ببساطة، سنظل نقارن محمد إمام بوالده عادل إمام، لأن قصة اقتحامه للفن وصعوده تعد لطيفة وخالية من أي كفاح، وتمثل اعتراضاً واهياً على حقوق التوريث المقدسة. ظِلُّ الزعيم سيستمر في محاصرة "كابتن مصر"، كما قام برعايته ودفعه من قبل، لكن مع هذا تفوَّق محمد إمام بمسلسله الأخير "لمعي القط" على مسلسل الزعيم "عفاريت عدلي علام" بنفس الموسم، وفي الطريق استطاع علاج بعض المشكلات الوراثية.لن أعيش في حذاء أبي في اليوم الأول لعرض المسلسل، علقَّت إحدى المشاهدات على الشبكات الاجتماعية، بأن محمد إمام يرتدي نفس الحذاء الرياضي الأبيض الذي اشتهر به والده في الثمانينات والتسعينات (مثل مسلسله "أحلام الفتى الطائر"). الملاحظة لا تكشف فقط عن دقة أنثوية بالغة القسوة، بل أيضاً عن استمرار المقارنة بينهما، رغم الاختلافات الكبيرة في مسيرة كل منهما. الأب عادل إمام صعد ببطء مرهق، من ممثل كوميدي بأدوار مساعدة، بتكوين جسدي ضعيف، لكنه سمح له بالتعبير عن مظهر معظم المجتمع المصري، ثم تكفَّل نجاحه الكوميدي في أن يصبح نجم حركة شعبياً، رغم ضعف مؤهلاته الجسدية حسب المعايير التجارية السائدة، كانت هذه هي القمة التي كافح بيأس للحفاظ عليها في أوائل التسعينات. على العكس، لم تكن مسيرة محمد إمام مرهقة بأي شكل، كفل له الوالد مدخلاً مريحاً، وقام برعايته، ثم تناوب على هذا الأصدقاء بالوسط الفني. جسدياً يحمل محمد مواصفات البطل (الجان بلغة السينما) منذ البداية، وهذا حرمه من التماهي الشعبي، لكنه أيضاً وفَّر عليه حرق الكثير من الوقود للوصول إلى هذه المرحلة، لقد بدأ محمد من حيث انتهى عادل. "لمعي القط"، من حيث السيناريو هو شاب من طبقة فقيرة، بشهامة أولاد البلد، ويعمل كمساعد صيدلي (وهي مهنة تسمح ببعض الخبرة الطبية واحترام ظاهري، هو أفضل من العمال لكنه ليس صيدلانياً). يقدم محمد الشخصية، لكنه لا يعبر عنها اجتماعياً، هو فقط يعبر عمَّا قد يحلم مساعد الصيدلي بأن يكونه يوماً ما، هذه معادلة تجارية آمنة تكفل له النجاة والاستمرار، بدون أحلام الشعبية الخاصة بالوالد. وبالمناسبة، لم يكن محمد يقلد والده في ارتداء الحذاء، كان حذاء الأب الباتا الكلاسيكي الرخيص الذي اختفى من الأسواق، كان هذا حذاءه في "الحريف"، بينما حذاء محمد من النوع الذي يفوق سعره الحد الأدنى للأجر الشهري للعاملين لدى الحكومة المصرية. وهذا ما ألفينا عليه آباءنا يمكن العثور على بعض آثار عادل إمام في جزء من إيماءات الابن، هذه الإيماءات كانت رسالة مكوّدة بين الزعيم وجمهوره (نتذكر التحديقة الشهيرة مع رفعة الحاجب التي كانت كافية لتفجير صالات السينما)، إنها أقصى حالات التناغم بين الممثل والجمهور. لكن إيماءات محمد ليست بنفس الكفاءة، هي فقط تذكرنا بالجينات الوراثية. جزء آخر من المادة الوراثية هو تفضيل محمد للكوميديا الكاريكاتيرية (والتي تصبح فجَّة أحياناً). لقد وصل الأب لهذه المرحلة بعد تخبُّطه في التسعينات بحثاً عن جمهور هَجَرَه لمضحكين جدد، وتوصف أعماله الآن بأنها كوميدية رغم أن الضحك بها يحتاج بذل مجهود وليترات من الليمون، لكن عندما يفعل الابن نفس الشيء فإنه يبدو كمقطع من فيلم كارتون لديزني. الحمد لله، محمد إمام ليس مسؤولاً عن كل الجزء الكوميدي في المسلسل، وهو الخطأ الرئيسي الذي يصرُّ والده على ارتكابه حتى الآن.