خلال عقودٍ من البناء والتنمية حققت المرأة السعودية إنجازاتٍ متراكمةٍ في مجالاتٍ كثيرةٍ ، ما جعلها مؤهلة تماماً للمشاركة مع الرجل في إدارة وصنع القرار الوطني. إذ رغم العادات المُتوارثة ، والأفكار المُنغلقة ، والمتوجسة ، تجاه رغباتها ، وتطلعَّاتها ، نجحت في دخول قبة مجلس الشورى ، والمجالس البلدية ، وتقلدت بجدارةٍ ، وأناقةٍ ، مئات المناصب القيادية، في التعليم العام ، والعالي ، والصحة ، والشؤون الاجتماعية ، وسواها ، وفي العديد من منشآت القطاع الخاص. ومن الجميل في هذا الشأن ، أنَّ الوعي المجتمعي المُطِّرد ، يؤذن بانحسار مفعول مرحلة الوصاية ، التي رغم شِدتها ، وقسوتها ، ورعونتها ، طوال عقودٍ من الزمن ، فقد فشلت في كسر مجاديف المرأة السعودية ، ما جعل منها ، في كل المراحل، رقماً صعباً في المعادلة الوطنية. والأجمل أنَّنا في هذه المرحلة ، نتلمس بشكلٍ واضحٍ ، توجهاً عاماً للدولة ، لجهة الدفع بالمرأة السعودية نحو المزيد من المشاركة في العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولا يمكن إغفال أدوار الإعلام الجديد ، أو مواقع التواصل الاجتماعي ، في إبراز قضايا وهموم المرأة السعودية ، فقد كانت أحد أبرز الأدوات المجتمعية المتاحة ، لبناء المزيد من جُدُر الوعي بحقوقها ومطالبها المشروعة، وكان لافتاً جداً الصدى الإيجابي لما تطرحه هذه المواقع ، ومن ذلك على سبيل المثال ، ما يتصل بمسألتي قيادة المرأة للسيارة، وتمكين المرأة بلا ولي أمام تسلُّط وظلم وقسوة بعض الأولياء في استخدامهم لحق القَوامة. على كل حالٍ ، لا تزال مسيرة المرأة السعودية لنيل حقوقها ، كاملةً ، طويلة ، وتحتاج إلى مزيدٍ من الجهد والعمل والمثابرة والصبر. فمقاومة التغيير ، سوف تظل ، إلى آخر لحظةٍ ، شرسة ، ومتشبثةً ، بمكتسباتها ، في الوصاية على ” الدُّرة المصونة ” !! من المهم جداً ، في هذا السياق ، أن تتبلور لدينا ، رؤية ، أكثر شمولية واتساعاً، تتجاوز مسألتي قيادة المرأة للسيارة ، والتمكين بلا ولي ، رغم أهميتهما ، ومشروعية المطالبة بهما، من خلال تبني كل قضايا وهموم المرأة السعودية ، التي تتصل بشؤون حياتها ، ومعيشتها ، ومتطلبات استقرارها الاجتماعي والنفسي ، وما أكثرها ، ومنها ، على سبيل المثال ، قضايا العضل والعنف والتَّحرش، والطلاق ، والميراث ، والنفقة ، والخُلع ، والحضانة. إذ من المؤسف أنَّ أروقة المحاكم تزدحم بمثل هذه القضايا والدعاوى ، وهناك العديد من النساء لا يطرقْنَ هذا المجال المُتاح لهن ، ويُفضلْنَ تحمل تعسف الأولياء ، وظلمهم ، والتضحية بحقوقهْنَ وسعادتهْنَ، للمحافظة على الخيط الرفيع لما يرونه ملاذهم الأُسري والعائلي. وهذا يعني بالضرورة ، سُرعة التَّحرك باتجاه إصدار تشريعاتٍ قانونيةٍ نافذةٍ ، تُسهم في تحسين حياة المرأة ، ومعالجة الخلل والمعوقات في تنظيمات ومؤسسات الدولة ، التي تحول دون ذلك . وهذا ما كنا نأمله ، ولا نزال ، من مجلس الشورى، وخاصَّة من العضوات المُحترمات . إذ كان يُفترض أن يتصدرْنَ المشهد ، بالضغط لإصدار مثل هذه القوانين، التي تحفظ للمرأة كرامتها ، وحقوقها ، داخل وطنها ، وخارجه ، وتُزيل عنها الكثير من الاجتهادات المجتمعية والثقافة الموروثة في تعاطيها غير الملائم مع شؤون المرأة. ——————————————————————————————————————————– د. عبدالمجيد الجلاَّل كل الوطن
مشاركة :