بعد انطلاق شرارة الربيع العربي بأقل من عام تقريبا، كنت في لقاء خاص مع وزير خليجي، كان يتحدث فيه بامتعاض عن السياسة الخارجية لدولة قطر، واصفا الأدوار التي تضطلع بها بأنها "صعلكة قطرية"، كونها برأيه تشكل ليس مصدر خطر على بلاده فقط، بل على المنطقة بأسرها، بسبب دعمها لجماعات "الإسلام السياسي" ولعبها على المتناقضات بشكل سلبي. هذا الرأي وغيره من التصريحات أتت نتيجة خروج الدوحة عن السياسة المتفق عليها بين الأطراف الداعمة للمعارضة في سورية، والتي اتفقت على أن تكون هنالك قناة محددة ورسمية وبإشراف دولي، هي من يتم من خلالها دعم وتدريب المقاتلين ممن اصطلح على تسميتهم "المعارضة المعتدلة"، والتي يشكل "الجيش الحر" عمودها الفقري. كانت "غرفة العمليات المشتركة" في العاصمة الأردنية عمان، وفرعها الآخر في تركيا، تشكلان خلية مصغرة تضم ضباطا ورجال استخبارات وممثلين سياسيين عن دول أجنبية من بينها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، ودول عربية تضم السعودية، الإمارات، قطر، الأردن، إضافة إلى تركيا. وكان مندوبو هذه الدول يجتمعون بشكل دوري، فيما الضباط يعملون بالمناوبة بشكل مستمر. عمليات التدريب على الفنون القتالية، والعمليات الخاصة، وتزويد المعارضة بالعتاد الحربي، وجمع المعلومات، والتنسيق بين المقاتلين، كانت هي المهام الأساسية لهذه "الغرفة"، وفق أجندة محددة، تروم أن تسيطر جماعات المعارضة المعتدلة الوطنية على المناطق التي تنسحب منها قوات النظام السوري، كي لا تقع بين يدي الجماعات الأصولية مثل "داعش" و"النصرة". "كانت تجربة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 ماثلة أمام أعيننا، وكيف شكلت أزمة مع الولايات المتحدة، بسبب مجموعة من الإرهابيين المتطرفين، ولا نريد لهذه الأزمة أن تتكرر"، قال لي مسؤول سعودي كان نشطا في متابعة الملف السوري، كاشفا عن أن المملكة أخذت قرارا واضحا وصريحا بعدم دعم "المجموعات الإسلامية المتشددة" في سورية. ولكن ما الذي حصل تاليا، لتغضب الرياض من الدوحة؟ يشرح ذات المسؤول مبينا أن قطر وعوض أن تلتزم بما تم الاتفاق عليه بين الدول الداعمة للمعارضة السورية، راحت تقوم بعمليات تمويل وتسليح ودعم من خارج إطار "الغرفة"، وتم ذلك بتنسيق مع جهات أخرى أحيانا، وغض طرف في أحيان أخرى. وكان المندوب القطري يتهرب من الإجابة أو "يعبث بهاتفه المحمول"، أو "يصمت"، عندما تتم مجابهته بالحقيقة والوثائق التي تثبت تسليح حكومته لجماعات "أصولية" في سورية. وهي ليست حادثة واحدة أو اثنتين، بل تكررت مرارا، ما استدعى لأن تأخذ الرياض موقفا واضحا بتعليق مشاركتها -حينها- في غرفة العمليات. تلك كانت أحد أوجه المشكلة بين السعودية وقطر في الساحة السورية، حيث يعتبر السعوديون أن الدوحة كانت تقوم بدور "تخريبي" أدى لأن يطول أمد الصراع في سورية، وأن تنشط الجماعات الأصولية، وتكون أقوى من باقي الفصائل الوطنية والمعتدلة، وهو ما يشكل خطرا على منطقة الشرق الأوسط برمتها.
مشاركة :