الضحك مسؤولية جماعية بخلاف الحلقة الأولى التي كانت دخلة فاخرة للبطل وحده، يتقلص وجود محمد تدريجياً، وبداية من الحلقة الثالثة لا تزيد مساهماته عن ربع زمن الحلقة الواحدة، لصالح خطوط أخرى موازية لشخصيات أخرى. عمر مصطفى متولي، نتاج آخر للتوريث، لكنه لم ينل نفس الرعاية التي تلقَّاها ابن خاله (والد عمر هو مصطفى متولي زوج شقيقة عادل)، وهو هنا يسحب السجادة برفق من تحت أقدام محمد، بدور مرسوم جيداً كضابط شرطة لا يجد الوقت للنوم، ويدمن القهوة السادة المغلية (مشروب العظماء)، ويتولى التحقيق في حادث خطف حافلة مدرسية متهم بها لمعي. مع مساعِده الضابط الآخر الغبي (محمد علي رزق)، يقدم عمر الكوميديا مخلوطة بالجدية بدون مبالغة وبأقل مجهود. هناك ثنائي كوميدي آخر يتمثل في زعيم العصابة (أحمد فتحي) ومساعده (محمود حافظ؛ نتذكره من إعلان "، لكن الخط غير ناجح لأن فتحي عاجز عن الإمساك بالخطورة والكوميديا بنفس الوقت، ثم ثنائي "مسرح مصر" دينا محسن (ويزو) مع محمد أنور، وهما هنا أفضل من تواجدهما على المسرح رغم المبالغة الكرتونية. ربما يكون هذا هو المسلسل الأكثر استعانة بممثلين كوميديين محترفين في أدوار ثانوية، فهناك دخول مفاجئ لسليمان عيد بدور الصعيدي الذي يتعرَّض للسرقة ويساعده لمعي، طاهر فاروز في دور الأخنف الذي فقد كل حروف الكاف للمرة الرابعة، مصطفى أبو سريع يقلد اللمبي (وهو مونتير تألق فجأة برمضان الماضي بمسلسل "راس الغول").. وأخيراً لقاء الخميسي كمذيعة بأعصاب الراقصات. تقديم كل هذه الشخصيات استهلك 3 حلقات كاملة، رفع إيقاع المسلسل، وأزاح العيوب تحت حافة السجادة، لهذا سيتزايد دور محمد بالتدريج، بداية من الحلقة التاسعة، مع شركاء. ثم أضف العيال.. الكثير من العيال تتأخر حادثة الخطف حتى الحلقة الرابعة، هذا شيء جيد بالنسبة لمسلسل كوميدي (ومقارنة بمسلسلات أخرى بدون موضوع حتى الحلقة العاشرة)، لكنه ممل بالنسبة لمسلسل حركة (مثل مسلسل "كلبش" الذي تبدأ معاركه في أول 3 دقائق). جزء كبير من زمن الحلقات من الثانية للرابعة تم إنفاقه في تقديم عائلات الأطفال المخطوفين بالحافلة المدرسية، ومقارنة مدرستهم الدولية بمدرسة شقيق لمعي الحكومية. مع وجود الأطفال، يُضاف لتصنيف المسلسل كونه مسلسلاً عائلياً، حيث تستغل العصابة تورط لمعي وتخطفه، ثم يتحد مصيره بمصير الأطفال، وهنا تبدأ شخصيته في التطور كبطل، هو تطور كلاسيكي لكنه فضل ونعمة، لأن تطور الشخصيات أصبح نادراً في الدراما التلفزيونية. حتى الآن لا يوجد هجوم أو اعتراضات على المسلسل على الشبكات الاجتماعية، هذا ليس جيداً، ويعني أنه لا يتمتع بمشاهدات عالية، لكن هؤلاء الذين تابعوه سيلاحظون تباطؤ الأحداث في الأسبوع الثاني والثالث، وهنا يأتي دور الأطفال لزيادة جاذبية المسلسل، وفتح خطوط درامية مؤثرة، وإضافة كوميديا عائلية، ثم ستكون الحلقات العشر الأخيرة في منتهى البطء، ككل المسلسلات المصرية.. ابتسم فهذا هو المتاح.
مشاركة :