تبقى حالة من التوتر مسيطرة على كل خطوط المواجهة بين روسيا والغرب، لا سيما الولايات المتحدة وحلف الناتو، ففي الأجواء تشعر روسيا بالقلق من مناورات مقاتلات وقاذفات تابعة للناتو قرب حدودها، ولذلك تعترض حركة تلك الطائرات، وفي ساحات السياسية لم تهدأ حتى اليوم عاصفة الاتهامات لروسيا باختراق مواقع إلكترونية أميركية، وتصنيف روسيا كمصدر تهديد إلى جانب إيران و«داعش». ويوم أمس أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن اعتراض قاذفة أميركية استراتيجية من طراز «بي - 52». وقالت الوزارة في بيان رسمي إن رداراتها رصدت في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم السادس من يونيو (حزيران) هدفا جويا كان يحلق في الأجواء فوق المياه الدولية في بحر البلطيق، على مقربة من الحدود الروسية، ولاعتراض ذلك الهدف انطلقت مقاتلة من طراز (سو - 27)، تابعة لقوات الدفاع الجوي في أسطول بحر البلطيق من القوات الروسية. وأكدت وزارة الدفاع أن المقاتلة الروسية اقتربت ضمن مسافة آمنة من الهدف الجوي، وتمكنت من تحديد هويته وهو قاذفة استراتيجية أميركية من طراز (بي - 52)، وقامت بمرافقتها حتى غادرت الأجواء قرب الحدود الروسية.سياسيا عبرت موسكو عن استيائها من تصريحات مايك بينس، نائب الرئيس الأميركي، الذي رأى في كلمته أمس أمام مجلس الأطلسي، إن العالم أصبح أكثر خطورة بسبب السياسات الروسية والإيرانية، والتهديد الإرهابي، وأشار بينس إلى «محاولات روسيا إعادة رسم الحدود الدولية بالقوة، ومحاولات إيران زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، والتهديد الإرهابي»، وضمن هذه المعطيات قال نائب الرئيس الأميركي إن «العالم اليوم أصبح على ما يبدو أكثر خطورة من أي وقت مضى، منذ سقوط الشيوعية قبل ربع قرن». وفي تعليقه على تلك التصريحات بقي الكرملين متمسكا بسياسة «ضبط النفس» والفصل بين «ترمب والآخرين»، والتمسك بآمال تحسن العلاقات بين البلدين. وأعرب ديميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين عن أمله بأن «يتضح بكل الأحوال موقف الولايات المتحدة»، ولم يسارع إلى رد شديد اللهجة، وقال في إجابته على سؤال «من أي موقف تنطلق موسكو»، أشار بيسكوف إلى أن «موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو الأساسي بالطبع، وهو تحديداً ذلك الموقف الذي تنطلق منه موسكو». وأعرب بعد ذلك عن أسفه «للصيغة التي تم اختيارها في الحديث عن روسيا»، وعاد بعد ذلك وقال: «نأمل بتطبيع وتطور تعاوننا (مع الولايات المتحدة) في مختلف المجالات».وقال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أمس الثلاثاء إن الرئيس دونالد ترامب طلب منه تجاهل المشاكل في واشنطن والتواصل مع موسكو لإعادة بناء العلاقات معها.جاء ذلك في معرض رد تيلرسون الذي يزور نيوزيلندا على سؤال إن كان يخشى سقوط إدارة ترامب بسبب اتهام روسيا بالتدخل في حملة الانتخابات الأميركية، في حين يدلي مدير مكتب «إف بي آي» المقال جيمس كومي بشهادته أمام الكونغرس الخميس. وقال تيلرسون، في تصريحات أوردتها الوكالة الفرنسية، إن «الرئيس كان واضحا معي: لا تدع ما يحدث هنا في الساحة السياسية يمنعك من أداء العمل الذي عليك القيام به في هذه العلاقة». وشهادة كومي هي أول تصريح علني يدلي به منذ أن أقاله ترامب الشهر الماضي وقد تمثل خطرا على الرئيس إذ إن إقالته جاءت في حين كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق في احتمال وجود تواطؤ بين فريق حملة ترامب وروسيا التي تقول الاستخبارات الأميركية إنها سعت لزيادة حظوظ ترامب في الفوز. وقال تيلرسون إنه ليس بوسعه التعليق على التحقيقات الجارية بشأن دور روسيا وإنه «حقيقة..لا صلة لي بأي من هذه المسائل الأخرى». لكنه أضاف: «كان الرئيس واضحا تماما معي بأن روسيا فاعل عالمي مهم وعلاقاتنا اليوم مع روسيا في مستوى متدن جدا وهي تشهد تراجعا (...) بالتالي طلب مني الرئيس أن أبدأ عملية تواصل مع روسيا لتثبيت هذه العلاقة حتى لا تشهد مزيدا من التراجع».وأوضح أن ترامب طلب منه «تحديد المسائل ذات الاهتمام المشترك حيث يمكننا ربما بناء مستوى من الثقة لإيجاد مجالات يمكننا العمل فيها معا (...) وهذه هي العملية الجارية اليوم». وتابع: «كان واضحا معي بأن أمضي بأي وتيرة وفي أي مجالات يمكننا فيها تحقيق تقدم».إلى ذلك عادت قضية الاتهامات الأميركية لروسيا باختراق مواقع إلكترونية، وتصدرت مجددا مشهد العلاقات الأميركية - الروسية. إذ نشرت صحف أميركية ما قالت إنها معلومات من تقرير سري أعدته وكالة الأمن القومي الأميركية، يؤكد أن الاستخبارات العسكرية الروسية قامت باختراق إلكتروني على الأقل على واحد من معدي البرمجيات التي تُستخدم خلال التصويت في الانتخابات الأميركية. فضلا عن ذلك يؤكد التقرير أن الاستخبارات الروسية قامت بإرسال رسائل بريدية كاذبة إلى أكثر من 100 موظف محلي في اللجنة الانتخابية قبل عدة أيام على الانتخابات الرئاسية عام 2016. ونفى الكرملين تلك المعلومات، وقال بيسكوف في حديث للصحافيين أمس: «لا تمت تلك التأكيدات بأي صلة بالمطلق للواقع، ولم نسمع أي معلومات أخرى، لم نسمع وقائع تؤكد صحة تلك المعلومات، وعليه فإننا ننفي بحزم احتمال أن شيئا من هذا قد وقع».وبينما تستمر روسيا في نفيها الاتهامات بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 يستعد البرلمانيون الروس لتشكيل لجنة خاصة، مهمتها الرئيسية مراقبة نشط الدول الأخرى، والتصدي لأي تدخل في الانتخابات الروسية، لا سيما من جانب الولايات المتحدة ودول الناتو. وقال قسطنطين كوساتشوف، رئيس لجنة الشؤون الدولية في المجلس الفيدرالي (أو مجلس الشيوخ)، إن المجلس سيقدم اقتراحا بتشكيل لجنة خاصة تعمل بصورة دائمة «مهمتها مراقبة النشاط الموجه ضد روسيا»، وأشار إلى أن محاولات التدخل في الشؤون الروسية الداخلية مؤهلة للتزايد في الفترة التي تبدأ فيها المرحلة الانتخابية، وقال إن روسيا «تواجه محاولتا نشطة ومتتالية للتدخل بشؤونها الداخلية»، الأمر الذي أكد السيناتور الروسي أنه عمل طبيعي تمارسه بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو.
مشاركة :