دخل مصر وخرج منها قرابة المليون سوري خلال السنوات الست الماضية، بينما يقيم فيها بصورة دائمة حوالي 300 ألف لاجئ، يشكلون حضوراً في المجتمع المصري اقتصادياً وثقافياً. ورغم أن مصر بلد صناعة السينما في العالم العربي، لكن انعكاس هذا الحضور السوري على السينما وحتى التلفزيون كان معدوماً إلى أن حضر فيلم "الثمن" بطولة عمرو يوسف وصبا مبارك وإخراج حسام العيساوي عن رواية لأمل عفيفي؛ لتكون حالة الغياب التام أفضل من حالة الحضور. نتابع في السنوات الأخيرة التراجع الذي تعيشه مصر على جميع الأصعدة، ولم يسلم الفن بطبيعة الحال من هذا التراجع، كل شيء يسير في خدمة المنظومة الحاكمة، على رأسها عبد الفتاح السيسي، ومن أولويات تلك المنظومة تصوير كل التيارات الدينية وكل ما يتعلق بالدين على أنه شر مطلق يهدد المصريين وحياتهم ومقدرات دولتهم التي عوّمت الجنيه مؤخراً وتركته لتجار السوق السوداء. فكرة الفيلم دارت في هذا المكان عن شاب يُغرر به متطرفون لاغتيال صحفي وكاتب يساري معروف، مستغلين حاجتهُ للمال من أجل علاج زوجته المصابة بالسرطان عن طريق محامٍ فاسد. العمل الذي بدا الهدف الرئيسي منه هو إظهار الفساد والإجرام لدى التيارات المتطرفة، إضافة لمعالجة العلاقة بين القاتل والضحية، مر بالعديد من السقطات ابتداء بالكلاسيكية في الطرح، ثم الشاب الذي قُتل، المغدور، حاجة للمال فقط، نافين قدرة الجماعات المتطرفة على استمالة أشخاص مؤمنين حقيقة بمبادئها، عدا عن أن زوجته توفيت عقب تنفيذ الجريمة مباشرة. هذه الجزئية المكررة في نصف أفلام السينما المصرية على الأقل، عندما يرغب الكاتب في وضع الشخصية في حالة الندم ومراجعة الذات. كل ما سبق هي مشاكل فنية، النقاد والمختصون هم الأكفأ على معالجتها، إلا أن مرور الفنانة الأردنية صبا مبارك بدور "ديمة"، هو الحيز العصي على الفهم ويمكن أن يسأل عنه أي متابع عادي. تطل مبارك في مشهدها الأول متحدثة بلهجة سورية مصطنعة، فيها الكثير من المبالغة والفجاجة، لتصيح بصوت مرتفع ومنفعل "أنا لاجئة"، بعد أن تقدم قصة مؤثرة عن قصف منزلها وهروبها من سوريا، ثم يتضح أن المحامي الفاسد الذي يؤجر بطل العمل لقتل الصحفي قد عثر عليها مشردة بشوارع القاهرة. لا أهل لها، ولا أوراق، وقد استغل ذلك في عقد زواج عرفي بهدف المتعة مقابل المال والمأوى. مع تسارع أحداث الفيلم تظهر مبارك بشكل متكرر وهي تعاشر زوجها الذي يقوم بدوره الفنان القدير صلاح عبد الله، دون وجود مبرر درامي للمشاهد، فعبد الله لا يقوم بدور المتدين مثلاً، هو من بداية العمل يظهر كمحامٍ فاسد ومن الطبيعي أن يقوم بعلاقات غير شرعية. كما أن مبارك لا تملك أي صلة مع الأحداث الرئيسية للفيلم، لماذا سورية؟ وما هي الرسالة؟ لم يكن ذلك مفهوماً خلال دقائق الفيلم الستة والتسعين، ومع انتصافه يعثر عبد الله على مبارك في منزل جاره وهو مصور عطف عليها ونشأت بينهما صداقة، فيضربها ويحبسها ثم تهرب، ويضعنا المخرج كمتابعين سوريين أمام المشهد الأكثر ابتذالاً في الفيلم، وهو مشهد يجمع صلاح عبد الله بصديقه على سيجارة حشيش يسأله فيها: "انت عملت إيه فموضوع البنت بتاعة سوريا"، يرد: "عملت إيه يعني، هربت، بس حجيبها". في بقية الأحداث تتعرض صبا مبارك (ديمة) للاختطاف بعد هروبها ثم تقع في حالة حب وتعاطف مع خاطفها وهو ذاته "مجدي" قاتل الصحفي الذي يجسد دوره الفنان عمرو يوسف. لتفهم أن الكاتبة والمخرج قد أشغلاك بحضور شخصية ديمة غير المبررة طوال الفيلم ليشيرا في النهاية إلى "متلازمة استوكهولم" على ما يبدو، دون أي معالجة لهذه الحالة النفسية التي تعكس تعاطف الضحية مع المجرم. لكن ما نبحث عن إجابة حقيقية له، هو لماذا تطرح شخصية لاجئة سورية في مصر من هذه الزاوية وبهذه المعالجة السطحية والفقيرة؟ مع وجود جوانب أكثر أهمية في التواجد السوري في مصر مع العلم أن توضيح جنسية الشخصية لم يضِف أي شيء لسياق العمل، فكان من الممكن أن تكون ديمة مصرية بكل بساطة. أيضاً نسأل لماذا تظهر صبا مبارك بهذا الأداء المفتعل والسيئ مع أنها مثلت في سوريا من قبل وتتقن اللهجة بشكل جيد؟ والأهم لماذا يسند الدور إلى ممثلة أردنية؟ وهنا أعتقد أن المخرج لم يعثر على ممثلة سورية حتى لو مبتدئة تقبل بلعب هذه الشخصية، والتي كان حضورها ضرورياً ربما في حساب الإيرادات أو المهرجانات. - تم نشر هذه التدوينة في موقع ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :