستتبع هذه الصفقة العجيبة مع وجود مبدأ يمنع التفاوض مع الإرهابيين بالتعريف الأمريكي، وتشريع يلزمه بإبلاغ الكونجرس عن نقل أي سجين من غوانتنامو قبل 30 يوما من حدوثه هو الدافع الرئيس لسجن الأفغان الخمسة في قطر، أما مسألة التأكيد على الاحتفاظ بأفغان الصفقة في قطر فلا يرجع للتخوف من عودتهم للقتال بقدر ما هو تخوف من خسارة الإدارة الأمريكية لمعركة قضائية وتشريعية قد تجبرها على إعادة الأفغان إلى غوانتنامو أو الاستمرار باحتجازهم في قطر.
مشاركة :