قال الشيخ علي محيي الدين القره داغي في كتابه الاجتهاد والذي ينشر على حلقات بصحيفة «^» طوال شهر رمضان المعظم: «أهم العناصر المطلوبة للمجتهد والمفتي أن يعلمها حول مصادر الاجتهاد والاستنباط: المصدر الأول: الكتاب، وهو القرآن الكريم المنزل بلفظه ومعناه على الرسول صلى الله عليه وسلم المعجز بلفظه ومعناه، المتعبد بتلاوته الموصول إلينا بالتواتر، والمصدر الثاني: السنة النبوية. وأضاف السنة لغة هي الطريقة، والسيرة، والطريقة المسلوكة المتبعة، وسنن الله تعالى نواميسه وقوانينه التي لا تتغير، ولا تتبدل، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هي طريقته التي سار عليها في العبادة والسلوك والعمل، حيث يقول: «ومن أعرض عن سنتي فليس مني» أي: مَن أعرض عن منهجي وطريقتي في الاعتدال، وطلب حسنَتَيِ الدنيا والآخرة، وعدم الزواج، وترك الأكل والشرب فليس مني. فالسنة بهذا المعنى عامة تشمل المنهج العام الدقيق الذي سار عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حياته الشريفة، سواء كان هذا المنهج قد تلقاه من الله تعالى بلفظه، ومعناه المعجزين (أي القرآن) أو بمعناه فقط، أو أقر عليه (أي الحديث النبوي) وهذا المعنى العام ورد على ألسنة الصحابة أيضاً، حيث روى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «وقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، أي الصفا والمروة فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما» مع أن مشروعية السعي بين الصفا والمروة، وكونهما من الشعائر بنص القرآن. وقد ورد لفظ السنة على ألسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه على ذلك، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي أرستها أقواله وأفعاله وتقاريره (أي غير القرآن) فقال صلى الله عليه وسلم: «شهر كتب الله عليكم صيامه، وسننتً لكم قيامه»، فهذا واضح في أن المراد بالسنة هنا ما جعله رسول الله ندباً وتطوعاً، وقال ابن عباس: «ما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا وقد علمته غير ثلاث: لا أدري كان يقرأ في الظهر والعصر أم لا، ولا أدري كيف كان يقرأ..». والتحقيق أن لفظ السنة أو «سن» كان يطلق في العصر الأول على عدة معانٍ: 1- الطريقة مطلقاً، 2- وعلى الطريقة التي كانت تشمل الإسلام كله، 3- وتطلق على ما قاله، أو صدر منه، أو أقر الناس عليه (أي ما سوى القرآن)، 4- كما كانت تطلق على المندوب، والمستحب الذي يقابل الفرض، فإذا أطلقت على الطريقة تسند إما إلى الله تعالى، أو إلى غيره، وحينئذ تعرف الطريقة أنها حسنة، أو سيئة، فيتحدد معناها على ضوء المضاف إليه، أو القرينة، وإذا أطلقت على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي أقواله وأفعاله وتقاريره) فإنه في الغالب يُذكر معها كتاب الله، أو الكتاب، وإذا أطلقت على المندوب والمستحب فيذكر معها الفريضة. فمن الأول قوله تعالى: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) أي طريقته المتبعة، وناموسه، وقوانينه في تدبير الكون، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من سنّ في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده كُتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء». وقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي». ومن الثاني ما رواه ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما قالا: «سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة السفر ركعتين، وهما تمام غير قصر» ولا شك أن تشريع القصر في السفر كان بنص القرآن الكريم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن القصر إلى ركعتين فقط، وروى البخاري بسنده عن ابن عباس أنه سُئل عن التمتع بالعمرة في أشهر الحج فقرأ قوله تعالى: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ثم قال: «فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة، فإن الله تعالى أنزله في كتابه، وسنَّه نبيه صلى الله عليه وسلم، وأباحه للناس غير أهل مكة، قال الله تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فهذا صريح وواضح في إطلاق السنة على ما ثبت بالقرآن أيضاً. وعلى الإطلاق الثالث أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم عن أنس قال: «جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجالاً يعلموننا القرآن والسنة...»، ولا شك أن السنة هنا هي أقوال النبي، وأفعاله وتقاريره (أي غير القرآن)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا أبداً: كتاب الله، وسنة نبيه»، والسنة بهذا المعنى تقسم إلى سنة مفروضة، وإلى سنة مندوبة، بل وإلى غيرهما، قال مكحول:» السنة سنتان: سنة الأخذ بها فريضة، وسنة الأخذ بها فضيلة».;
مشاركة :