«الناتو» عماد استقرار أوروبا والتعاون بين ضفتي الأطلسي والدور الأميركي الرائد

  • 6/7/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

استقبل الناس الاحتفالات بذكرى 60 سنة على الناتو بفتور، ورأوا أن الكلام على دور الناتو التاريخي ممل. ونبرة وسائل الإعلام المؤثرة في الرأي العام حين تناول الناتو ساخرة، أو توحي بأن الحلف هو شأن ثانوي لا يستحق التوقف عنده أو الاهتمام. وبرزت دعوات إلى إنهاء الحلف الأطلسي، وزعمت الدعوات هذه أنه غير وازن على المستوى الجيو- استراتيجي، وأن عجلته لا تدور. وسخر الروس من اتحاد الحلف الأطلسي، ورأوا أنه من رفات الحرب الباردة. ولم تستقبل وسائل الإعلام عودة فرنسا إلى المشاركة الكاملة في بنية الناتو العسكرية –بعد أكثر من 40 عاماً من الامتناع عن مثل هذه المشاركة- بحفاوة ولا إيجابية. لكن قرار باريس هذا وازن، فهي أمة تفتخر بدورها الجامع والعام، لذا مالت إلى حلف شمال الأطلسي –وهو ليس ناتو الحرب الباردة بل ناتو القرن الـ 21- وانضمت إلى البنية العسكرية في أبرز حلف عسكري في العالم في وقت تتغير ديناميات الأمن العالمي. ورسخ الناتو في سنواته الستين الأسس المؤسساتية لثلاثة تغيرات هائلة في شؤون العالم: أولاً، نهاية قرون من «الحرب الأهلية» في الغرب والتنازع على التفوق ما وراء البحار والتفوق الأوروبي؛ وثانياً، التزام أميركا ما بعد الحرب العالمية الثانية الدفاع عن أوروبا في وجه الهيمنة السوفياتية؛ وثالثاً، طي الحرب الباردة سلمياً، وإنهاء انقسام أوروبا الجغرافي- السياسي وتشريع الأبواب أمام اتحاد أوروبي ديموقراطي أوسع. ولكن إثر هذه النجاحات السؤال «ماذا بعد» مشروع. فما هي دروس الستين عاماً الماضية؟ وطُلب من أمين عام الناتو تطوير «مفهوم استراتيجي جديد وتقديم اقتراحات لسبل تطبيقه». وهذا المفهوم يفترض أن يعالج 4 تحديات رئيسية: سبل الوصول إلى نتيجة مقبولة سياسياً لدور الناتو المتنامي في النزاعات الأفغانية والباكستانية المتداخلة؛ سُبل تحديث معنى «الأمن الجماعي» وموجباته في البند الخامس من اتفاق التحالف؛ كيفية إشراك روسيا في علاقة ملزمة وجامعة في أوروبا والمجتمع الشمال الأطلسي الأوسع؛ وسبل جبه معضلات الأمن العالمي الجديدة. والإخفاق في جبه هذه التحديات الأربعة يقوض الإرث الثلاثي للناتو الذي تقدم ذكره. وفي القرون الخمسة الماضية، هيمنت على السياسة العالمية دول مشاطئة لشمال الأطلسي. وأرسى تنافس الدول هذه على القوة والثروات تفوقَ منطقة شمال الأطلسي الإمبريالية. ولكن التفوق هذا لم يكن مستقراً، وكان يقوضه دورياً التنافس بين الدول هذه (البرتغال وإسبانيا وفرنسا وهولندا والمملكة المتحدة) على الهيمنة الإمبريالية في البحار. وفي القرنين الأخيرين، تغيرت الأولويات، على رغم توسع المنافسة هذه، في عهد نابوليون، من السيطرة على المحيطات إلى الهيمنة على أوروبا كلها. والتحدي النابوليوني غيّر وجه الجغرافيا السياسية للتنافس الشمال الأطلسي، وسرّع وتيرة دخول قوتين غير أطلسيتين –بروسيا (التي صارت لاحقاً ألمانيا) وروسيا الأوراسية (الاتحاد السوفياتي في وقت لاحق)- في التنافس. وبعد قرن، جذبت الحرب العالمية الأولى، وهي كانت حرباً أوروبية، إليها الولايات المتحدة من الضفة الثانية للأطلسي. وكان تدخل أميركا في الحرب حاسماً، فرجحت كفة الحلف البريطاني– الفرنسي- الأميركي. ولكن الاستقرار لم يدم، ففرنسا أصابها الإنهاك، والمملكة المتحدة شارفت على الإفلاس، وكانت أميركا مترددة ولم تحسم أمر دورها الدولي بَعد. ثم أدى انبعاث ألمانيا السريع إلى الحرب العالمية الثانية. والنصر في هذا النزاع الشامل عاد جزئياً إلى تحالف شمال أطلسي بين بريطانيا وأميركا. واضطر التحالف إلى تقاسم غنائم وخسائر النصر في أوروبا مع شريكه في وقت الحرب ومنافسه، الاتحاد السوفياتي الأوراسي. وسيطرت موسكو على وسط أوروبا وشرقها، وصارت أوروبا الغربية تعتمد اعتماداً كاملاً على الولايات المتحدة، ففي الحربين العالميتين، انتحرت أوروبا سياسياً. وجبهت الولايات المتحدة التحديات. وكان الناتو أبرز وسيلتين توسلت بهما واشنطن إلى تعزيز التعاون في الجزء الغربي المتبقي من أوروبا. وعلى رغم أن الأوروبيين الغربيين أدركوا الحاجة إلى تجاوز انقساماتهم التاريخية، دارت مساعيهم في مرحلة ما بعد الحرب على كبح ألمانيا والمضي قدماً في الاندماج. والفضل يعود إلى الولايات المتحدة في التعافي الاقتصادي الأوروبي من طريق مشروع مارشال. ويعود الفضل إلى الديبلوماسية البريطانية -وهي أدركت أن بريقها خبا وأن دورها العالمي هو رهن الارتباط الوثيق بواشنطن- في حمل الولايات المتحدة على التزام أمن أوروبا الغربية وصمودها بصفتها مجموعةَ دول ديموقراطية وجزءاً أساسياً من الغرب المتقلص. وعلى رغم أن الغاية من الناتو رمت إلى ضمان أمن غرب أوروبا في وجه الخطر السوفياتي، خلف الحلف هذا أثراً سياسياً في المنطقة هذه حمل دولها على المصالحة مع ألمانيا وإيطاليا، والصدوع بالترابط بين ضفتي الأطلسي.     * مستشار الأمن القومي الأميركي بين 1977 و1981 (توفي في 26/5/2017)، عن «فورين أفيرز» الأميركية، 1/9/2009، إعداد منال نحاس

مشاركة :