يَتعاظم «حبْسُ الأنفاسِ» في لبنان في مواجهة الملفات الصاخبة، المحلية والإقليمية والدولية، والتي تشكّل استحقاقات يصعب القفز فوقها أو إدارة الظهر لها، ما يجعل بيروت في قلب عاصفة لا يُستهان بها من الأخطار التي لا يمكن تَوقُّع نتائجها في ضوء التحولات المتسارعة في منطقة تضجّ بالحروب والأزمات والسيناريواتِ الأكثر دراماتيكية مما هي عليه الآن.وتَتوزّع الألغام الكثيرة التي تتربّص بلبنان على خريطة مفخَّخة بعناوين قابلة للاشتعال في ضوء الحِراك اللا سابق له في المنطقة... من الصراع على المعابر بين سورية والعراق الى «أزمة قطر» ومغازيها، ومن «تَناتُشِ» عاصمة «داعش» في الرقة الى الهجمات في قلب طهران، ومن مناقشةِ العقوبات على «حزب الله» في واشنطن الى أزمة قانون الانتخاب في بيروت، كلها قنابل «موقوتة» تدهم بيروت.ورغم أن أزمة قانون الانتخاب تشكّل رأس جبل التحديات التي تواجه لبنان نظراً لحماوتها الداخلية وارتباطها بخطر الانزلاق الى الفراغ، فإن وهْجَ الصراع المتعاظم في المنطقة وجبهاتها العسكرية والديبلوماسية يؤجّج جمْر أزماتٍ تحت الرماد في بيروت التي تُعانِد الانزلاق الى حروب الآخرين وتسعى للنأي باستقرارها السياسي والأمني «الهشّ» عن اللعبة الكبرى في المنطقة ومنزلقاتها الخطرة.هذا الهاجس اللبناني قَفَز في الأيام القليلة الماضية الى الصَدارة مع «أزمة قطر» وتعقيداتها، وانطوى على تحرّياتٍ مكتومةٍ لمسؤولين لبنانيين عن التداعيات التي قد تلفح بيروت، وسط حرصٍ على تفيؤ موقف الكويت ودور الوساطة الذي تضطلع به، الأمر الذي من شأنه تجنيب لبنان أثمان تضاؤل هامش المرونة حيال سياسة المَحاور التي تنحو في اتجاه مزيدٍ من التشدُّد في ضوء المواجهة الخليجية - الإيرانية بعد قمم الرياض.ولن يكون ملفُ العقوبات الأميركية في نسخته الجديدة ضدّ «حزب الله» أقلّ وطأة، مع شروعِ الكونغرس اليوم الخميس في مناقشة مسودةِ مشروعٍ جديد في هذا الاتجاه، وهو ما يُخشى من تداعياته على لبنان الذي قرّر، بحسب ما قال رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه بعد لقائه وزير الخارجية جبران باسيل، تشكيل وفد برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري لزيارة واشنطن في محاولةٍ للحدّ من تأثيرات تلك العقوبات على لبنان.وأَظْهرتْ واشنطن تَشدُّداً في سعيها الى محاصرةِ «حزب الله» الذي تعتبره منظّمةً إرهابية أسوةً بـ «داعش» و«القاعدة»، وخصوصاً في ضوء السياسة الحاسمة للإدارة الأميركية في التصدّي للنفوذ الإيراني وسعيها لقطْع «حبل السرّة» في ما يُعرف بـ «الهلال الإيراني» الممتدّ من طهران الى بيروت عبر بغداد ودمشق، من خلال السيطرة على معبر التنف على الحدود السورية - العراقية وتجفيفِ موارد «حزب الله» الذي يعاني ضائقةً مالية.ورغم ان «حزب الله» سيكون عرضة للضربات الأميركية في مناطق التماس في سورية، فإن واشنطن تحاذر في غمرة «الحرب الناعمة» التي تشنّها ضدّه عبر العقوبات المالية المساس بالاستقرار اللبناني الذي توليه أولوية ولا سيما في شقّه المتعلق بدعم الجيش اللبناني في معركته ضدّ الارهاب، وهو ما عبّر عنه قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل الذي التقى كبار المسؤولين اللبنانيين قبل ان يتفقّد الجبهة الشرقية الحدودية مع سورية التي يواجه فيها الجيش مجموعاتٍ من «داعش» و«القاعدة» في جرود عرسال.وفي غمرة هذه اللوحة المعقّدة، تشهد جبهة قانون الانتخاب الجولة الأخيرة من لعبة «عضّ الأصابع» وذلك قبل 4 أيام من موعد الجلسة التشريعية الاثنين التي يفترض ان تطلق مسار إقرار القانون قبل نشْره في الجريدة الرسمية متضمّناً فترة التمديد للبرلمان الذي تنتهي ولايته في 20 الجاري، في ظلّ شبه تسليم بأن تَجاوُز «خط النهاية» بلا اتفاق سيكون بمثابة «انتحار جَماعي».وفيما عقد مجلس الوزراء جلسة عادية، امس، غاب عنها قانون الانتخاب، فإن المفاوضات المستمرة لبلوغ توافقٍ حصرت النقاط التقنية العالقة بإصرار «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) على تخصيص 6 مقاعد للمغتربين اضافة الى مطالبته باعتماد معيار مركّب لعتبة نجاح المرشح على قاعدة ان يحصل على 40 في المئة من الحاصل الانتخابي ضمن طائفته، وهو ما تعترض عليه أطراف عدة أبرزهم رئيس البرلمان نبيه بري، مكرّراً رفْضه «الحمولة السياسية» التي يسعى «التيار» خصوصاً الى ربْطها بالقانون لجهة مجلس الشيوخ وتثبيت المناصفة في البرلمان ونقاط أخرى، مقترحاً ترْك هذه العناوين لطاولة حوار يرعاها عون لاحقاً.
مشاركة :